د. عيد صالح - كائن رمادي.. بين القلق الوجودي، وأسئلة المصير الإنساني

بعيدا عن تفكيك العنوان باعتباره عتبة النص ومفتاحه الذي يدخل بنا لغرفه ودهاليزه وأقبيته ومن ثم فك شفراته ودلالاته ورموزه وأحاجيه وطلاسمه إلا أننا نشير باختصار بأن الكائن هو أي كائن حي من الكينونة في الزمان والمكان بالغا ما بلغت درجته بين الأحياء ، والرمادي صفةكلون توصف به الأشياء كما تطلق حاليا علي جماعة أسطورية غير بشرية قيل عنها الكثير ونسبت إليها حوادث بتواريخ معينة في نهاية القرن العشرين ؛ لكن الرمادي هنا هو اللون الكالح والذي لاهو بالأبيض ولا بالأحمر وأنه جماع لونين بل إن الألوان كلها مزاج من لونين أو أكثر كما أنه قد يكون اسما كرماد الحرائق والجثث المتحللة وقد يستعمل مجازا في الأدب كما في عنوان ديوان محمد إبراهيم أبو سنة " رماد الأسئلة الخضراء "
ومن ثم فأنا أري أن الكائن الرمادي هنا ليس ما سبق من تعريفات وإنما هو صفة مجازية لوليد بطل الرواية الذي تفترسه الأسئلة الوجودية ، لا كيف ولماذا ومتي وأين ..؟ ولكن تلك الحالة التي يعيشها الإنسان مقهورا بين قوسي الموت والحياة ولماذ تصدمنا النهايات ومن ثم لماذا الحياة ،هو لا يخاف الموت لأنه يعرفه لكنه يخاف الواقع ومفاجآته ولا يخاف الغد الذي هو في ظهر الغيب والذي لن يجيء لأنه إذا جاء فلن يكون الغد بل يكون اليوم
ومن ثم كل الأشياء رمادية لون باهت كالح يصيب بالاكتئاب الذي يؤدي للثورة عليه ويدخله في ثلاث زيجات ناجحة ثلاث زوجات جميلات تنتهي بالملل والقلق الوجودي الذي يجعله يترك زوجته وحبيبته الأولي وقد أقعدها المرض ليتزوج صديقتها وتفهمها لأحقيته بل يترك صديقتها زوجته الثانية وينطلق في رحلة بحثه عن إجابات مستحيلة لحصاره في قوس البداية والنهاية لرحلته الاخيرة لزوجته الثالثة التي تنتهي فيها رحلة الاسئلة بلا إجابة إلي حين وبين الرحلات الثلاث أبناء وأبناء زوجات وأحداث ورحلات تحقق بعضها لجبل سأنت كاترين بسيناء ولاسطنبول بتركيا التي عاش بها خمس سنوات وافتتح بها محلات فول تديرها عائشة ابنة زوجته الثانية إيمان لرواندا التي لم تتحقق والتي كان سببها كل هذا الموت والصراع والقتل علي الهوية لماذا طالما أن النهايات محكومة ، كان يريد أن يري صدي ذلك علي الأجيال التي عاشت تحمل وزر الضحايا ، لم تتحقق تلك الزيارة ربما لأن رواندا نموذج متكرر ومن ثم سيضطر أن يزور العالم المبتلي كله بالمجازر البشرية لا بظلم الإنسان لاخيه الانسان فقط ولكن بالموت العشوائي لجاره الذي قفز من النافذة في محاولة الهروب من الحريق الذي التهم شقته والتهم زوجته التي تفحمت جثتها وليسقط جاره علي عربته فتتحطم هذا الجار السمسار الذي كان ينوي شراء بيت جديد
وهاهو النقاش يعزي ابنه ولا ينسي أن يدس في يده كارتا بعنوان محله لأعمال التجديد والعجيب ان ابنه المكلوم يدس الكارت في جيبه ولنتذكر حكاية الخواجة الذي أشار في رثاء ولده إلي أنه يرثي ولده ويصلح ساعات ، الحياة أقوي من الموت ، الموت الذي دفن رمزي ابن زوجته الثانية إيمان وشريكه الذي سرقه وهرب ليموت في الزلزال في اليوم الذي كان مقررا فيه ان يحضر لامه للأعتذار عن فعلته بعد ان أودع أكثر مما سرقه في حسابها لتحاول تحويلها لزوجها فيرفض وقال لها اقتسميها مع غادة زوجته الأولي وصديقتها التي قررا السفرإليها من إسطنبول في محاولة منها أن تشغله عن أسئلته التي تري ألا جدوي منها ولتثنيه عن السفر لرواندا،
لكنها أسئلة الكون والوجود والذات ... دائما تستوقفه صور النهايات لكل الأشياء …الحياة مهما طالت موقوتة والأشخاص مهما عمروا حتي نوح عليه السلام مات بعد ألف عام، الحياة بين قوسين وقطار العمر لابد له من نهاية يتوقف عندها وإلا اصطدم بالأسوار أو سقط في المحيط حتي المحيط أيضا له نهاية لو نظرت له من الفضاء رغم أنه يمثل ثلث مساحة العالم " الآن أيقنت أن كل شيء بين قوسين لا شيء يحكمه قوس واحد وما نلمسه أقواس مؤقتة …" كل شيء موقت كل علاقاته مؤقته حتي زوجاته يفرغ فيهن شحناته العاطفية المؤقتة ليعود لأزمته وتساؤلاته الوجوديةوبحثه الدائم عن اللاشيء ليس بحث عمر الحمزاوي في الشحاذ لنجيب محفوظ ولا ساحر الصحراء والخيميائي لكويلهو الباحث عن أسطورته وكنزه في رحلته العجية ولا بحث صبري موسي في فساد الأمكنة
" ما الهدف الذي يستعبدوا ..ولكن كيف نعيش بلا هدف "انه ..التخبط الأسئلة والأسئلة المضادة ، الشيء ونقيضه " عشت لتري أهدافك بين يديك وتحت قدميك كأنها مرحلة انتهت تماما بكل تفاصيلها والآن لا هدف هل هذا معقول ..؟ الهدف صنم نعيد صياغته وإنتاجه علي الدوام… هل الموسيقي هي الهدف أم تلوين الفراغ بالنعيم أخاف ان يغيب الهدف فيحضر الاكتئاب .. "
محاصر وليد بين أن يدور في طاحونة الأهداف أو يصبح فريسة للإكتئاب بجحافله الصامتة الغبية لكنه ما يلبث أن يثور علي الهدف قائلا : ما ألباني حقا لماذا أرتبط بهدف يستعبدني لا هدف بعد اليوم ؛ المشكلة أن عقلي لايكف عن "الزن" ..يالها من كلمة معبرة
هاهو مع السئق التسعيني في حوار شيق وفلسفي ومحكم ينتصر فيه السائق العجوز لكنه يجعل السائق يعترف بالهزيمة حين يواجهه بحقيقة الموت الذي ينتظره لكن السائق في لقاء آخر لهما راح وليد ينشد عنده خلاصا ما ففوجئ به يستل سكينا ليقتله فيقفز من العربة صارخا يستنجد بالناس ليهرب السائق ويختفي ويتركنا في حيرة التفسير هل هو قرينه الذي يتعذب معه بعد ان بلغ من السن عتيا ، لقاءهما الأول يؤكد أن العجوز مستمتع بحياته وعمله لكنه بدا ضجرا منه في لقائه الثاني
هاهو بين الحين والآخر يهرب في ذكرياته وحواراته مع صديقه الكاتب محمد مبروك الذي لا تشده القشور كما أنه لا يستغرق في أسئلة الوجود والعدم لأنه النموذج والمثال للشفافية والطهر والنقاء محمد مبروك المتصالح مع نفسه المستغنى عن العالم حتي في سلوكياته والقميص الكاروهات الذي انتهي زمنه ويرمز للزهد في أطايب الحياة محمد مبروك يمثل جوهر الانس



كائن.jpg


ن.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى