عزالدين ميهوبي - دم جزائري في برازيليا..

هل بين النّاس من يعلم أنّ لفظة البرازيل أصلها بربري أمازيغي جزائري؟ لا أعتقد أنّ هناك من يصدّق ولو 1%. ولا أعتقد أيضًا أنّ هناك من بحث في سرّ هذه الكلمة (برازيل) التي لا وجود لها في ثقافة أهل البلد، ولا يمكن معرفة أصلها، لأنّ الأمر ببساطة لا يجيب عنه سوى المهتمين بالحقبة الأندلسيّة والفترة التي أعقبت الاستكشافات الجغرافيّة، وربّما استثناء يدلي المؤرّخون الجزائريون بدلوهم في هذا الأمر.
في مؤتمر يُعنى بالتّاريخ في نهاية السبعينيات، وكنتُ حينها، طالبًا في المرحلة الثانوية، سمعتُ مؤرّخًا جزائريّا مرموقًا اسمه الشيخ سليمان داود بن يوسف يذكر أنّ البرازيل مشتقة من اسم قبيلة جزائريّة بربرية إباضيّة المذهب يُطلق عليها بنو برزل، أو برزال، المعروفة في منطقة المسيلة (شرق الجزائر) انتقلتْ بعد فتنٍ وأزماتٍ إلى الأندلس، وكان لها أثرٌ كبير في التوازنات السياسية والعسكريّة آنذاك، لكنّ البرازيليين (أو البرازلة كما يسمّون إلى اليوم بمنطقة المسيلة) واجهوا صراعاتٍ كبيرة في زمن حكم الطوائف، فانتقلوا إلى البرتغال وأقاموا بالجزر الواقعة شرق المحيط الأطلسي هناك طويلاً، حاملين معهم إرثهم وتاريخهم وما تبقى من رماد انتمائهم، قبل أن يشدّوا الرّحال إلى أمريكا الجنوبيّة، في مطلع القرن العاشر الميلادي، فيكونون من أوائل الذين استقرّوا بالبرازيل، ومنحوها اسمهم..
هذا ليس دجلاً تاريخيًا، ولا من شطحات بعض المؤرّخين، ولا من قبيل أنّ شكسبير اسمه الحقيقي الشيخ الزبير أو بيكاسو هو في الأصل أبو القاسم (..) بل هناك كثيرٌ من المؤرخين الجادّين، بحثوا في الأمر بينهم المرحوم الدكتور إبراهيم فخّار الذي يقول إنّه حفرَ طويلاً في تاريخ هذه الحقبة، أسماءً ومناطق، ولم يجد أثرًا لكلمة "برازيل" في البرتغاليّة، وفي الإسبانيّة وفي اللغات الأخرى، وهي موجودة لدى أمازيغ المغرب العربي فقط، وأنّ تاريخهم يمتدّ من المسيلة إلى الأندلس ومنه إلى أمريكا الجنوبيّة، حيث تعدّ البرازيل أكبر بلدانها مساحةً وسكّانًا.. ويمكن للمهتمين أن يقرؤوا عن بني برزل (أو برزال) في مراجع كثيرة منها (دولة بني برزال في قرمونة، للكاتب حمدي عبد المنعم) وعديد المقالات والبحوث ذات الصلة.
هذا لا يعني أنّ كلمة برازيل لم يبحث فيها مؤرخو البلد الأكبر في أمريكا الجنوبيّة عن جذور في المعنى، فقال بعضهم إنّها اسم شجرة واسعة الانتشار في نهر الأمازون.. وقال آخرون غير ذلك.
وروى رجل أعمال جزائري أقام طويلاً في بلاد السّامبا، كما يُطلق عليها، أنّ سكان بعض المناطق في البرازيل يشبهون في عاداتهم وأسلوب حياتهم بعض المناطق الجزائريّة، كطبخ الرغيف والكسكسي، ويمارسون طقوسًا اجتماعيّة لا تختلف عمّا كانوا عليه من اتّباعِهم المذهب الإباضي أو تحوّلهم إلى الفاطمي ومنه إلى انخراطهم في اللعبة الأندلسيّة كأبرز فرسان الخلافة هناك..
هذا ما قاله المؤرخون، فهل يمكن للجامعة الجزائرية أو مراكز البحث في التاريخ أن تتحرى الأمر بدراسات ميدانية، تكون إسهامًا جادا في ترميم ذاكرتنا ووجودنا الحضاري؟
هذا شيءٌ من التّاريخ، رأيتُ أن أستحضره لإنعاش الذاكرة، وكنت دونتُ كلامًا كهذا عشية مونديال البرازيل 2014، الذي تألق فيه محاربو الصحراء بقيادة حليلوزيتش، وقلتٌ أتمنّى أن يستيقظ الدّم الجزائري النائم في عروق البرازلة القادمين من الحضنة (المسيلة) وضواحيها، فيكونون سندًا لأبناء جلدتهم في مقارعات كرويّة تتطلب الدعم والمؤازرة.. لكن هل يعرفون ذلك؟. لا أعرف، لكنّ كما تقول الحكمة الشعبيّة في الجزائر (الدّم اللي ما يحنّ يكندر) أي الدّم الذي لا يحنّ يتألم.. ومن يقرأ تفاصيل التّاريخ يمكنه أن يعرف تضاريس الجغرافيا..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى