استيقظت جيداء على صوت المنبه.. فتحت عينيها بصعوبة.. لحظات، وكأن العقل يضع فاصلة مابين النوم والتيقظ.. استرعى انتباهها عصفورٌ يقف على طرف النافذة معلنًا قدوم يوم جديد.. تذكرت أن اليوم عطلة، ولكن عليها "نوبتجية" بعملها.. نهضت متثاقلة.. ذهبت للاغتسال.. توضأت، ثم صلّت .
ارتدت ملابسها، التي اختارتها مسبقًا على عجل، وأسرعت بالخروج .. سارت على أقدامها مسافة قصيرة بخطوتها الهادئة المتمهلة، حتى محطة مترو الأنفاق القريبة من منزلها .. لم ترَ ازدحامًا كالمعتاد، بل كانت شبه خالية.. بدت شاردة وسط السكون داخل المحطة، وهي جالسة داخل المترو .
اتصلت على هاتف صديقتها، وزميلتها بالعمل، لكنها لم ترد .. حدّثت نفسها، وعلى شفتيها ابتسامة .. حاسدة إياها على أنها لاتزال تستمتع بالدفء والنوم .
وصلت لمقر عملها بالموعد المحدد .. ألقت تحية الصباح على طاقم الأمن برقتها المعتادة .. اتخذت المصعد حتى الطابق الثاني، حيث معملها، وهو معمل نوعي للتحاليل المتخصصة .. المعمل صغير نوعًا ما، ولكنه رغم ذلك مرتب، ومنظم بشكل جيد، حتى أنها تستطيع أن تصل لما تحتاجه بسهولة ويسر، وتعرف أماكن كل شىء .
حال وصولها وجدت من يخبرها بأن هناك حالات عاجلة تم عمل تشريح لها، والعينات وصلت توًّا من المشرحة، وعليها أن تسرع بإجراء الاختبارات عليها .. صدمت عند مشاهدتها تلك العينات، ولكنها تمالكت نفسها .. وضعتها، وبدأت في ترتيبها، وتجهيز أشيائها لتبدأ العمل .. كانت تقف في مواجهة باب المعمل، وخلفها نافذة، تنفذ من خلالها أشعة الشمس، لتدفئ المكان .
وأثناء انهماكها في التحضير تحركت غيمة سوداء، طغت على قرص الشمس، حتى أخفته تمامًا .. تعتم الضوء القادم من النافذة، وبينما هي تلتفت نحو النافذة ناظرة للسماء، تسمع طرقًا خفيفًا على باب المعمل الزجاجي، فإذا بسيدة بمقتبل العمر تدلف للداخل فجأة .. استدارت جيداء، ونظرت لها .. متسائلة : مَنْ أنتِ ؟ وكيف وصلتِ إلى هُنا ؟!
لم تُجِبها السيدة على السؤال، ولكنها بادرتها بقولها :
حدث لي شيء فظيع لابد أن أخبرك به !
حاولت جيداء أن تقاطعها، ولكنها استرسلت في حديثها متجاهلة تماما محاولة جيداء، وقالت :
معي ابني .. تعرض لمثل ماتعرضت له، ولكنه طفل صغير لايعي ولايفهم ماحدث، ولن يفيدك بشيء، لذلك تركته خارجًا، بعد أن انتهينا من تناول العشاء كان الألم يعتصر أمعاءنا، وشعرنا بجفاف حاد في الحلق، وتشنجات شديدة حتى غبنا عن الوعي تماما !
صرخت جيداء في وجهها، بعد أن فرغ صبرها، قائلة:
وماصلتي أنا بكل هذا الكلام؟
ردت عليها : جئتُ أبلغك لتعلمي، ويجب أن تعلمي ماحدث، وتذكري اسمي جيدًا (سارة برنار)
ردت جيداء ضاحكة .. متعجبة : برنار!!
ردت السيدة : نعم برنار
أشاحت جيداء بوجهها، وأشارت بيدها في حركة توحي بالاستياء، وحين استدارت مرة أخرى للسيدة لم تجدها !!
ضحكت وحدثت نفسها : مَنْ تلك المجنونة؟ وكيف تركوها لتصل حتى هنا عندي بالمعمل ؟!!
تأكدت من إغلاق الباب جيدًا، وعادت لتستكمل عملها، وبعد أن أنهت التحاليل اللازمة والمطلوبة، أخذت الأوراق الثبوتية المصاحبة للعينات المأخوذة من التشريح لتسجل نتيجتها عليها، فإذا بشعاع كالبرق يخطف بصرها، فقد كان الاسم المسجل على العينة : سارة برنار .. والعينة الأخرى المصاحبة كانت لطفل لا يتجاوز عمره العامين.
وقفت جيداء مشدوهة في ذهول رهيب، يكاد يتجمد الدم بعروقها، فتلك السيدة ليست إلا روح جاءت تبوح بالسر.. روح هائمة لم تهدأ بعد!
* نقلا عن الاهرام اليومي
ارتدت ملابسها، التي اختارتها مسبقًا على عجل، وأسرعت بالخروج .. سارت على أقدامها مسافة قصيرة بخطوتها الهادئة المتمهلة، حتى محطة مترو الأنفاق القريبة من منزلها .. لم ترَ ازدحامًا كالمعتاد، بل كانت شبه خالية.. بدت شاردة وسط السكون داخل المحطة، وهي جالسة داخل المترو .
اتصلت على هاتف صديقتها، وزميلتها بالعمل، لكنها لم ترد .. حدّثت نفسها، وعلى شفتيها ابتسامة .. حاسدة إياها على أنها لاتزال تستمتع بالدفء والنوم .
وصلت لمقر عملها بالموعد المحدد .. ألقت تحية الصباح على طاقم الأمن برقتها المعتادة .. اتخذت المصعد حتى الطابق الثاني، حيث معملها، وهو معمل نوعي للتحاليل المتخصصة .. المعمل صغير نوعًا ما، ولكنه رغم ذلك مرتب، ومنظم بشكل جيد، حتى أنها تستطيع أن تصل لما تحتاجه بسهولة ويسر، وتعرف أماكن كل شىء .
حال وصولها وجدت من يخبرها بأن هناك حالات عاجلة تم عمل تشريح لها، والعينات وصلت توًّا من المشرحة، وعليها أن تسرع بإجراء الاختبارات عليها .. صدمت عند مشاهدتها تلك العينات، ولكنها تمالكت نفسها .. وضعتها، وبدأت في ترتيبها، وتجهيز أشيائها لتبدأ العمل .. كانت تقف في مواجهة باب المعمل، وخلفها نافذة، تنفذ من خلالها أشعة الشمس، لتدفئ المكان .
وأثناء انهماكها في التحضير تحركت غيمة سوداء، طغت على قرص الشمس، حتى أخفته تمامًا .. تعتم الضوء القادم من النافذة، وبينما هي تلتفت نحو النافذة ناظرة للسماء، تسمع طرقًا خفيفًا على باب المعمل الزجاجي، فإذا بسيدة بمقتبل العمر تدلف للداخل فجأة .. استدارت جيداء، ونظرت لها .. متسائلة : مَنْ أنتِ ؟ وكيف وصلتِ إلى هُنا ؟!
لم تُجِبها السيدة على السؤال، ولكنها بادرتها بقولها :
حدث لي شيء فظيع لابد أن أخبرك به !
حاولت جيداء أن تقاطعها، ولكنها استرسلت في حديثها متجاهلة تماما محاولة جيداء، وقالت :
معي ابني .. تعرض لمثل ماتعرضت له، ولكنه طفل صغير لايعي ولايفهم ماحدث، ولن يفيدك بشيء، لذلك تركته خارجًا، بعد أن انتهينا من تناول العشاء كان الألم يعتصر أمعاءنا، وشعرنا بجفاف حاد في الحلق، وتشنجات شديدة حتى غبنا عن الوعي تماما !
صرخت جيداء في وجهها، بعد أن فرغ صبرها، قائلة:
وماصلتي أنا بكل هذا الكلام؟
ردت عليها : جئتُ أبلغك لتعلمي، ويجب أن تعلمي ماحدث، وتذكري اسمي جيدًا (سارة برنار)
ردت جيداء ضاحكة .. متعجبة : برنار!!
ردت السيدة : نعم برنار
أشاحت جيداء بوجهها، وأشارت بيدها في حركة توحي بالاستياء، وحين استدارت مرة أخرى للسيدة لم تجدها !!
ضحكت وحدثت نفسها : مَنْ تلك المجنونة؟ وكيف تركوها لتصل حتى هنا عندي بالمعمل ؟!!
تأكدت من إغلاق الباب جيدًا، وعادت لتستكمل عملها، وبعد أن أنهت التحاليل اللازمة والمطلوبة، أخذت الأوراق الثبوتية المصاحبة للعينات المأخوذة من التشريح لتسجل نتيجتها عليها، فإذا بشعاع كالبرق يخطف بصرها، فقد كان الاسم المسجل على العينة : سارة برنار .. والعينة الأخرى المصاحبة كانت لطفل لا يتجاوز عمره العامين.
وقفت جيداء مشدوهة في ذهول رهيب، يكاد يتجمد الدم بعروقها، فتلك السيدة ليست إلا روح جاءت تبوح بالسر.. روح هائمة لم تهدأ بعد!
* نقلا عن الاهرام اليومي