عندما تظلم الدنيا يقوم المصريون بأعمال مذهلة ليخرجوا من كبوتهم، ويعودوا للحياة. فى عام 1938 كانت مصر ترزح تحت الاحتلال الإنجليزى، وكان جنود الحلفاء يمرحون فى مصر التى تقوم بخدمة الإنجليز بتقديم المنتجات الزراعية والخدمات لهم على النوتة، حتى إنه بعد الحرب كانت بريطانيا العظمى مدينة لمصر الغلبانة بملايين من الجنيهات الإسترلينية. فى هذه الفترة التى صعد فيها هتلر إلى السلطة، وقفز موسولينى على عرش إيطاليا، انطلق شباب الإيطاليين الموجودين بكثافة فى الإسكندرية والقاهرة إلى الشوارع يلبسون قمصانهم الزرقاء تيمناً بالقائد الفاشى فى أوروبا، وسرعان ما قام حزب مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين بعمل قمصانه التى لبسها شبابه ينطلقون فى الشوارع، ويقولون نحن هنا. وقلده الإخوان المسلمون بشبابهم، ونزلت جوالة الإخوان فى ملعب الفاشية والعنف، ولم يتركوه من يومها، حتى الوفد الحزب الديمقراطى قام بعمل القمصان الخضراء، ولكنه قرر إلغاءها بعد فترة قصيرة.
فى هذا الوقت العصيب ظهرت جماعة الفن والحرية من مجموعة من الفنانين الشباب قاموا بأعمال عبقرية فى الفن، وسبقوا الغرب فى بعض الفنون الحديث للتصوير الزيتى. أقيم معرضان متميزان لهذه الجماعة المبدعة الأول فى القاهرة فى مجمع الأوبرا برعاية وزارة الثقافة وبنت الشيخ القاسمى شيخ الشارقة. والآخر فى باريس فى متحف بومبيدو وكان العرضان متميزان (وسأكتب عنهما مقالاً مفصلاً فى مجلة متخصصة). ها هى روح مصر وفى أحلك الظروف يتحدث عنها كل هواة الفنون فى باريس عاصمة النور.
كانت جماعة الفن والحرية تنادى بحياة أفضل للمصريين وبعدالة اجتماعية، وقام كامل التلمسانى الكاتب والفنان والرسام بالتحول إلى السينما ليبدع ويخرج أفلاماً مهمة للسينما المصرية، أخرجتها من حكايات حب بنت الباشا إلى حكايات حقيقية فى الشارع المصرى الفقير. هذه المجموعة استطاعت أن تجذب أعدادا كبيرة من شباب الفنيين التشكيليين الذين غيروا مفهوم الفن فى مصر، وقادوا مصر خطوات ضخمة نحو الحضارة.
فى هذه الفترة ظهر شكوكو يغنى للبسطاء وإسماعيل ياسين يضحكهم فى السينما، وانتشرت دور السينما، تغطى كل مدن مصر الصغيرة التى اختفت الآن بعد الانحدار الثقافى. وعظم شأن الموالد الشعبية، وبدأ يذهب مئات الآلاف إلى مولد السيد البدوى والسيدة زينب والسيد إبراهيم الدسوقى وعبدالرحيم قناوى والسيدة العذراء، وانطلق الشعب فى محاولة فنية متناسقة حتى يستعيد قواه مرة أخرى. وكتب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» وفتحت الجمعيات الأهلية المدارس والجامعات، وكانت مصر تخطو إلى الأمام فى عصر مظلم.
تمر الآن مصر بفترة صعبة اقتصادياً وسياسياً، ويزيد من الألم أخبار مزعجة، مثل اختفاء لوحة بعد العاصفة للرائد محمود سعيد، ظهرت فجأة فى متحف قطر. المتاحف فى العالم كله تشترى تحفا وآثارا، وهناك كود أخلاقى عالمى يمنع اقتناء اللوحات المسروقة. اللوحة كانت من مقتنيات متحف الفن الحديث منذ زمن بعيد، وأعيرت للخارجية ثم اختفت. وبعد ظهورها فى قطر كتبت الناقدة سوزى شكرى تحقيقاً عن الموضوع وقدم الأستاذ ياسر عمر أمين بلاغاً للنائب العام بخصوص اختفاء اللوحة. ولكن أشك فى التزام قطر بهذا العرف الدولى وإعادة اللوحة لمصر.
هناك مخاطر كبيرة بسبب الفساد الكبير، تنهب آثارنا وتحفنا ولوحات فنانى مصر العظماء. وهذا مرادف لانهيار التعليم والصحة وحين يصبح الدين العام مساوياً للناتج القومى، لك أن تتخيل حجم المأساة.
الآن يغلق باب السياسة تماماً بالضبة والمفتاح، وأيضاً باب الفكر تماماً، ويطالب أحد النواب محاكمة نجيب محفوظ فى قبره، فبالتأكيد كان يجب إعدام يوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وزكى نجيب محمود ولويس عوض وطه حسين، لو عاشوا فى عصرنا الحالى.
وحين يضيق الناس بالنقاش أو التفكير فى الفلسفة أو مناقشة أشياء بسيطة، لكنها أساسية فى الدين هم معرضون للمحاكمة، بتهمة ازدراء الأديان. وحين يشتم البعض، ويسب علانية أديانا أخرى لا شىء يحدث. وحين يوجد فى مصر مجموعة من الأصوات العالية تستخدم أحط الألفاظ فى وسائل الإعلام لتشتم كل مواطن صالح، وتنعت المصريين المحترمين بكلمات يعاقب عليها القانون، ويقال إنهم خط أحمر. حين يوافق مجلس الشعب على قانون كارثى للجمعيات الأهلية، دون مناقشة، ثم يتم تحسينه قليلاً فى اجتماع خارج المجلس قبل التصويت النهائى، ولا أحد متأكد أنه قرأ النص النهائى!
حين تغلق الجمعيات الأهلية التى تعمل فى الصحة والتعليم وأطفال الشوارع ونقل الموتى والإسعاف ومحو الأمية بسبب قانون ظالم. وحين ينحدر المستوى الاقتصادى للفقراء ويتحول الكثيرون إلى فقر مدقع، وحين يزداد الأطفال قصراً وغباءً وأنيميا، بسبب سوء التغذية. وأصبح الشعب لا يجد حلاً ولا حتى زيارة الحسين التى كانت متعة لكثير من المصريين فهم يغلقونه بسرعة بعد الصلاة خوفاً من التشيع!! يا إلهى ما هذا الهزل؟ والأقباط تحرق بيوتهم وتهدم أماكن عبادتهم فى الصعيد بطريقة مقززة وغير إنسانية. لا أدرى ماذا أقول وكيف يخرج المصريون من محنتهم الاقتصادية والسياسية ولكنى أقول إن الشعوب دائماً لها الكلمة الأخيرة.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.
محمد أبو الغار
الإثنين 05-12-2016
فى هذا الوقت العصيب ظهرت جماعة الفن والحرية من مجموعة من الفنانين الشباب قاموا بأعمال عبقرية فى الفن، وسبقوا الغرب فى بعض الفنون الحديث للتصوير الزيتى. أقيم معرضان متميزان لهذه الجماعة المبدعة الأول فى القاهرة فى مجمع الأوبرا برعاية وزارة الثقافة وبنت الشيخ القاسمى شيخ الشارقة. والآخر فى باريس فى متحف بومبيدو وكان العرضان متميزان (وسأكتب عنهما مقالاً مفصلاً فى مجلة متخصصة). ها هى روح مصر وفى أحلك الظروف يتحدث عنها كل هواة الفنون فى باريس عاصمة النور.
كانت جماعة الفن والحرية تنادى بحياة أفضل للمصريين وبعدالة اجتماعية، وقام كامل التلمسانى الكاتب والفنان والرسام بالتحول إلى السينما ليبدع ويخرج أفلاماً مهمة للسينما المصرية، أخرجتها من حكايات حب بنت الباشا إلى حكايات حقيقية فى الشارع المصرى الفقير. هذه المجموعة استطاعت أن تجذب أعدادا كبيرة من شباب الفنيين التشكيليين الذين غيروا مفهوم الفن فى مصر، وقادوا مصر خطوات ضخمة نحو الحضارة.
فى هذه الفترة ظهر شكوكو يغنى للبسطاء وإسماعيل ياسين يضحكهم فى السينما، وانتشرت دور السينما، تغطى كل مدن مصر الصغيرة التى اختفت الآن بعد الانحدار الثقافى. وعظم شأن الموالد الشعبية، وبدأ يذهب مئات الآلاف إلى مولد السيد البدوى والسيدة زينب والسيد إبراهيم الدسوقى وعبدالرحيم قناوى والسيدة العذراء، وانطلق الشعب فى محاولة فنية متناسقة حتى يستعيد قواه مرة أخرى. وكتب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» وفتحت الجمعيات الأهلية المدارس والجامعات، وكانت مصر تخطو إلى الأمام فى عصر مظلم.
تمر الآن مصر بفترة صعبة اقتصادياً وسياسياً، ويزيد من الألم أخبار مزعجة، مثل اختفاء لوحة بعد العاصفة للرائد محمود سعيد، ظهرت فجأة فى متحف قطر. المتاحف فى العالم كله تشترى تحفا وآثارا، وهناك كود أخلاقى عالمى يمنع اقتناء اللوحات المسروقة. اللوحة كانت من مقتنيات متحف الفن الحديث منذ زمن بعيد، وأعيرت للخارجية ثم اختفت. وبعد ظهورها فى قطر كتبت الناقدة سوزى شكرى تحقيقاً عن الموضوع وقدم الأستاذ ياسر عمر أمين بلاغاً للنائب العام بخصوص اختفاء اللوحة. ولكن أشك فى التزام قطر بهذا العرف الدولى وإعادة اللوحة لمصر.
هناك مخاطر كبيرة بسبب الفساد الكبير، تنهب آثارنا وتحفنا ولوحات فنانى مصر العظماء. وهذا مرادف لانهيار التعليم والصحة وحين يصبح الدين العام مساوياً للناتج القومى، لك أن تتخيل حجم المأساة.
الآن يغلق باب السياسة تماماً بالضبة والمفتاح، وأيضاً باب الفكر تماماً، ويطالب أحد النواب محاكمة نجيب محفوظ فى قبره، فبالتأكيد كان يجب إعدام يوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وزكى نجيب محمود ولويس عوض وطه حسين، لو عاشوا فى عصرنا الحالى.
وحين يضيق الناس بالنقاش أو التفكير فى الفلسفة أو مناقشة أشياء بسيطة، لكنها أساسية فى الدين هم معرضون للمحاكمة، بتهمة ازدراء الأديان. وحين يشتم البعض، ويسب علانية أديانا أخرى لا شىء يحدث. وحين يوجد فى مصر مجموعة من الأصوات العالية تستخدم أحط الألفاظ فى وسائل الإعلام لتشتم كل مواطن صالح، وتنعت المصريين المحترمين بكلمات يعاقب عليها القانون، ويقال إنهم خط أحمر. حين يوافق مجلس الشعب على قانون كارثى للجمعيات الأهلية، دون مناقشة، ثم يتم تحسينه قليلاً فى اجتماع خارج المجلس قبل التصويت النهائى، ولا أحد متأكد أنه قرأ النص النهائى!
حين تغلق الجمعيات الأهلية التى تعمل فى الصحة والتعليم وأطفال الشوارع ونقل الموتى والإسعاف ومحو الأمية بسبب قانون ظالم. وحين ينحدر المستوى الاقتصادى للفقراء ويتحول الكثيرون إلى فقر مدقع، وحين يزداد الأطفال قصراً وغباءً وأنيميا، بسبب سوء التغذية. وأصبح الشعب لا يجد حلاً ولا حتى زيارة الحسين التى كانت متعة لكثير من المصريين فهم يغلقونه بسرعة بعد الصلاة خوفاً من التشيع!! يا إلهى ما هذا الهزل؟ والأقباط تحرق بيوتهم وتهدم أماكن عبادتهم فى الصعيد بطريقة مقززة وغير إنسانية. لا أدرى ماذا أقول وكيف يخرج المصريون من محنتهم الاقتصادية والسياسية ولكنى أقول إن الشعوب دائماً لها الكلمة الأخيرة.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.
محمد أبو الغار
الإثنين 05-12-2016