محمود سلطان - أنا.. وماجدة الرومي.. و"كن صديقي"

لا أعرف ما الذي يربطني بـ"الست" ماجدة الرومي.. هكذا تُلقبُ كلُّ فنانة "كبيرة" في لبنان .. يسبق اسمها دائما كلمة "الست".
عندما تلقيت دعوة، لحضور نهائي "ذا فويس" في بيروت، عام 2011، كنت على موعد للقاءٍ معها.. غير أن ظروف مصر، آنذاك، حالت دون "سعادتي" بهذا اللقاء المنتظر.. إذ عُدت ـ على عجل ـ يوم الاستفتاء على دستور ثورة يناير (مارس 2011).. من المطار ليلا إلى لجنة التصويت التي كنت مقيدا في جداولها بضاحية مدينة نصر بالقاهرة.
من بين ما يربطني بـ ماجدة الرومي.. أنها ابنة جيلي .. جيل انكسارات العرب.. وهزائمهم العسكرية.. كما أن أمها السيدة "ماري لطفي" جارتي من "بورسعيد" وأنا من الإسماعيلية.. التي ارتبطت بها منذ طفولتي ـ في قرية نفيشة ـ رغم عملي كصحفي محترف وإقامتي شبه الدائمة في القاهرة.
ماجدة الرومي.. قطعة "جاتوه".. كنت دائما أراها كذلك.. أو "آيس كريم" يذوب مخلفًا متعة الاسترخاء اللذيذ في لحظة صيف قائظة.
أجمل ما غنت الرومي: "مفترق طرق" التي غنتها في فيلم "عودة الابن الضال" انتاج 1976 كتبها الشاعر الصحفي الأستاذ صلاح جاهين.. وأخرى للأستاذ نزار قباني "طوق الياسمين".. والليلة على موعد مع أغنيتها "كن صديقي" وهي قصيدة للشاعرة الكويتية د. سعاد الصباح.
والأخيرة.. سألت عنها ـ مؤخرا ـ أستاذة علم الأخلاق بجامعة الكويت والأديبة الصديقة د. عاليه شعيب، التي أفادتني بأنها بلغتها سلامي، وأنها في حاجة إلى دعاء الأحبة.
"كن صديقي".. نظمتها د. سعاد الصباح على بحر "الرمل".. وهو من أرق وأحلى بحور الشعر العربي.. يضج بجواهر الجمال، التي تحتاج إلى شاعر "جواهرجي".. ومثل جراح التجميل.. العارف بعلم "السياق": الصلصال واحد.. والرخام كذلك واحد.. لكن "المُنتَج".. يختلف جماله ودرجة الإبهار فيه وسرقته لكل العيون والكاميرات.. من "نحّات/فنان" لآخر.. هكذا ما لا يعرفه الكثيرون عن بحور الشعر.. كل بحر.. يحتاج إلى غواص يدلف إلى تفاصيل محاره لينتقي منه أجمل ما فيه من لؤلؤ.
تفعيلاته : فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن (على الشطرين)
ويجوز "فَعِلاتُنْ" عوضا عن "فاعِلاتُنْ"
الشائع منه والمتداول أن تكون "عروض" الرمل و"ضربه" هي "فاعلا" أو "فَعِلا"
فتصبح التفعيلة:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلا (فَعِلَاْ)
كما قال "ناجي" في الأطلال ـ قصيدة من 124 بيتا ـ من ديوانه : "ليالي القاهرة "التي غنت جزءا منها أم كلثوم عام 1965 بعد وفاة ناجي بـ 13 عاما:
يا فؤادي لا تسل أين الهوى كان صرحا من خيال فهوى
وتفعيلاته: (فاعلاتن فاعلاتن فاعلا فاعلاتن فاعلاتن فَعِلَا)
ومطلع القصيدة الأصلية قبل تعديلها كان:
يا فؤادي رحم الله الهوى
فاعلاتن فَعِلاتُنْ فاعِلا
بيني وبين هذا البحر.. حبٌ ومشاعرُ "حُلوة" متبادلة.. ولعل الفضل في ذلك يرجع إلى د. إبراهيم ناجي.. الذي يعد من أفضل من كتب على بحر الرمل.. كان أيضا "الحلاج المقتول في بغداد عام 922 مـ" جواهرجي بحر الرمل.. وكتب عليه رائعته :

يا نَسيمَ الريحِ قولي لِلرَشا لَم يَزِدني الوِردُ إلا عَطشا
لي حَبيبٌ حُبُّهُ وَسطَ الحَشا إِن يَشَأ يَمشي عَلى خَدّي مَشى

والتي غناها الفنان العربي اللبناني الأستاذ مارسيل خليفة
غير أن سعاد الصباح تفوقت على الجميع في قصيدتها "كن صديقي".. لأنها كانت ذات فحوى رسالي إنساني يعيد صوغ العلاقة بين الرجل والمرأة على أسس تتعالى على التوظيف الجنسي المحض للمرأة.. ونظرة الرجل العربي لها بوصفها "وعاء" لقضاء الوطر وحسب..
أترككم الآن للاستمتاع بالقصيدة .. درة ما كُتب على بحر "الرمل":
1
كُنْ صَديقي..
كُنْ صَديقي..
كم جميلٌ لو بقِينا أصدقاءْ
إنَّ كلَّ امرأةٍ تحتاجُ أحياناً إلى كفِّ صديقْ..
وكلامٍ طيّبٍ تسمعُهُ..
وإلى خيمةِ دِفءٍ صُنعَتْ مِنْ كلماتْ
لا إلى عاصفةٍ من قُبُلاتْ
فلِماذا يا صَديقي..
لسْتَ تهتمُّ بأشيائي الصّغيرةْ؟
ولماذا.. لسْتَ تهتمُّ بما يُرضي النِّساءْ؟..
2
كُنْ صديقي..
كُنْ صديقي..
إنّني أَحتاجُ أحياناً لأنْ أمشي على العُشْبِ مَعَكْ..
وأنا أحتاجُ أحياناً لأنْ أقرأَ ديواناً من الشِّعرِ مَعَكْ..
وأنا – كامرأةٍ - يُسْعِدُني أنْ أسْمعَكْ..
فلماذا -أيُّها الشرقيُّ- تَهتمُّ بشَكْلي؟
ولماذا تُبصِرُ الكُحْلَ بِعينيَّ..
ولا تُبصِرُ عَقْلي؟
إنّني أحتاجُ كالأرضِ إلى ماءِ الحِوارْ
فلماذا لا تَرى في مِعْصمي إلا السِّوارْ؟
ولماذا فيكَ شيءٌ مِن بقايا شَهريارْ؟
3
كُنْ صَديقي..
كُنْ صَديقي..
ليسَ في الأمرِ انتقاصٌ للرجولَةْ
غيرَ أنَّ الرجلَ الشرقيَّ لا يرضى بدورٍ
غيرِ أدوارِ البطولَةْ..
فلماذا تخلِطُ الأشياءَ خلطاً ساذجاً؟
ولماذا تدّعي العِشقَ وما أنتَ العشيقْ..
إنَّ كلَّ امرأةٍ في الأرضِ تحتاجُ إلى صوتٍ ذكيٍّ..
وعميقْ..
وإلى النَّومِ على صَدرِ بيانو أو كتابْ..
فلماذا تُهْمِلُ البُعْدَ الثقافيَّ..
وتُعْنىَ بتفاصيلِ الثّيابْ؟
4
كُنْ صديقي..
كُنْ صديقي..
فأنا مُحتاجةٌ جدّاً لميناءِ سَلامْ
وأنا مُتْعَبَةٌ منْ قِصَصِ العِشْقِ وأخبارِ الغرامْ
وأنا مُتْعَبَةٌ من ذلك العصرِ الذي
يعتَبِرُ المرأةَ تِمْثالَ رُخَامْ.
فتكلَّمْ حينَ تلقاني..
لماذا الرّجلُ الشَّرقيُّ ينْسى،

حينَ يَلقى امرأةً، نِصفَ الكَلامْ؟
ولماذا لا يَرى فيها سِوى قِطعةِ حَلوى
وزغاليلِ حَمَامْ..
ولماذا يقطِفُ التُّفَّاحَ منْ أشجارِها..
ثم يَنامْ..؟

** القاهرة في 11/6/2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى