خالد محمد مندور - سر الأهلي ومصيره

هل سر الأهلي هو الإدارة الناجحة على مر العصور؟ أم أن سرة في اللاعبين الافذاذ؟ أم هم المدربون الذين ليس لهم مثيل؟ لا أعتقد أن هذه هي أسرار الأهلي لأنها ببساطة النتيجة الناتجة عن أسباب أخرى وإن كانت بالطبع تؤثر على الأسباب الأخرى وتتأثر بها.
ولا يمكن الحديث عن سر الأهلي إلا في علاقته بالتطور الاجتماعي والسياسي وبالطبع بالتغييرات التي ترتبت عليها في المجال الرياضي، فالأهلي السابق على سيادة الاحتراف الرياضي ليس هو الأهلي بعد سيادة الاحتراف، والأمر لا يتوقف على السر المحلى، و لكنه يمتد أيضا الى سر الأهلي الأفريقي.
فتأسيس النادي الأهلي لم يكن مجرد تأسيس نادى لممارسة الرياضة، بل كان جزءا من حركة وطنية عامة تنبعث من جديد بعد هزيمة ثورة 1882، حركة وطنية عامة تنظم نفسها في منظمات جماهيرية متعددة، لذلك تمتع النادي الأهلي بشعبية غامرة منذ تأسيسه وأصبح هدفا لكل الصغار الطامحين لممارسة الرياضة الأمر الذي ترتبت عليه الحصول على المزيد من البطولات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حظي بإقبال من أبرز اللاعبين من الأندية الشعبية الأخرى التي كانت تتمتع بتأييد جماهيري، ولكن في حدود مدينتها فقط.
لقد ساهم التأييد الجماهيري العارم في حماية الأهلي من أن تقوده قيادة غير كفء، فمثل هذه القيادة لم يكن ممكنا لها الاستمرار في مواجهة الغضب الجماهيري العارم، لذلك ترسخت في الأهلي القواعد السليمة في إدارة النشاط الرياضي.
لقد أسفر التحول الى الاحتراف في الرياضة عن ظواهر جديدة، فلقد تدعم نفوذ الأندية التي تحظى بشعبية تتجاوز حدود مدينتها، وتعرضت الأندية الشعبية الإقليمية، مثل المصري والاتحاد والإسماعيلي لظروف ضاغطة لنقص التمويل، وبرغم أن مثل هذا التمويل كان يتم توفيره، أحيانا، عن طريق كبار الاعمال الا انه تمويل لا يضمن الاستمرارية وتصبح الإدارة رهن لصاحب راس المال ورغباته وميوله.
أن الاحتراف الرياضي تلقى دعما كبيرا من تطور ونمو الرأسمالية المصرية، إلا أنه دعم موجه وباحث عن الربح ، لذلك فقد تركز في الأندية الأكثر جماهيرية على الصعيد القومي ،مثل الأهلي والزمالك ، برغم الفارق الكبير في حجم ما يحصل علية كلا منهما ، كما أن الأندية التابعة للمؤسسات تعرضت لضغوط مالية كبيرة فتعرضت أنشطتها الرياضية للتدهور ، مثل الترسانة والسكة الحديد والمحلة ، وبرزت أندية مؤسسات جديدة مثل أنبى وطلائع الجيش ، لكن هذه الأندية تبقى دائما عرضة لموقف مؤسساتها من النشاط الرياضي الاحترافي واستعدادها لاستمرار الإنفاق الذي لا يدر عائدا.
لقد أسفر النمو الرأسمالي كذلك عن تأسيس أندية جديدة تقودها الرأسمالية الجديدة سواء أكانت مصرية أو أجنبية، فنجد أندية بيراميدز وفيوتشر و زد ووادي دجلة، وتتغير المنافسات داخل الأنشطة الرياضية، بالذات في كرة القدم، وتصبح بعض من هذه الأندية على رأس قائمة المنافسة وتدفع بالأندية الشعبية إلى الخلف.
لقد قاد التطور الاجتماعي قطاع الرياضة إلى أوضاع غير صحية، فهل يعقل أن نادى واحد يكسب بطولة الدوري أكثر من كل الأندية مجتمعة ، وهل يعقل أنه نفسه يكسب بطولة الكأس بفارق كبير عن أقرب منافسيه ، لكن مثل هذا المكاسب ليست نتاج انحياز الدولة او اتحاد الكرة أو حتى الحكام ، بل هي نتائج للتفوق الساحق في الإدارة والتمويل والشعبية الناتجة عن التطور الاجتماعي والاقتصادي ، لذلك سيظل الأهلي المنافس الرئيسي وسيحصل على المزيد من الألقاب المحلية ، ما دامت الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أفرزت هذه الظاهرة الفريدة مازالت مستمرة.
إذا كان هذا سر الأهلي ومصيره على الصعيد المحلي، فماذا عن ظاهرة الأهلى الأفريقية؟
أن تحليل النتائج في كلا من البطولتين الأفريقيين، بطولة أبطال الدوري وبطولة الكونفدرالية توضحان حقائق جديدة، فبطولة أبطال الدوري التي لعبت لمدة 58 بطولة تفوز بها البلدان الأكثر تقدما على الصعيد القاري، أي بلدان الشمال الأفريقي وجنوب أفريقيا 40 مرة ، وتحظى بالمركز الثاني 23 مرة، أما بطولة الكونفدرالية التي لعبت 20 مرة فإن فوز الأندية العائدة لنفس البلدان الأكثر تقدما يبلغ 17 مرة والمركز الثاني 17 مرة.
لذلك فإن نفس الظاهرة المحلية تتكرر على الصعيد الأفريقي، فالأندية الأكثر قدرة على الحصول على التمويل والأكثر شعبية تحظى بنصيب الأسد في البطولات، ولكن يضاف على الصعيد الأفريقي ظاهرة جديدة، هي نزح المواهب للبلدان الأوربية المتقدمة أو لبلدان الشمال الأكثر تقدما، ظاهرة تتناسب عكسيا مع مستوى التطور الاجتماعي الاقتصادي للبلدان الافريقية، شمالها وجنوبها، بل تمتد أيضا فيما بين البلدان الافريقية الأكثر تقدما بعضها البعض.
لذلك فان ظاهرة الأهلي الافريقية ستستمر، وسيظل يحصل على المزيد من البطولات، الأمر الذي سيدعم الظاهرة، لارتباط ذلك بالمزيد من التمويل والشعبية، إلى أن يتغير الواقع الاجتماعي الاقتصادي الذي أفرزها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى