نجلاء سويداني - وكان اللّقاء.. قصة قصيرة

لوّحت بيدها طالبة الإذن للإدلاء برأيها حول موضوع النّدوة، لكن الفتاة وبأمر من أحدهم اِتّجهت نحوه وقدّمت له الميكروفون. اِنطلق في الحديث بحماس شديد، يُحلّل ويبرهن، يُعلّق ويناقش، يخفض صوته مُركزا على بعض النّقاط ،ثم يرفعه قليلا … آرائه كانت متماهيّة مع رؤيتها هي … مستشرق فرنسي أو هكذا بدا لها … كان جالسا جنب سيدة «قد تكون زوجته»أو ربما صديقته … أو زميلته … ولكن ما دخلي أنا؟ اِبتسمت لفضولها المفاجئ … صوته الدّافئ يتغلغل إلى أعماقها، يناجيها، يقتحم مسام جسدها، نبراته همس عاشق ولهان لحبيبة غائبة حاضرة تسكنه ولا يجدها … ما بي؟ ماذا جرى لي؟ هو صوت رجل غريب أحدث هاته الهزّة بداخلي؟ … حاولت لملمة أفكارها المشتتة … لقد جاءت لغرض مُحدّد وهو اِغتنام فرصة المعرض لاقتناء بعض الكتب في بلد يعاني من أنيميا حادّة في الثّقافة باختلاف أشكالها … فتحت كتاب ألبير كامو «الطاعون» تتصفّحه فإذا بالسّيد صاحب الصّوت الدّافئ يتوقف، ينهي مداخلته … اِنطلقت فجأة نحوه «كلامك جد مهم سيدي، تحليلاتك في محلها ولكنها لا تكفي … المطلوب هو الحلّ … نريد حلاً» … رمقها برهة وردّ عليها «أثرت نقطة مهمة سيدتي … ها نحن الآن أنا وأنت نبحث عن الحل؟من هنا تبدأ البدايات» … اِتجه الجميع نحو الباب وبقي الإثنان في حوارهما حول الندوة: «معذرة سيدي،تركت كتبي مبعثرة فوق الكرسي!».«لك ذلك سيدتي … آه! … لن نفترق دون تبادل بياناتنا الشخصيّة … قد… ». ارتبكت لكلامه … كأنه تلميح أو ربما هذا ما تمنته … «أكيد!» أجابت … خرجا من القاعة، كانت تتحدّث كثيرًا وكان ينصت إليها وعيناه مصوبتين نحوها، كان يخاطبها بنظراته الحادّة: «أنت المرأة التي كنت أبحث عنها … أدركت الآن سبب مجيئي إلى هنا … توقفي عن الحديث وانصتي إلى قلبي … إني أريدك؟ هل تفهمين مغزى ما أقول؟ أريدك، أشتهيك، أودّ تقبيلك الآن على مرأى من الجميع. اِبتسامتك … فمك … شفتاك … فاكهة شهيّة تستفز رجولتي … تسمحين لي بقبلة واحدة تروي ولو قليلا من ظمأي … إنني سعيد جدا بالعثور عليك حبيبتي … أنت لي، تفهمين؟ أصمتي بربّك؟ لا أسمعك،لا تصلني كلماتك … أنت عاريّة معي في الفراش، أنا محتضنك الآن … أغتصبك الآن في هذه اللّحظة» … لم تتوقّف عن الحديث وهي تنظر إليه … ترى ما سرّ هاته النظرات؟ ما هذا البريق الحادّ في عينيه؟ كأنه يقول كلاما لا يُدرك بالأذن، كلام يسمع بالقلب،وتُفكّك معانيه ورموزه بحواس الأنثى التي استيقظت بداخلها، الأنثى العطشى لكلمة حبّ،لنظرة اِشتهاء، للمسة مُحرّمة، لقبلة ممنوعة … كم هي مُشتاقة لكلّ ما هو مُحرّم في شريعة المتحضرين … «ما هذا سيدي؟ يبدو أنك وقعت في غرامي! Vous n’allez pas tomber amoureux de moi» … نطقت بهذه الجملة المجنونة، الغبيّة،تلقائيًا، وهي تمدّ يدها لتوديعه واَنصرفت.

نزلت الدّرج فوقع منها حذائها العاجي، تركته هناك … اِلتفتت حولها … النّاس يرقصون على سمفونية الفصول الأربعة لفيفالدي … وهي سندريلا تبتسم للجميع في اِنتظار الأمير الذي سيأتي لا محالة ويأخذها لقصره …




* منقول عن موقع نفحة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى