ثقافة شعبية ميلود خيزار - "حَيـزيّة"، لغز التاريخ ... تهافت "أدباء الولائم". (الحلقة الثانية)

(الحلقة الثانية)

غالبا، ما يخضع أبطال "قصص الحُبّ" المشهورة لنظام ثنائي تراتبيّ، يعكس "سلطة الذكورة" في الملفوظ الاجتماعي: الذّكَر يسبق الأنثى (قيس/ ليلى، عنترة /عبلة، قيس/لبنى، جميل/ بثينة)، و هذا ليس حكرا على الثقافة العربيّة (روميو/جولييت، مثلا). لكن، فـي حالة "حيــزيّة"، فإنّ الأمر لا يتوقف عند عدم احترام "نظام التراتبية" فحسب بل يتجاوزه إلى محو ذِكر البطل/ الشريك، ذاته: سعيّد، فلا يذكر إلا نادرا جدّا (و عدم ذكره في النصّ يشير إلى عدم أهمّيته في "مضمون" الرّسالة. الأمر الذي أوحى إلى بعض "المتسائلين" (حتى لا أقول "المشككين") بنفي "وجوده" أصلا، و يبدو أن الشاعر قد "نجح"، بدهائه، في إيصال هذه "الرّسالة" أيضا. إلى "متعهّدي القراءة السّطحيّة" للأثر المكتوب.
و بناء على ما سبق ذكره، و لكون "حيـزية" ذاتـها لم تكن "معنيّة" مباشرة بالنصّ/ الذريعة. فكيف بشريكها (يعني القصّة كلها لا تعني "حيزية" إلا بقدر كونها "وسيلة" للنيل من شرف "والدها" و من "سمعته و مكانته" الاجتماعية/ السّياسية). في مجتمع محافظ يَعتبر الشعر "وسيلة دعاية" و يعتبر مجرّد ذكر اسم الـمرأة "عورة لفظية" و مساس بشرف العائلة، فكيف إذا تعدّاه إلى ذكر "مفاتنـها" و "بغزل فاضح" و "بسرد لسيـرة علاقة حميمية" على لسان "البطل"، و بتفاصيل "تتجاوز" حدود فكرة "تقمّص الدور"، و هذه ورطة أخرى أوقع الشاعرُ فيها الكثير من "القراء السّطحيين" للنصّ/ الرّسالة، لكونهم انطلقوا من يقين كونه نصّا غزليا/ رثائيا. (و السّؤال المهمّ: لماذا، و بالرغم من كلّ هذه الملابسات، ظلّ التعاطي مع النصّ سجينَ كونه غزليّا/ رثائيا، لدى كلّ من تناولوه و اقتبسوا و استلهموا منه ؟). الجواب بسيط جدا: و هو أنّ معظم الذين تناولوه بالدراسة (باستثناء الفقيد الدكتور: أحمد الأمين، تخصّص أدب شعبي و ابن سيدي خالد)، لم يكن على اطلاع بملابساته و حيثياته (أو تحاشى الخوض فيـها لتجنب ما يختفي تحت "طبقة النصّ") و هي أنّ الشاعر، تقمّص فعلا، دور العاشق الـمكلوم، لغرض يتجاوز "الغرض الشِّعريّ، الغزلي/ الرثائي". ذاته. و هذا بعض ما حاول الدكتور أحمد الأمين، مرارا و في مناسبات عديدة، الإشارة إليه، تارة عبر التساؤلات و تارة عبر التلميح و تارة أخرى عبر ذكر "التناقصات" التي تضمّنها النصّ ذاته). تذكّرني حكاية نفي البطل بحكاية نقمة بعض متابعيّ المسلسلات التاريخية على بعض الممثلين في تقمّص "دور الشرّ" بنجاح. (و لقد دفع الشاعر الذكيّ، ثمن تقمّصه الناجح لدور العاشق، لدرجة أنّ بعضهم لم يتردد في منحه لقب و اسم و دور "العاشق الحقيقيّ لحيزية").
بخصوص فكرة "الصّدق"ـ يتعالى في الوسط لغط يعبّر، في عمقه" عن "سوء تصوّر" لخصوصيّة و لماهية "الشعريّة". فالمعني "بخاصّية الصّدق" هنا ليس انعكاس تجربة "العيش الفعلي" على التعبير عن "العاطفة" بل المقصود هو "المعايشة الشعرية" للتجربة العاطفيّة. (و إلا لكانت أجمل نصوص "الجوع" أعمق في الصومال منها في سواه، و نصوص "العبودية" أعمق و أصدق" في أفريقيا منها في سواها و نصوص "القهر و التشريد" في "مجتمع الروهينغا" أكثر صدقا و عمقا" منه في سواه.
فمسألة الصّدق، شعريّا، لا تتعلّق "بفعليّة التّجربة العاطفية" بل "بشعريّة التّعبير" (و هي مسألة "تجربة شعريّة" لا مسألة "تجربة عاطفيّة").
و من الطبيعيّ أن يجرّ "سوء التصوّر" هذا "أصحابه" إلى تجريد الشاعر "بن قيطون" من حقّه" في التّعبير عن تجربة العشق لدى "سعيّد". إذن لا علاقة لـ "نص حيزية" بمسألة الجرأة و الوقاحة و لا بمسألة الصّدق و الكذب، لكنّ اللافت هو أن تَطرح الكتابةُ "أزمة" صدق الكاتب تجاه "قرّائه" و "أمانته" في"شرط" الإشارة إلى "الراوية الحقيقي" للنصّ، هناك ما يكفي من أمثلة "للأدباء الجبناء" الذين "يختبئون" وراء شجرة "الراوية الافتراضي" بقصد قول "روايتهم الخاصّة" أو تلك "الـمُتبنّاة" أو "المدفوع أجرها" لغرض لا يتعلّق، بالضّرورة، "بالأدب"، و هي مسألة ذات صلة وطيدة بــــ "شرف الكتابة" و "بنبل الكاتب".

... يتبع.

4738316866410015949.jpg م. خيزار.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى