مصطفى الحاج حسين - مقهى الشرق ..*

نعم . .أعترف بأنِّي جبان ، وأخاف
وصاحب قلب ضعيف .. فليضحك منُّي من يشاء ، وليسخر ، بل ليتهكم عليّ ما طاب له ، ولا يرافقني أو يصطحبني معه إن أراد ، أو لا يمشي معي أبداً .
كنَّا وأصدقائي ، نجتمع ونجلس في مقهى ( الشرق ) الكائن بالقرب من عبَّارة الماليَّة ( بناية العداس ) وكان حبّنا للأدب وللكتابة وللقراءة هو الذي يربطنا ويجمع بيننا فنحن من أدباء الجيل الجديد ، كلّنا يمارس الكتابة ، ودائماً نأتي إلى هذا المقهى حاملين بأيدينا الحقائب والكتب والجرائد والمجلّات ، فيقرأ أحدنا للآخر ، كتاباتنا الجديدة، فنتناقش وننتقد ونحلّل، وكانت الصراحة ترافق أحاديثنا، فنحن متّفقون ألّا نجامل وألّا نذهب للمديح المجاني ، لأنّنا نعتبر من الأدباء الشباب ، نعمل بجدِّيّة ، على تطوير مواهبنا ، لذلك لجأنا إلى الصّراحة والصّدق وإلى عدم المجاملة ، حتّى نتطوّر وتكبر تجربتنا ، ويصير لكلّ واحد منّا، اسمه وحضوره وتجربته،في الساحة الأدبيّة المحليّة والعربيّة ، وربّما العالميّة أيضاً ، في المستقبل العاجل والقريب .
كنت أحسد صديقي (زاهر) أحد أفراد شلّتنا الأدبيّة، المواظبة على الحضور، بدون إنقطاع، إلى المقهى الذي اعتدنا ريادته بعيداً عن مقهى ( القصر ) ، الذي يعجُّ بالأدباء المتورَّمين بنرجسيّتهم، والملتفّون حول كبير أدباء مدينة ( حلب ) ( صاحب الغليون) الشهير ، وهم ، أي باقي أدباء المدينة كالأجراء عنده ، حيث تكون معظم أحاديثهم ، التي لا تتوقّف ، عبارة عن نفاق وتمسّح ومسايرة وتملّق وتمجيد وتعظيم لهذا الأديب ، لدرجة أن تسبّبوا له بمرض ، اسمه جنون العظمة .. لذلك نحن ، أي شلّتنا الصّغيرة ، والتي لا يتجاوز عددها خمسة أو ستّة أشخاص ، هربنا من ذاك المقهى ، واتّفقنا أن نجتمع هنا ، في كلّ يوم تقريباً.. أقول :
- لقد شردّت عن ما كنت أنوي التّكلّم عليه ، وهو صديقي ( زاهر ) وأنا جدّ آسف على هذه الإطالة.
كان (زاهر) في كلّ مرّة يأتي إلى هنا، وهو محمل بالكتب الثّمينة والعظيمة والجديدة، والتي كنّا نحن رفاقه نحلم ونتمنّى الحصول عليها لقراءتها ، حتّى إن كانت على سبيل الإعارة.
كان يأخذ مصروفه من والده بعد ، فهو طالب جامعيّ سنة ثالثة أدب فرانسي ، وأنا كنت أعمل معلّم بناء بأجر جيّد ، ومع هذا لا أستطيع شراء جزء بسيط من الكتب التي يحملها معه كلّما جاء إلى المقهى ، وكان في بيته يملك مكتبة عظيمة من حيث العدد والقيمة الثقافية ، رفوف تزخر وتكتنز وتتزاحم وتتكدّس وتصطفّ بشكل متناسق خلّاب، وبالطّبع كنّا جميعنا نحن أصدقاءه، نستعير من عنده الكتب، مع أنّه ليس مهوساً بالقراءة مثلي ، وهو أقلّنا غزارة في الكتابة ، كلّ بضعة أيّام يكتب صفحة أو صفحتين من روايته ، ويقرأها لنا ويستفيد من ملاحظاتنا ليعود مرّة ثانية وثالثة إلى كتابتها.. أقول كان مصدر حسد منّا، ولست الوحيد الذي يغبطه ويحسده ، وفي مرّات عديدة كنت أسأله :
- كم تأخذ من والدك خرجيّة حتّى تشتري كلّ هذه الكتب؟!.
وكان يضحك دون أن يردّ على سؤالي هذا .
وكنّا نشاهد معه ، أو نجد في مكتبته ، أكثر من نسخة للكتاب الواحد ، فنتعجّب ونتسائل مستغربين :
- أنت تشتري أكثر من نسخة للكتاب الواحد !!!.. لماذا ؟!.
فيردّ :
- هذه كتب قيّمة ومهمّة ، وغداً سترتفع أسعارها ،وأنا أخذّ من الكتب ( مطمورة ) أجمعها ثمّ سأقوم ببيعها في المستقبل .. وكنّا نشتري منه بعض النسخ المكرّرة .. والغريب أنه كان يبيعها لنا بنصف ثمنها ، وحين نستغرب ونندهش ، كان يضحك ويقول :
-معكم ليست ضائعة،فأنتم أصدقائي
ومن حقّكم عليّ أن أراعيكم في السعر ، فكنّا نشكره ونفرح .
واليوم ونحن نثرثر في المقهى ، أخبرته بأنّني سأذهب لأصوّر بعض القصائد الجديدة لي ، بعد أن نسختها على الآلة الكاتبة التي أملكها ، فطلب منّي أن يذهب برفقتي ، وقال :
- هنا عند مدخل بناية ( العدّاس ) توجد مكتبة فيها آلة تصوير .
قلت :
- أنا لا أتعامل معها ، معتاد على التْعامل ، مع مكتبة ، بالقرب من مقهى ( القصر ) فأخذ يمتدح لي نقاء التّصوّير ، وحسن معاملة صاحبها ، وأسعاره الرخيصة ، فقمنا وذهبنا.
دخلنا إلى المكتبة ، وكان بداخلها رجل مسنّ ، نحيل الجسم وضعيف النّظر ، يعتمد على نظّارة سميكة البلّور .
أخرجت من حقيبتي أوراقي وطلبت من الرّجل أن يصوّر لي كلّ ورقة من أوراقي ثلاث نسخ .. وبدأ العجوز ينسخ ، وأنا وضعت حقيبتي فوق الطّاولة ، أمام مكنة التّصوّير ، وأخذت أراقب وأنتظر ، في حين كان ( زاهر ) يتجوّل في المكتبة ، يتفرّج على الكتب ويقرأ عناوينها ، ويختار بعضاً منها ليشتريها.
لكنّ الغريب في الأمر ، أن يقترب منّي ( زاهر ) وبهدوءٍ جمٍّ ، حمل حقيبتي وجرائدي ، ووضع تحتهم ، رزمة من الكتب ، حيث ، جعلها مغطّاة بالجرائد والمحفظة الجلديّة السوداء .
حين نظرت إليه مندهشاً ، من تصرّفه هذا ، غمزني بعينيّه ، ففهمت منه أنّها إشارة أن أصمت .. وكان الرّجل المسنّ ، منهمكاً بالتّصوير ، وغير منتبه لتحركات ( زاهر ) الذي عاد يتفتّل في أرجاء المكتبة ، بينما هو أيضا يحمل حقيبتهُ وجرائدهُ ومجلّاته .. انتهى الرجل ، وأخرجت من حقيبتي النّقود لأحاسبه ، وأنا أسأله :
- كم تريد منّي يا حجَي؟.. قال :
- حسابك ٢٤ ليرة.
أعطيته مئة ليرة ، ليقتطع منها حسابه، َحين ردّ لي الباقي ، شكرته وهممت بالإنصراف ، وكان ( زاهر ) قد جاء إلى جانبي ، وفي يده حزمة كببرة من الكتب ، كان قد غطاها أيضاً بحقيبته وجرائده ومجلّاته ، تطلّعت إليه ، عاود غمزته الخبيثة ، فأجبرت على حمل حقيبتي وما تحتها ، ويدي ترتعش ، وقلبي منقبضاً ويدقّ بعنف .. كرّرت شكري للرجل وخرجنا .
وما إن خرجنا أنا ( وزاهر ) من المكتبة، وكنت في غاية الخوف والقلق والذّعر ، وبعد أن ابتعدنا مقدار مترين ، أو أكثر بقليل عن المكتبة ، حتّى التفتُّ إلى ( زاهر ) الذي لمحت ضحكته المتكوّمة فوق شفتيه الحليقتين ، وأردّت أن أعبّر له عن استيائي وغضبي ، وعدم موافقته على ما فعل .. وإذ بي أسمع صوتاً يأتي من خلفنا ، قفز قلبي ، سقطت ركبتاي ، إرتعبت جدّاً، وأصفرّ وجهي ، ونشف ريقي ، ووثب دمي ، وصاحت روحي، وماتت نظراتي.. فلتفّت بعجلة لأرى وأستوضح وأعرف من ينادي؟!، ومن هو المقصود؟! ، فقد كان الصّوت يأتي من خلفنا :
- يا أساتذة .. من فضلكم توقّفا .
نظرتُ ، وإذ بي أبصر ذاك الكهل الذي سرقنا كتبه .. تضاعف خوفي ، انبثقَ بداخلي ذعر لا شبيه له ، لأوّل مرّة في حياتي أواجهه وأتعرّض له .. وبدون تفكير منّي وجدتني أبتعد عن ( زاهر ) وأركضُ .. استجمعت كامل قوايَ ، وانطلقتُ كالمجنون ، مثل سهم طائش خرج من قوس الصّياد ، قفزت بلا إلتفات ، مررت من أمام المقهى ، لم أتوقّف عنده أو أدخله .. عبرت من أمام زجاجه بلمح البصر ، اجتزت شارع ( القوّتلي ) ، دخلت مفرق ( بستان كليب) ، الأضواء تشقّ صدر الظّلام ، والنّاس يمشون في زحمة ، وأنا أدفع كلّ من أصادفه في طريقي ، غير عابئ أو مكترث ، بالنّظرات الشّذرة التي تلاحقني ، مستغربة اندفاعي وشراسة أنفاسي اللاهثة .. لاحت لي ساعة( باب الفرج ) ، لم أنظر إلى عقاربها كعادتي في كلّ مرّة أمرّ من جانبها ، كنت فارَاً كجرذٍ ملاحق .. انعطفت نحو شارع المتحف الوطني ، كنّا سنذهب أنا ( وزاهر ) لحضور المعرض التّشكيليّ الذي سيفتتح اليوم مساء .. وأنا ألهث بمرارةٍ ، وبنطالي يكاد أن ينزل إلى ركبتيّ ، إنه يزحل ، دائماً يتعبني وأنا أمسك به وأنهضه .. لكنّه الآن وأنا أركض ، وأحمل بيديّ حقيبتي وجرائدي وحزمة الكتب المسروقة ، ومؤخّرتي الضّامرة والغير مكتنزة ، كان من السّهولة ، أن يزحل البنطال من عليها ، مهما شدّدت الحزام على خصري .. كنت أمدّ يدي ، وتحاول أصابعي رفع البنطال ، إلى أعلى بصعوبة بالغة :
- اللعنة عليك يا ( زاهر ) ، لقد ورطتني ، و أوقعتني بمصيبة عظيمة ، لا أعرف كيف سأتغلّب عليها .
مؤكّد أنّ الكهل ، أنتبه علينا ونحن نحمل الكتب .. ( زاهر ) حمل بين يدية رزمة هائلة وكبيرة ، تلفت الانتباه ، قد يصل عددها إلى ما يقارب العشرة ، وأنا أحمل ما يقارب الخمسة .. عليك اللعنة يا ( زاهر ) .. كان عليك أن تخبرني ، بما تنوي أن تفعل .. وكنتُ حتماً سأرفض ، ولن أشاركك سرقة هذا المسنّ البائس .
وصلت المتحف .. دخلت حديقة ( عبد الناصر ) .. بحثت عن مقعد فارغ ، وقريب من بوّابة المتحف .. جلست أستريح ، فقد أوشك قلبي على التّوقّف .. لهاثي غطّى المكان ، والعرق يتدفّق من جسمي بغزارة مجنونة ، مع أنّ الطّقس ليس بالحارَ .. بل يميل للبرودة ، فنحن في فصل الرّبيع .
كنتُ أراقب من مكاني المظلم ، مجيء ( زاهر ) إلى المتحف ، حسب اتّفاقنا لحضور المعرض التّشكلي .. عيناي كانتا مسمّرتين على الباب الذي سيدخل منه ، هذا إن جاء ، ولم يستطع الكهل ، تسليمه لقسم الشرطة، القريب من المقهى .
وبعد أن هدأت أنفاسي ، وعادت دقّات قلبي إلى الانتظام ، أشعلت سيجارتي وأنا أكتوي بنار الانتظار ، ينهشني القلق ويسكنني الخوف .
انتظرتُ ما يقارب السّاعة ، لم أشاهد أو ألمح قدوم ( زاهد ) .. نهضتُ عازماً على الدّخول ، ربّما جاء ودخل وأنا لم أنتبه لقدومه .. دخلتُ المتحف وأنا متوجّس ومضطرب وخائف .. كانت صالة العرض كبيرة للغاية ، نظرتُ ، تأمّلتُ ، بحثتُ ، حدّقتُ ، أمعنتُ النّظر ، لكن لا وجود ( لزاهر ) على الإطلاق ، لمحتُ بعض الأصدقاء والمعارف ، لم أقترب من أحد .. تسلّلتُ وخرجتُ من الصّالة ، دون أن أتكلّم مع أيّ شخص من معارفي الكثر .
اسودّت الدنيا بوجهي ، رغم كثافة الظّلام .. مشيت وأنا أسأل نفسي :
- ترى هل قبضوا عليه ؟! .. وهل سيعترف عليّ ، بحجّة أنّي شريك له ؟!.
اللعنة عليه إن فعل .. أنا لست شريكه ، فهو من أقدم على الفعل ، وأرغمني على مساعدته .. وضعني في مأزق ..حين دسّ لي الكتب التي انتقاها ، والتقطها من فوق الرّفوف ، تحت محفظتي وجرائدي ، بعد أن غافل العجوز صاحب المكتبة ، الذي كان مشغولاً ، وهو يصوّر لي أوراقي ؟! ، التي نسختها على الآلة الكاتبة ، لأرسلها إلى النّشر في العاصمة .
توجّهتُ إلى منشيّة الباصات،ووقفتُ
عند موقف ( مساكن الكلّاسة ) ، سأذهب لبيته .. عساني أطمئنّ عليه .
طوال الطّريق ، وأنا أدعو الله أن أجدّه، وأرتاح من هذا الهمّ الذي حلّ عليّ ، بشكل مفاجئ ، دون تمهيد أو مقدّمات.
الآن عرفت سرّ مكتبتك الضّخمة يا ( زاهر ) .. أنتَ متسلّط على هذه المكتبة إذاً ، مستغلّ هذا الرّجل الطّيّب المسّن .. ولهذا صار عندك كتب كثيرة ، أضعاف ما نحن نملك منها ، أنا وأصدقاؤك .. وأنا الذي أعمل ، ولي دخل جيّد ، بينما أنت وباقي الرّفاق مازلتم طلبة ، تأخذون الخرجيّة والمصاريف من أهاليكم .
قالت لي أمْه ، خالتي أمّ ( زاهر ) :
- ( زاهر ) لم يأت بعد .. ذهب صباحاً إلى الجامعة ، ولم يعد حتّى الآن .
أين أبحث عنك يا ( زاهر ) ؟!.. هل يمكن أن تكون ذهبت إلى ( سيف الدْولة ) ، عند أصدقائنا ، في البيت الشْبابي ؟!.. مؤكّد ، سأجدك هناك ، وإلّا أين ستذهب ؟!.. هذا إن لم يكن قد قبضوا عليك في قسم الشّرطة .
في شقْة الأصدقاء ، لم يكن هناك ، تضاعف وتفاقم قلقي وخوفي .
ربّما الآن يبحثون عنّي .. يا الله ! .. مصيبة وحلّت فوق رأسي .. سوف أتبهدل وأنفضح أمام الجميع .. أهلي وأقاربي وخطيبتي ، والوسط الأدبّي
الموت أهون عليّ من هذه الفضيحة
لعنك الله يا ( زاهر ) .. هل ستتثقّف عن طريق الكتب المسروقة ؟!.
كان بإمكاننا أن نلجأ للاستعارة ، من مكتبة الجامعة ، ومن مكتبة إتّحاد الكتّاب العرب ، ومن المركز الثّقافيَ والمكتبة الوطنيّة .. كلٍهم عندهم كتب كثيرة وعظيمة ، أنا رغم شرائي الكتب، كثيراً ما ألجأ إليهم .. والكتب التي نتبادلها مع أصدقائنا ليست بالقليلة أيضاً .
ماذا سيكون موقفي أمام أبي وأمّي وأخوتي وأخواتي وخطيبتي ، وأقاربي وجيراني ، وأصدقائي ، وجماعة الوسط الأدبّي ؟!!!.. آهِ .. اللعنة عليّ لحظة أردّت أن أغطّي عليك في عمليّة السّرقة ، كان عليّ أن أحمل حقيبتي وجرائدي وأمضي ، دون أن أحمل الكتب التي دسستها لي .. لو كنت أعرف عنك هذا ما كنت دخلتُ بصحبتك إلى المكتبة .. بل ربّما ما عقدتُ معك صداقة حميميّة أبداً .. لم يكن ليخطر في بالي ، أنّك من الممكن أن تكون فيك هذه الصّفات السّيئة ، أو الخسيسة .. أنت تبرّر للمثقّف أن يسرق الكتب ، من أجل قرأتها ؟!.. وممَّن ؟!.. من هذا الرجل الطّاعن في السّنّ ، والذي من المؤكّد أنّه يشكو من أمراض عديدة .. أتريد أن يحدث هذا مع والدك ؟!.. وتدَّعي أنّك كاتب روائيّ ، تدافع بكتاباتك عن المظلومين والفقراء والمعوزين!!!.. عجيب منك هذا .. يا مَنْ جعلتُ منه صديقي .
عدتُ إلى بيتي ، صار الوقت متأخّراً .. وكنت خائفاً من عودتي ، فربّما أجد الشّرطة في انتظاري .. سيقبضون عليّ أمام أعين أهلي ، ويضعون القيد في يديَّ .. وربّما يضربونني أمامهم وأمام الجيران .. لن أقول سامحك الله يا ( زاهر ) .. بل سأقول :
- لا سامحك الله أبداً .
كان بيتنا على حاله ، لم يحدث فيه أيّ إضطراب ، فعرفت أن لا أحد جاء ليسأل عنّي ، حمدت الله في سرّي ، ورفضت مجالسة أهلي ، ذهبت إلى غرفتي بعد أن طلبتُ من أختي ، فنجاناً من القهوة .
طوال الليل وأنا مرتعب وقلق ، لم أذق طعماً للنوم ، وكنت كلّما سمعت جلبة أو صوتاً ، أقول لنفسي جاؤوا ليأخذوني ، وما من سيّارة دخلت حارتنا حتّى خلتها سيّارة الشّرطة ، وصلت إلينا بعد أن حصلوا على اسمي وعنواني منك .
كانت من أصعب وأقسى الليالي التي مرّت عليّ .. وما إن أطلّ الصّباح ، حتّى قفزت لأذهب وأتفقّدك في بيتك ، دون أن أتناول فطوري ، أو أخبر أبي ، بأنّي لن أعمل معه اليوم .
ولحظة أن فتح لي الباب ، كم فرحتُ وسعدّتُ وشعرتُ بالأمان .. وكان بضحك بخبث ويسأل :
- أين أنتَ يارجل .. ولماذا هربتَ ؟!.
سألته عن المسنّ ، وماذا كان يريد منّا ؟.
اتّسعت ضحكته أكثر ، وأجابني :
- كان قد أخطأ معكَ في الحساب .. ولحق بنا ليردّ لك ليرتين ، وهو يتأسّف منكَ ويعتذر .
وحين قصصتُ عليه ، ما حدثَ معي في هذه الليلة اللعينة ، تضاعفت ضحكته القذارة ، وهو يخاطبني :
- أنتَ رجل جبان يا صاحبي .. وضعيف قلب للغاية !!!. *

مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى