ثقافة شعبية زكية علال - حيزية الأسطورة

حيزية تعود هذا الموسم..تنفض عنها غبار الأسطورة، تطل من خلف ستار الزمان بوجهها الأسمر وعينيها الواسعتين،وهدوئها الساحر..حيزية الآن- تفك ظفائرها، تشق صدرهـا ، وتأتـي بقلبهـا على راحة كفها، لتعرض وجعه القاتل على كل الناس. حيزية..أراها- الآن تعبر ممرات كل السنين وتطل على الكون بعينين دامعتيـن وقلـب ينزف بغزارة الجرح الذي يسكنه..حيزية عادت تحمل نعشها فوق كفيها،وتستر مفاتنها بكفنهـا، لأنهـا ستعود عن قريب إلى قبرها. استيقظت حيزية ذات صباح فوجدت عشرات الفرسان على باب خيمتها، وقد ترك لها كل واحد منهم مكانا على فرسه ليأخذها معه إلى جنته الموعودة، ويطير بها بعيدا عن أعين الناس..لؤلؤة هي حيزية..نعم يقولون أنها ياقوتة نادرة....

تقدم الفارس الأول والشمس بين يديه … كان يريد أن يقدم لونها الذهبي مهرا لها، لكن حيزية أعرضت عنه .

انزلق إليها الفارس الثاني وهو يقبض على حبات النجوم المتلألئة في السماء،وقدمها قربانا لوجه امرأة لا تشبه كل النساء،لكنها أشاحت عنه بوجهها.

انبلج الفارس الثالث يجر وراءه ألفا من الإبل ، وألف رأس من الغنم ثم فتح أمامها خزائن من التبر لتكون هدية لها يوم الزفاف، لكنها-أبدا- لم تنظر إليه.

وتقدم فارس آخر..آخر..و..

حيزية، كانت تقف عند باب الخيمة، تعبر على نظرات وهدايا كل الفرسان، لتصل إليه..إنه هناك يجلس بعيدا عن الخيمة لا يملك إلا قلبه بين جنبيه، كان الوحيد الذي أهداها قلبه على راحة كفه، وقال لها من وراء ألف ستار:" حيزية..أنا لا أملك مالا..ولا ذهبا، ولا سلطانا- فقط- أملـك قلبي،أقدمه هدية لك".

حيزية ابتسمت له، وأجابته بصمت: نظراتك تعبر كل مسامات جلدي وتتسلل إلى قلبي بهدوء،و بقوة أيضا..حبك ولد عملاقا في أعماقي، ولن أكون إلا لك."

فزعت القبيلة لهذا الحب الصامت وإجتمعت لتقرر مصير حيزية المتمردة ثم أصدرت قرارها"حيزية لا بد أن تقتل لأنها خالفت أعراف القبيلة"جسدها الفاتن سيكون طعاما شهيا لكل وحوش الصحراء"

حيزية ظلت خلف خيمتها صامتة، إنها تقتل صراخهم بصمتها، حتى الدموع تحجرت في مقلتيها.

وارتفـع صوت العدل عاليا:" يا قوم..حيزية ما أتت عارا...حيزية اختارت فدعوها وما اختـار قلبها".

وكان العرس، وصوت البارود والليلة الأولى، قالت له وعيناها تلتقي بعينيه لأول مرة:

- كم أنا سعيدة...سعيدة بعدد حبات النجوم.
- وأنا سعيد بك يا حيزية...سعيد بعدد حبات الرمل في الصحراء.

عندما احتضن يديها لأول مرة كانت ترتجف قا لت له :،

خائفة أنا يـا سعيد..أخـاف أن أفتح عيني ذات صبح، فأكتشف أني كنت نائمة على حلم زائل.

-أنا وأنت وحبنا حقيقة.هكذا قال لها سعيد.

قالت له في العاشر من زواجهما:

- سعيد..هل تدري متى يسكنني الموت؟



تبسم ضاحكا من سؤالها،ثم ما لبث أن تلبد وجهه وقال :

-أرجوك إني أخاف الموت وتسكنني الرعشة من ذكره لأنه- وحده- الذي يفرق بيننا.

قالت له:

--ولكنها الحقيقة التي أريدك أن تعرفها.

قال بدهشة:--ايةحقيقة ؟

اقتربت منه أكثر، جلست أمامه حتى تعانقت أنفاسهما ثم قالت:،

لو اكتشفت أن على وجه الأرض رجلا يحمل في قلبه حبا لامرأة. أكبر مما تحمله لي في قلبك..سأموت.

-حيزية..ماذا حدث لك؟

-استطردت كأنها لم تسمعه: لو رأيت رجلا حرك جبلا من الذهب، وأتى به هديـة لحبيبتـه لن أحزن، لو سمعت عن رجل جمع كنوز الدنيا –كلها بين يدي المرأة التي يحبها لن أتألم .. لكن لو وجدت رجلا يحب امرأة اكثر مما تحبني أنت، سيقتلني الحزن والألم...سأموت يا سعيد.

-حيزيـة إنك تهذين..حبك يجري في عروقي يسري مع دمي..حبك بين لحمي وعظمـي، ولـن يفتر أبدا.هكذا قال لها سعيد.

في اليوم الأربعين من زواجهما،عاد سعيد إلى الخيمة، فوجد حيزية مستلقية على الفراش تمسك برأسها ، وتصرخ من شدة الألم . أسرع إليها وقال مفزوعا:حيزية..قرة العين ماذا أصابك؟

وجاءت كلماتها فاترة: أحس بألم شديد في رأسي.

اقترب منها أكثر، أراد أن يساعدها على الوقوف.. على الحركة ، لكنه عجز، فقد كانت تضعف شيئا فشيئا، وكان جسدها يثقل أكثر فأكثر. أعادها إلى فراشها وقلبه يرتجف كطائر مذبوح.

قالت له بضعف:

-سعيد..أحس أني سأفارقك إلى الأبد.

-مستحيل..قالها وهو يشهر سيفه.عانقته بنظراتهـا الذابلـة وقالت:

-في وجه من تشهر سيفك يا سعيد؟ ثم استطردت: الموت جبار ولا أحد يستطيع أن يبارزه.

وأغمضت حيزية عينيها علــى قصة حب عنيف" عادت من حيث أتت، ولم تكن في حاجة إلى جنازة أخرى، ومأتم آخر. قبرهـا لا زال مفتوحا، نعشها على كتفيها وكفنها يستر تقاطيع جسمها الفاتن

سعيـد بقـي هائمـا فـي الصحراء والسؤال ظل ممددا على قبر الحبيبة:"من قتل حيزية؟ المرض أم سعيد.
الناس يقولون: حيزية ماتت لأن جسدها الضعيف عجز عن حمل حب عنيف.
وقال البعض الآخر: حيزية ماتت لأنها أرادت أن تحنط حبها في قلب سعيد.
وهمس بعضهم: حيزية ماتت لأنها سمعت ان في أقصى المدينة رجلا أحب زوجته أكثر مما أحبها سعيد.

فمن قتل حيزية؟ المرض أم سعيد ؟.



* كاتبة قاصة جزائرية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى