يعلم قراء وأحباء الكاتب الكبير نجيب محفوظ انه عاشق لبعض مقاهي القاهرة والإسكندرية وانه كان يحب ارتيادها إما وحيدا لقراءة الصحف والمجلات وشرب قهوة الصباح وإما للالتقاء ب"الحرافيش" الذين ليسوا غير أصدقائه المقربين الى قلبه، إليهم يجلس مرة في الأسبوع ليتبادل معهم الآراء حول مختلف المواضيع، السياسية منها، والثقافية، والفلسفية، وغيرها ثمة مقاهي في القاهرة ارتبط بها صاحب"ثرثرة فوق النيل" و"اللص والكلاب" و"أولاد حارتنا" ارتباطا وثيقا. من بين هذه المقاهي يمكن ان نذكر "مقهى الفيشاوي"القريب من جامع الأزهر ومن الأحياء التي شكلت مسرح أحداث العديد من روايات نجيب محفوظ مثل "الثلاثية" و"زقاق المدق" وغيرها من الروايات والقصص القصيرة، وهناك أيضا مقهى"ريش" الذي كان المكان المفضل لأدباء الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ومقهى"علي بابا" الكائن بقلب القاهرة النابض و"قصر النيل" والعديد من المقاهي الأخرى. ولا يزال نجيب محفوظ رغم تقدمه في السن محافظا على جلساته الأسبوعية التي أصبحت تنتظم في الفنادق الكبيرة.
وفي العديد من الحوارات التي أجريت معه لا ينكر نجيب محفوظ ان المقاهي لعبت دورا هاما في بلورة شخوص رواياته ومواضيعها أيضا، فمنذ سنوات شبابه الأولى، ألف التردد على المقاهي. لذا هي ظلت دائما حاضرة في اغلب أعماله الروائية والقصصية.
وفي كتاب أصدره حديثا، يتحدث الكاتب التونسي رشيد الداودي الذي اعتاد السفر الى القاهرة منذ الستينات من القرن الماضي للالتقاء بأدبائها شعرائها ومثقفيها، عن المقاهي التي أحبها نجيب محفوظ. وقد كتب يقول"نصوص محفوظ الروائية مليئة هي أيضا بالأقاصيص الشائقة عن عالم المقاهي وجلسات الأدباء فيها وفيها نجد أدق التفاصيل عن الحياة وعن المفارقات العبثية (...) وفيها نرى أصوات التضاد الموحية برعاية الأمل واستمرار الحياة...".
ويشير رشيد الداودي الى ان أروع تجسيد لعلاقة نجيب محفوظ بالمقاهي هي رواية "الكرنك" اسم مقهى كانت تديره في الأربعينات راقصة تدعى "قرنفلة" وكان يرتاده شبان عاشقون لها. ومن خلال "الكرنك" يرسم لنا نجيب محفوظ صورة حية عن الأجواء السياسية التي كانت سائدة في مصر آنذاك حيث كان البوليس السري يترصد حركات وسكنات المثقفين المعارضين للنظام الملكي. ومعترفا بفضل المقاهي على عمله كروائي، قال نجيب محفوظ في احد الحوارات التي أجريت معه:"هي-يعني المقاهي- المكان الذي كنت التقي فيه بأصدقائي الخصوصيين. وهي بعد ذلك مكان التقاء المثقفين والأدباء بعد ان اشتغلت بالأدب. هي أيضا المكان الذي قد اجلس فيه لوحدي لاتامل من يمرون في الشارع أمامي، وهي في بعض الأحيان المكان الذي كنت ارتاده لكي أدخن الشيشة التي لا أستطيع تدخينها بالمنزل. وقد كان بامكاني ان امكث مع الشيشة يوما بأكمله. ففي الحالة الأولى كان رفيقي في القهوة هم الأصدقاء. وفي الحالة الثانية كان الأدباء. وفي الحالة الثالثة كان المارة في الشارع. وفي الحالة الرابعة كانت الشيشة. وفي بعض الأحيان كانوا يجتمعون جميعا في جلسة واحدة".
ويقول نجيب محفوظ انه ألف ارتياد المقاهي منذ الطفولة بصحبة والده الذي كان يتردد على "الكلوب المصري" ليجالس أصدقاءه. وخلال فترة الدراسة الثانوية أحب مقهى اسمه "إيزيس" وايضا مقهى كان يرتاده الأكابر في ذلك العهد بعدها بدأ يجلس في مقهى "الفيشاوي".
وخلال الأربعينات أحب نجيب محفوظ مقهى"الأوبرا" وهو مقهى اروبي الطابع ذو طوابق ثلاثة. وفي طابقه الثاني كان يوجد ملهى ليلي باسم صفية حلمي التي عملت مع الراقصة الشهيرة بديعة مصابني ، وبداية من عام 1945 اعتاد نجيب محفوظ ان يلتقي صبيحة كل يوم جمعة ابتداء من العاشرة صباحا وحتى الواحدة ظهرا بالعديد من الأدباء والمثقفين. وظل كذلك الى عام 1962 حيث بات التردد على المقهى المذكور خطيرا بسبب تشديد المراقبة عليه من قبل المخابرات المصرية.
وبعد مقهى "الأوبرا" انتقل نجيب محفوظ الى مقهى "سفنكس" الواقع في ممر "الشاي الهندي" بين شارعي "طلعت حرب" و"قصر النيل" والذي كان من أملاك اليونانيين ثم أصبح بعد التأميم الذي جاءت به ثورة 1952 ملكا لمصر يدعى عم حسني، ومن جلوس نجيب محفوظ في المقهى المذكور يمكن ان نذكر الممثل المعروف عادل إمام والشاعر احمد رامي والروائي جمال الغيطاني والممثل احمد مظهر وصنع الله إبراهيم.
وفي الستينات تعود نجيب محفوظ الجلوس في مقهى"ريش" الذي أسسه رجل أعمال نمساوي عام 1914 والذي جلس على مقاعده الرئيس جمال عبد الناصر ايام كان ضابطا في الجيش وايضا الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أيام كان في المنفى، وفيه غنى صالح عبد الحي والسيدة ام كلثوم، ومنه استوحى بعض أدباء مصر من جيل الستينات والسبعينات البعض من أعمالهم الإبداعية.
ولان نجيب محفوظ اعتاد قضاء العطلة الصيفية في الإسكندرية فانه احب البعض من مقاهيها. وعن ذلك هو يقول:"في الإسكندرية كنا نسهر مع الشلة. في الصباح يذهب أصدقائي الى البحر وامشي انا على الشاطئ. ابدأ رحلتي مشيا على الأقدام حتى الشاطئ وفي اليوم التالي ابدأ من "الشاطئ" الى "الإبراهيمية" وفي اليوم الثالث امشي من "الإبراهيمية" الى "كليوباترة" واستمر هذا الأمر حتى تعرفت على توفيق الحكيم..."
ومن بين المقاهي التي أحبها نجيب محفوظ يمكن ان نذكر مقهى "انتينوس" ومقهى"دبليس" ومقهى "التزام" الذي كان يرتاده الشاعر الشعبي الكبير محمود بيرم التونسي والموسيقي الشهير سد درويش والصحفي مصطفى أمين. كما يمكننا ان نذكر مقهى "الكريستال" وهو من اعرق مقاهي مدينة الإسكندرية .
وفي مقهى"بيترو" كان نجيب محفوظ يجلس الى توفيق الحكيم يوميا خلال العطلة الصيفية. وقد أحب هذا المقهى كثيرا لهدوئه بحيث يستطيع الفنان ان يخلو فيه الى نفسه، وبعد ثورة 1952 بدا الباشوات الذين جردهم عبد الناصر من أملاكهم يظهرون في مقهى "بيترو" وهم في حالة من الخوف الشديد ذلك ان رجال المخابرات كانوا يراقبونهم طول الوقت.
وفي حوار معه، قال نجيب محفوظ متحدثا عن مقاهي الإسكندرية مقارنة بمقاهي القاهرة :"القهاوي بالنسبة لي في الإسكندرية كانت قهاوي تصييف فكنت ارتادها لمقابلة الأصدقاء. ولقد جلست كثيرا مع مجموعة توفيق الحكيم بمقهى بيترو وكانت تلك القهوة هي القهوة الأدبية الوحيدة التي ارتادها في الإسكندرية.
أما جلستي المعتادة فكانت بكازينو سان استفانو وكازينو حليم من قبله واذكر ان منطقة السلسلة كانت كلها قهاوي تمتد بطول الكورنيش وكانت مباشرة على البحر وكل منها مشهورة بالشيشة الخاصة التي كانت تقدمها، وقد كانت للشيشة في الإسكندرية ميزة خاصة لان رطوبة الجو كانت تجعل الدخان رطب دائما بينما في القاهرة كان النادل يأخذها بين الحين والحين ليبللها ويعيدها ثانية حتى لا تحمى.
الموضوع الذي اثاره رشيد الداودي أي علاقة نجيب محفوظ بالمقاهي-طريف لكن تناوله كان متسرعا وسطحيا بحيث يجعلنا نشعر بالملل في العديد من فقراته وفصوله.
نقول ان رشيد الذاودي لم يكتب كتابا حول علاقة نجيب محفوظ بالمقاهي وإنما اكتفى بجمع استشهادات حول الموضوع المذكور.
وفي العديد من الحوارات التي أجريت معه لا ينكر نجيب محفوظ ان المقاهي لعبت دورا هاما في بلورة شخوص رواياته ومواضيعها أيضا، فمنذ سنوات شبابه الأولى، ألف التردد على المقاهي. لذا هي ظلت دائما حاضرة في اغلب أعماله الروائية والقصصية.
وفي كتاب أصدره حديثا، يتحدث الكاتب التونسي رشيد الداودي الذي اعتاد السفر الى القاهرة منذ الستينات من القرن الماضي للالتقاء بأدبائها شعرائها ومثقفيها، عن المقاهي التي أحبها نجيب محفوظ. وقد كتب يقول"نصوص محفوظ الروائية مليئة هي أيضا بالأقاصيص الشائقة عن عالم المقاهي وجلسات الأدباء فيها وفيها نجد أدق التفاصيل عن الحياة وعن المفارقات العبثية (...) وفيها نرى أصوات التضاد الموحية برعاية الأمل واستمرار الحياة...".
ويشير رشيد الداودي الى ان أروع تجسيد لعلاقة نجيب محفوظ بالمقاهي هي رواية "الكرنك" اسم مقهى كانت تديره في الأربعينات راقصة تدعى "قرنفلة" وكان يرتاده شبان عاشقون لها. ومن خلال "الكرنك" يرسم لنا نجيب محفوظ صورة حية عن الأجواء السياسية التي كانت سائدة في مصر آنذاك حيث كان البوليس السري يترصد حركات وسكنات المثقفين المعارضين للنظام الملكي. ومعترفا بفضل المقاهي على عمله كروائي، قال نجيب محفوظ في احد الحوارات التي أجريت معه:"هي-يعني المقاهي- المكان الذي كنت التقي فيه بأصدقائي الخصوصيين. وهي بعد ذلك مكان التقاء المثقفين والأدباء بعد ان اشتغلت بالأدب. هي أيضا المكان الذي قد اجلس فيه لوحدي لاتامل من يمرون في الشارع أمامي، وهي في بعض الأحيان المكان الذي كنت ارتاده لكي أدخن الشيشة التي لا أستطيع تدخينها بالمنزل. وقد كان بامكاني ان امكث مع الشيشة يوما بأكمله. ففي الحالة الأولى كان رفيقي في القهوة هم الأصدقاء. وفي الحالة الثانية كان الأدباء. وفي الحالة الثالثة كان المارة في الشارع. وفي الحالة الرابعة كانت الشيشة. وفي بعض الأحيان كانوا يجتمعون جميعا في جلسة واحدة".
ويقول نجيب محفوظ انه ألف ارتياد المقاهي منذ الطفولة بصحبة والده الذي كان يتردد على "الكلوب المصري" ليجالس أصدقاءه. وخلال فترة الدراسة الثانوية أحب مقهى اسمه "إيزيس" وايضا مقهى كان يرتاده الأكابر في ذلك العهد بعدها بدأ يجلس في مقهى "الفيشاوي".
وخلال الأربعينات أحب نجيب محفوظ مقهى"الأوبرا" وهو مقهى اروبي الطابع ذو طوابق ثلاثة. وفي طابقه الثاني كان يوجد ملهى ليلي باسم صفية حلمي التي عملت مع الراقصة الشهيرة بديعة مصابني ، وبداية من عام 1945 اعتاد نجيب محفوظ ان يلتقي صبيحة كل يوم جمعة ابتداء من العاشرة صباحا وحتى الواحدة ظهرا بالعديد من الأدباء والمثقفين. وظل كذلك الى عام 1962 حيث بات التردد على المقهى المذكور خطيرا بسبب تشديد المراقبة عليه من قبل المخابرات المصرية.
وبعد مقهى "الأوبرا" انتقل نجيب محفوظ الى مقهى "سفنكس" الواقع في ممر "الشاي الهندي" بين شارعي "طلعت حرب" و"قصر النيل" والذي كان من أملاك اليونانيين ثم أصبح بعد التأميم الذي جاءت به ثورة 1952 ملكا لمصر يدعى عم حسني، ومن جلوس نجيب محفوظ في المقهى المذكور يمكن ان نذكر الممثل المعروف عادل إمام والشاعر احمد رامي والروائي جمال الغيطاني والممثل احمد مظهر وصنع الله إبراهيم.
وفي الستينات تعود نجيب محفوظ الجلوس في مقهى"ريش" الذي أسسه رجل أعمال نمساوي عام 1914 والذي جلس على مقاعده الرئيس جمال عبد الناصر ايام كان ضابطا في الجيش وايضا الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أيام كان في المنفى، وفيه غنى صالح عبد الحي والسيدة ام كلثوم، ومنه استوحى بعض أدباء مصر من جيل الستينات والسبعينات البعض من أعمالهم الإبداعية.
ولان نجيب محفوظ اعتاد قضاء العطلة الصيفية في الإسكندرية فانه احب البعض من مقاهيها. وعن ذلك هو يقول:"في الإسكندرية كنا نسهر مع الشلة. في الصباح يذهب أصدقائي الى البحر وامشي انا على الشاطئ. ابدأ رحلتي مشيا على الأقدام حتى الشاطئ وفي اليوم التالي ابدأ من "الشاطئ" الى "الإبراهيمية" وفي اليوم الثالث امشي من "الإبراهيمية" الى "كليوباترة" واستمر هذا الأمر حتى تعرفت على توفيق الحكيم..."
ومن بين المقاهي التي أحبها نجيب محفوظ يمكن ان نذكر مقهى "انتينوس" ومقهى"دبليس" ومقهى "التزام" الذي كان يرتاده الشاعر الشعبي الكبير محمود بيرم التونسي والموسيقي الشهير سد درويش والصحفي مصطفى أمين. كما يمكننا ان نذكر مقهى "الكريستال" وهو من اعرق مقاهي مدينة الإسكندرية .
وفي مقهى"بيترو" كان نجيب محفوظ يجلس الى توفيق الحكيم يوميا خلال العطلة الصيفية. وقد أحب هذا المقهى كثيرا لهدوئه بحيث يستطيع الفنان ان يخلو فيه الى نفسه، وبعد ثورة 1952 بدا الباشوات الذين جردهم عبد الناصر من أملاكهم يظهرون في مقهى "بيترو" وهم في حالة من الخوف الشديد ذلك ان رجال المخابرات كانوا يراقبونهم طول الوقت.
وفي حوار معه، قال نجيب محفوظ متحدثا عن مقاهي الإسكندرية مقارنة بمقاهي القاهرة :"القهاوي بالنسبة لي في الإسكندرية كانت قهاوي تصييف فكنت ارتادها لمقابلة الأصدقاء. ولقد جلست كثيرا مع مجموعة توفيق الحكيم بمقهى بيترو وكانت تلك القهوة هي القهوة الأدبية الوحيدة التي ارتادها في الإسكندرية.
أما جلستي المعتادة فكانت بكازينو سان استفانو وكازينو حليم من قبله واذكر ان منطقة السلسلة كانت كلها قهاوي تمتد بطول الكورنيش وكانت مباشرة على البحر وكل منها مشهورة بالشيشة الخاصة التي كانت تقدمها، وقد كانت للشيشة في الإسكندرية ميزة خاصة لان رطوبة الجو كانت تجعل الدخان رطب دائما بينما في القاهرة كان النادل يأخذها بين الحين والحين ليبللها ويعيدها ثانية حتى لا تحمى.
الموضوع الذي اثاره رشيد الداودي أي علاقة نجيب محفوظ بالمقاهي-طريف لكن تناوله كان متسرعا وسطحيا بحيث يجعلنا نشعر بالملل في العديد من فقراته وفصوله.
نقول ان رشيد الذاودي لم يكتب كتابا حول علاقة نجيب محفوظ بالمقاهي وإنما اكتفى بجمع استشهادات حول الموضوع المذكور.