عبدالحميد شكيل - القصيدة..بين نمطيةالمخيال، ومعيارية التخييل..!!

في مسار القصيدة، وتحولاتها العرفانية ،الهاجسة باللغة الرائية، والمخيال المسكون بالدهشة، والغرابة، والتفلّت المراوح على عتبات الوجد، وشرفات الوجود في فتحها، وتفتحها،وانفتاحهاعلى مشروطية التوطين، وبؤرة الحفر الهامس، لتفكيك ترسانةالتلغيز، اليَنماز على حواف القول، وسرديات المجاز، في انسراحه البهي على تمحّلات البنية، وهتف الأقاصي البعيدة، التي تؤثث فراغية القصيدة، وتنخّل غبارهاالقاتل على مسننات الأرض البور، التي ينحاز إليها الكثير من مدعي الشعر، ومنتحلي القصيدة، في وجهتها، ووجاهتها المسكوكةفي نسيج لغة ضاجة، بالقهر، والغليان والبؤس ، والإجتثاث القهري، لإخراجها من ضيق المكان، إلى فسحة اللغة، وبراح المخيال،في سره الماتع، وهو يكتسح المعابر الموهومة، ويشير إلى محميات الإعاقة، وسقط المنجز
على ترهات لغةمكرورة، ورؤى منخورة بفعل الهوس، ومهموس الكتابة المبتذلة،بقصد الوجاهة، والظهور الشائن على مرايامخدوشة، ومنقوصة البريق و اللمعان.
في لغات التبهيب، والموات ، والتمحّل المنكسر،والمهيض الجناح، تخبو اللغة الشعرية، وينهار المخيال، ويتماوت التخييل، على صهوات لاترى إلى رملها، وهو يتخدد،ويتحدد،
منثالا على واقع ناشز، في الرؤى، ومتهافت في التبئير، والمراودة الشبيهة بالموت، على أحبولات الإنتكاس، وروث الإنحباس على صفات الترسيخ، ومتواليات الترخيص، لتأصيل الخرف، وتوشيح الرثاثة، سعيا مقيتا لتخريب متلازمة الحق، والبهجة، والتوصيف الجمالي المكتنز، لخلق
مزية الخيال، وشبقية التخييل، لكبت الاندفاع الغوغائي ، في مضمار الشعرية ، وهي تتجلى، في وضوح الطرح، وتنهض بإبراقاتها اللدنة، على تخوم لا تقبل الخيانة، والرثاثة، والتبجح المصطنع، والقائم على مداميك رخوية، جاءت من جهات مادحة، غير متيقنة، ولا مطمئنة لقولها النظري، ومتنها التنظيري ،الذي لا يستند إلى سلة نقدية، تستل صنعيها من جغرافيات الإشراق، ومناطق المعنى الحاذق.
تبضيع القصيدة، وتسليع محتوياتها، ورصف حركياتها بأوصاف غير منحازة لقاموسيتها ونسغها الميثولوجي، وسيرتها البلاغية، وسمتها المجازي،يجعلها متذبذة، ودائخة، لاترى صوابها، ولاتقول جوابها، ما يجعلها تسير في دروب المتاه، وسبل البلاهة، والخفوت، ما يقفدها ماء الوضوح، وخصب المرآى، وذكاء الطلب، وشرطية المطلبية، ولوجا نجيبا إلى حدائق البوح، وظلال الإنشراح.
القصيدة..لاتُكتب، ولا تُطلب، بل هي حالة من الوجد، والشطح، والانصهار على نار هادئة، ونَفَس مطمئن إلى أدواته، ونَفَسِه الكتابي، وتراثه اللغوي، ولمعه البلاغي، وحكنته المبثوثة في صراط اللغة،ومتانة الصنعة، وصدقية التوجه ، وحبور النار الإبداعية، وهي تتهامس ، وتتمايس على سموات
الطزاجة، وهتف السيمورغ، على اشجار المخيال، وسطوح التخييل، في معنى التجاوز، وحميمية التأصيل، بعيدا عن سخف التعالي، ومرآوية التعجيب .. الذي يصيب ،ولايجيب
في طَرق الخيال، وتنميط الرؤية، وابتناء منازل الدهشة، وعَمار البراح.
في كتابة القصيدة ..علينا أن لاننحاز إلى تراث لغة معيارية، مصبوبة في قوالب متكلسة، لا تستجيب إلا مقولها الجهوزي
وقاموسيتها المترسخة، التي تقهر المخيال، وتحبط التخييل، وتفتت سريان الماء في تربة القصيدة، وجوانيتها ، التي عليها
أن تخرج من تعاليم القبيلة،وفرمانات الوصاية، ولغات الدهماء، في شحها، وصفارها، وعَوارها المنفلت، في طوباويات التناقد المفرغ من ثيمات الوجاهة، وفرادة الوجهة..
القصيدة المُجدّة، والقادرة على إحداث التجاوز والخَرق الشفيف، وتعميق موجة الرؤية، وترسيخ مفهوم الجمالية الشعرية ، كثيمة متمردة،على قوالب، وتنميطات الهذيان الساذج،هي من تذهب بعيدا في الحفر، والتدبيج، ومماحكة لصيقة بلغات الهتك، والتبيان الواعي، والمنسجم، مع التحولات، والثيمات الظاهراتية، في بوحها، وتبيدّيها العابق، ولغاتها العاشقة..بعيداعن لغات التهريج، والتمطيط المخنث، وهو يسعى في استخفاف سمج،لإقتناص صفاء القارىء، وتحفيزه على ولوج تلك المناطق المموهة، بالنثار ونشارة
الكلمات ..
في النصوص المعوّمة على صفحات الكتب، ووسائل التواصل، ثمة مراوغات ، وخداع تتقصد فئة من القراء، زادها المعرفي، ومدونتها منقوصة من وهج التلقي العارف،والقبول النصاني، المقام على أسس غير صحيحة، ولا منسجمة مع المعطى النقدي، وسرديات السلة النقدية، في بنياتها ومنهجيتها العالمة.ذلك يسهم في تنميط النص، وتعمية تجلّيه،
وكبح منطلقه السيميائي،وهو يتقافز على رؤى ،ومنصات تستدعى النباهة، والتجلي، والإلمام ..
هذه القراءات المكسورة الجناح، الزاعمة من تمرسها بفيض النقد، وسيميائيات التحليل، والأستشراف ، تغالط القارىء، وتحبط فيه فطنة التلقي البهي، وتكذب عليه بما يسمى ب" القراءة النقدية" بينما ما يقدم له هو تحليل ساذج، وقراءة يسكنها العَوار، ويلعب بجوانيتها، الزعم، والقول المؤسس
لفقر القراءة، وخبث التقصي الذي يقتل جماليات النص، ويبخس توهجه، وعلاميته الراسخة، ويشتت متعه ولذاذاته،بل ويغمط حقه كنص عابر، يمكنه الرسوخ، والعلو الجميل في متعالياته، ونسوغه الفائقة..لنتق الله، في عفاف القارىء ،و إيمانه دون تضليله، واللعب بسماحته ، ووثوقيته
في العملية النقدية ، بما هي عليها من رؤية، واستشراف..
الإنفلات النقدي..ساعد كثيرا على بروز بعض " العيارين" "والدلالين"في مشهدية النقد المجني عليه، في سياق التقول،
وغياب آليات النقد، وانكفاء المنصة النقدية، وانحسارمَدّها
ما شجع على بروز" خفافيش الظلام" وتماديها في الزعم، والغلو الممجوج، الذي أصاب المشهد في مقتله، وشجع الناقد" المخنث" على تقوية نشازه، وانغماسه في أتون الرماد، ومعميات النقع ،كم كنت بائسا، وأنت تنشد تقولاتك في أودية
المقت،وسرابية المعطى..وتذهب في بيادر الهدم، وسرابيات
الوهن الكفيف..
النقد ليس تبيان مواطن الوهن، وثغرات التسلل، وهتك القدسية، وتفعيل كماشة الإحتواء، والاسقواء الأصفر..أرى أن النقد هو تقوية النص، والإشارة العارفة، والتقويض من أجل
التشييد ، وترسيخ الرؤيوية المتمكنة، دون الإستخفاف بجماليات النص، وممارسة العنترية البائسة، والرقص على إيقاعات لم تعد من مدن المعنى، وفرادة القراءة، ومجالية
المباشرة ، وعفوية النظرة البصيرة.
الزعم بالفروسية الموهومة، سيطيح بك، في مداميك لاترحم، ولا تقول إلا بالفارس المتمرس،الذي خبر الميدان، وتشرّب
حمحمات الخيل، على مضمار الموت، وميادين الهلاك..
في المحصلة تبقى القصيدة.. وهي تنبني على تدويرات النص، وشرفات المخيال ، تظهر، وتختفي على منارات المعنى، وجدليات التصور العارف، وهو يلامس شفراتها ، وينماز لحوارياتها المنفلتة، من حموضة الوقت، وشعث اللغة، المضرجة بأنفاس الحيارى، ومتواليات الصمت، الهاتك للهاث
أفقها الْ على صبوات اللغة، ومديات الهبوب، الذي يشحن القصيدة، ويؤثث جوارها، بعبق المخيال، وطزاجة التخييل..
تبقى: البيدر، والنهر ، والبلاد التي في درج النفس، والنور الذي
في ليل الغلس.. كيما نتلمس ذراها، وهي تعلو، وتتسامى في
نورانية الخلق، ومراتب السبق ، وصباحات الظل، وعطريات الفل..لاصباح لليل القصيدة..ولا بحر لأفقها الطامي، غير
العبارة.. واستطالت النهر على وقع المطر.. وتجليات اللغة،في
سريانها العارف، ومتوالياتها النسقية.. بعيدا عن التنطع، والخواء، والزعم الذي لايفيد، والإحتفالية الباهتة..

عبدالحميد شكيل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى