حامد حبيب - المسارُ الفلسفى فى رواية (ليلة فى حياة كاتب) للروائي مجدي جعفر (٤)

إنَّ التعريف الأمثل للفلسفة هى أنها تُمثِّل وجهة نظر أو رؤية فكرية شاملة إزاء الحياةِ والإنسان والعالم.وكل وجهة نظر تُعبِّر عن موقف صاحبها

_فيلسوفا أوأديباً_ من المجتمع والعصر الذى يعيش فيه ، وهى بهذا المعنى تبحث عن معنى الحياة

والاهتمام بمشكلات الإنسان الواقعية.

ولقد استطاع الكاتب أن يعبّر عن رؤيته ووجهة نظره الخاصة فى حصد البطولات من خلال عنصرَى المال والإدارة المحترفة، فيما يشبه التفاعل الكيميائي (مال+إدارة محترفة= (نجاح) بطولات،

فى قوله على لسان البطل: " النادى الذى يملك المال والإدارة المحترفة هو الذى سيصمد ويحقق البطولات.."__(٦٥)

ولعلّ المقصود أن الدولة التى تعتمد على هذين العنصرين سيتوافر لها النجاح فى مشروعها الاقتصادى ، فما النادى إلا دولة مصغّرة أو نموذج

لتك التجربة.

يؤيد ذلك القول مانصُّه:

" ولابُد ياولدى من استباق

الزمن وتحويل النادى الوطنى الكبير إلى شركة مساهمة"___(٦٥)

( الوطنى/ الكبير/ شركة مساهمة ) إشارة إلى معنىّ أبعد من ذلك (الدولة) يكون للفرد فيها نصيب من أرباح الإنتاج .

ويواصل:

" ولكن احذر ياولدى أن تكون هذه الشركة طاردة للمثقَّف الحقيقى ، أو تكون طاردة لكاتب

الكلمة الجادة"___(٦٦)

واعتقد إن إدخال( الثقافة / كاتب الكلمة الجادة) فى هذا الإطار يؤكد مقولتنا السابقة ، فى أنه لم يكن

معنى مجرّد أوقاصر على هذا النادى، بل معنى أشمل

(الدولة).

وعندما استدعى (كونفوشيوس) وفلسفته ، فلماذا كان هذا الاختيار لتلك الشخصية؟

بالطبع هو كاتبٌ مثقف لديه سعة من الثقافة والاطّلاع وقادر على توظيف الشخصية فى الرواية لملائمة فلسفة (كونفوشيوس) _الفيلسوف الصينى

_مع مايريده فى هذا الموضع....ف(كونفوشيوس)

قامت فلسفته على أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمُثُل أخلاقية عليا، وأنها أُنشئت فقط لخدمة الشعب وليس العكس ، وكراهية الطغيان والاستبداد.

ويتبنى البطل حكمة هذا الفيلسوف،لأنها تتطابق مع وجهة نظره :

" أمضغ حكمة (كونفوشيوس) التى عشقتها منذ زمن…

_آمِن بالحق، وأحِبّ العلم ، واتبع الفطرة ، ولاتقم فى مملكة سادتها الفوضى.

_واطلب المنصب إذا كانت البلاد محكومة بسياسة حكيمة، واعتزل إذا كانت تحت سياسة غاشمة.."

___(ص٢٣)

فعندما استدعى تلك الشخصية الفلسفية، فمعناه أنه

أن الحكومة لابد من أن تخدم هذا الشعب، وأنه ضد كل استبداد وطغيان وكراهية الفوضى وضرورة

قيام العدل.

يدخل بنا فى عالم (دارون)ونظرية النشوء والارتقاء..ماعلاقة نظرية داروين بالسياسة،

بالدين..؟

الكاتب يحيلنا إلى العلة البعيدة ، فالقريبة مظهر

وتلك البعيدة كانت الدافع وراء النظرية :

" وجاءوا ب(دارون) صاحب المهمة، و(دارون) كان يحب اليهودية، واحترق بحبها، ويقول"دينى أنا وأنا دينى"

ودخل عنده التعصب فى الحب.

ونحن أمام أمرَين:

الأول: أن التعصُّبَ من عوامل إفساد التفكير العلمى السلمى..وعلى هذا الأساس فنظريته لا أساس لها من الصحة.

ثانياً: وكما أورد الكاتب"صاحب المهمة" أى جاء به اليهود للتشكيك فى مسألة الخلق من ذكر وأنثي، من آدم وحواء.

ودليل أنه "صاحب المهمة" ماجاء فى "بروتوكولات حكماء صهيون"نفسها، حين قالوا :".. ونحن الذين رتّبنا نجاح (داروين) و(داروين) يقول بنظرية التطور

.."فتقول : "إن الإنسانية متطورة في عقلها ، وفى تفكيرها ، ومعنى هذا أنه ليس هناك قضية مطلقة لا في الأخلاق ، ولافى التشريع ولافي العقائد ..ليست هناك قضية مطلقة ثابتة فيما يتعلق بهذه المجالات،

وإنما هذه القضايا فى تلك المجالات تتبع رقىّ الإنسانية..فما هو حقيقة اليوم سيكون فى الغد غير صحيح ، وهكذا الأمر فيما يتعلق بالتطور"...لذا كان استدعاؤه مقصود فى هذا الموضع لفضح المؤامرات التى تستهدف العالم والثوابت الدينية.

هذا هو المعنى الحقيقي والمقصود من وراء نظرية داروين …" دارون الذى خلط بين الحب والتعصب،

أجاز لنفسه التدخل في عمل الإله بالتعديل"_(٨٧)

*"اللوحة ال..

آى : متى يصبحُ مثلى عظيماً ، عظيماً مثل خوفو أورمسيس؟

_اليهودى: عندما يصبح كل الناس، وكل شئ ، كل شئ ملكك،لاتشتهي شيئاً إلا وأصبح ملكك"_(١٠٩)

والمقصود لديهم إشاعة الاستبداد والترويج له، وهو ماجاء فى البروتوكولات أيضاً:" ..إن مايحقق سعادة البلاد هو أن تكون حكومتها فى قبضة شخص واحد مسئول.. وبغير الاستبداد المطلق لايمكن أن تقوم حضارة.."

*وقد كان ل(ابن عربى) فلسفة قامت عليها طريقته الصوفية ، ولأنّ التصوف إشكالية كبرى في صعوبة فهمه ، أُسيئَ إليه كثيراً ، لأن التذوق أولاً وأخيراً هو تذوق وجداني، وله خفايا باطنية وثمرات روحية،

ولايتأتّي بالتعليم والدراسة ، من أجل ذلك نُظِر إلى التصوف بسوء فهم ، والنظر إلي أصحابه على أنهم كفَرة وزنادقة

وعن تلك الإشكالية:

"- ماله ابن عربى ياخالد؟..

-صوفى ياشيخ مش كفاية!

-.بقولّك صوفي…كافر

-.منين جبت كلامك؟.

-من أساتذتنا"__(٧٤)

يستنكر الكاتب تلك النظرة السطحية للمتصوفة.

*فى داخلى جماليات أخرى ، أصبحت من مفردات فلسفة الجمال عندى.."__(ص٦٥)

"تقاطعنى : أنت دارس تاريخ أو علم نبات أو زراعة أو فلسفة؟ قلت: الجمال.

تقاطعنى ثانية : الجمال هو مايعود علينا بالنفع، جمال شجرة القطن ، فى القطن الذى نصنع منه ملابسنا ليسترنا ، وجمال نبات القمح فى السنبلة

التى تصنع منها خبزاً لنسُدّ به الرمق..

قلت محتدّاً: هذه النظرة مثل نظرة فلاحى قريتنا،

نظرة مادية ونفعية و…

قالت: بل قل واقعية"____(ص١١٢)

هذا الحوار يشير إلى المذهب أو النظرية المادية النفعية التى تسود فى واقعنا الحالى .

*قضايا عديدة أخذت إطاراً فلسفياً ، ضمّنها رؤيته

ورؤية الآخرين لكشف الواقع المُعاش ، وهو الإطار

الأقوى ، لأنه كشف عن جوانب عديدة ، هى فى الحقيقة جوانب هادمة ، أراد التحذير منها :

_كيفية تحقيق الرّقى والتقدم والنجاح.

_مقاومة الاستبداد.

_فى مؤامرات الصهيونية.

_فى التحلّى بالمنطق والتفكير العلمي السليم .

_عدم التخلى عن الأخلاق والجمال ضد شيوع المذهب النفعي الذى يحجبنا عن الجانب الجمالى.

فميزةُ النشاطِ العقلي الفلسفى أنه يساعد فى فحص

وتنقيب الجوانب السلبية في الثقافة والعلاقات الاجتماعية وتحليل مشكلات الحاضر الاجتماعى

المختلفة ، ليتسنّى لنا الإسهام في تغييره ، وهو مايسلّمنا إلى"النقد الفلسفى"الذى يعنى الجهد العقلى

والعملى لعدم تقبُّل الأفكار تقبُّلاً أعمى ، كما يقترن هذا النقد دائماً بالبناء واقتراح بدائل وحلول مقنعة

للمشكلات الثقافية والاجتماعية.

وهذا كان واضحاً فى سطور الرواية ، إذ تم عرض عدة قضايا مختلفة فى هذا الإطار الفلسفى بالبحث فى العلل البعيدة لتلك القضايا.

....................................

___( يتبع )___

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى