محمد مصطفى العمراني - عن ياسمين التي خطفت طفلنا !

عند خروجي كل صباح أحمل معي أكياس القمامة ، أرميها في برميل القمامة في الشارع الرئيسي .
حين رميت القمامة ذلك الصباح الباكر لمحت كرتونة متوسطة الحجم ، قلت لنفسي : ربما فيها قمامة لكن صاحبها لم يرمها داخل الصندوق ، خطوت عدة خطوات ثم سمعت صراخ طفل ، تجمدت في مكاني للحظة وأنا غير مصدق ما سمعته ، عدت إلى الكرتونة ، فتحتها لأجد الطفل .!
حملت الكرتونة وعدت إلى المنزل ، صدمت زوجتي برؤية الطفل ، نظرت إلي تلك النظرات التي أعرفها ، نظرت الشك والإتهام ، بادرتها بالسؤال :
- أين الرضاعة التي كان ليث يرضع منها ؟
- ليث كان يرضع قبل خمس سنوات ، يبدو أننا قد رمينا بها .
أسرعت إلى الصيدلية ، أشتريت رضاعة وحليب أطفال وعدت سريعا ، غليت ماء بالجزوة ، وضعت عدة ملاعق من الحليب ثم سكبت الماء المغلي ، تركته يبرد قليلا ، ناولته الطفل ألتقمه وبدأ يرضع .
حماسي للطفل زاد من شكوك زوجتي ، كنت بجوار الكرتونة حين جاءت بالمصحف ، ناولتني قائلة :
- احلف على المصحف ما لك علاقة بهذا الطفل .
- والله ما لي علاقة بهذا الطفل ولا أعرف عنه شيئا .
حلفت .
عادت تستجوبني :
- ما يكونش ابنك وأمه ماتت في المستشفى ، وسلموك الطفل فأنت لكي تداري عملتك جئت بالكرتون وو ؟!
وأضافت :
- أو تشاجرت مع أمه فخنقتها وحملت الطفل وهربت.!
ضحكت من قوة خيالها قائلا :
- أكملي الفيلم الهندي إلى النهاية .
أقسمت لها مجددا ما لي علاقة بالطفل فزالت شكوكها وأقبلت على الطفل وفجأة صاحت :
- فلوس
- إيش ؟
أخرجت خمس رزم من الفلوس ، حسبناها كانت خمسمائة الف ريال .
وفي لحظات كانت الزوجة تتصل بوالدتها التي لم يمض سوى نصف ساعة حتى أقبلت ، أخرجته من الكرتونة وهي تبسمل وتحوقل ، أشترينا له المهد واللوازم المطلوبة .
مرت أشهر ..
بدأ الطفل يحاول أن يحبو .
ذات مساء طرقت امرأة الباب واندفعت للداخل كأن شخصا يطاردها ، طلبت كأس من الماء ، بعد أن شربت قالت أنها دلالة ، أخرجت للزوجة ثياب جديدة وبسعر لا يكاد يصدق .!
أبدت استعدادها أن تقدم للزوجة تخفيض على ذلك السعر المغري ، وعرضت عليها أن تسدد بالتقسيط ولو لمدة عام .!
وفجأة سألتها :
- أليس لك أطفال ؟
كانت تتلفت كأنها تبحث عن شيء ، أثارت شكوكنا .
أجابتها الزوجة :
- لا ليس لدينا أطفال ، ولدي الأصغر عمره ثمان سنوات .
غادرت المنزل فتبعتها بحذر ، في ناصية الشارع ركبت سيارة فاخرة ، مستحيل تملكها دلالة .
من المؤكد أنها والدة الطفل ، وقد جاءت لكي تراه وتطمئن عليه .
في تلك الليلة لم تنم من الزوجة من القلق والتفكير .
سألتني :
- ماذا لو طلبت استعادة الطفل ؟!
أكدت لها أنها لو كانت تريد الطفل ما رمت به ، هي فقط تريد الاطمئنان عليه .
بعد أيام عادت من جديد ، في هذه المرة رقت لها الزوجة ، أخبرتها أن لدينا طفل عمره ثمانية أشهر ، تهلل وجهها وفرحت .
وبمجرد أن رأت الطفل هجمت عليه تقبله وتحضنه بقوة جعلت الزوجة تصرخ فيها :
- ستقتلين الطفل .
حين انتزعته منها ارتبكت وأعتذرت قائلة :
- سامحيني أحب الأطفال جدا ، من زمان أتمنى أن أرزق بطفل لكني لم أحمل ، رغم أنني ذهبت للعلاج في ألمانيا ولكن دون جدوى .
لم تحدثها الزوجة ، كانت تعلم أنها تكذب ، لقد فشلت في إتقان تمثيل دور الزوجة العقيم .!
تمر السنوات وهي تتردد على منزلنا كل أسبوع ، تأتي بكل حاجات الطفل ، ترفضها الزوجة لكنها تقسم لها أنها هدية ، لم تعد تأتي بالثياب ، قالت أنها تركت العمل بالثياب وتعمل في تجارة الاكسسوارات وتكسب كثيرا .
كنا ندرك أنها أم الطفل ولذا كنا نتركه معها حين تأتي ، كانت تظل تلاعبه وتقبله ، تطارده في الغرف ، الزوجة أخبرت الطفل بأنها الخالة " ابتسام " ، ذات مرة سمعتها الزوجة تتصل :
- الوه معك ياسمين
خافت الزوجة من نواياها فهي لم تخبرنا باسمها الصحيح ، اقترحت علي أن ننتقل من هذه الشقة ، وفعلا وجدنا شقة أخرى ونقلنا الأثاث في الليل .
بعد أيام جاءت تبحث عنا فوجدتنا قد رحلنا فجأة ، كادت تجن ، سألت الحارس عن عنواننا الجديد لكنه لم يكن يعلم إلى أين نقلنا ، طلبت هواتفنا فاعتذر ، أعطته مبلغا لم يكن يحلم به فأخبرها برقم هاتفي ، كنت أعلم أن هذا ما سيحدث فكنت قد بدلت هاتفي ، حتى الرقم السابق لم يكن باسمي وحين فشلت في العثور علينا عادت مجددا إلى الحارس ووكيل صاحب العمارة تبحث عن اسمي من خلال عقد الإيجار وفعلا وصلت إلى اسمي وبدأت البحث عنا ، قدمت أموالا لجهات أمنية فساعدتها حتى وصلت إلينا .!
فوجئنا بها ذات مساء تطرق الباب ، رفضت الزوجة أن تفتح لها الباب لكنني فتحت لها الباب فاندفعت تبحث عن الطفل وتقبله وتحتضنه .
فوجئنا بها تسألنا بهدوء :
- لماذا تهربون مني وأنتم تعلمون أنه ابني ؟!
ارتبكنا ..
تماسكت الزوجة قائلة :
- الطفل طفلي ، أنت تخليتي عنه ورميتي به في الشارع وأنا ربيته .
واندفعت تبكي :
- أنتم لا تعلمون قصتي ، زوجي رجل أعمال مشهور تزوجني على زوجته التي ضغطت عليه هي وأولاده أن لا يخلف مني ، لكني حملت منه دون رغبته ، وحتى لا يطردني اضطررت لوضعه بجوار القمامة ، كنت أراقب من السيارة كل ما يحدث ، تبعت زوجك حتى عرفت العنوان وعدت أتردد عليكم حتى أطمئن عليه لا أكثر .
لم نصدقها ولم نكذبها ..
أقسمت للزوجة أنها لن تأخذه منا ، كانت تتردد علينا باستمرار حتى بدأ الطفل يذهب للمدرسة ، ويخرج للعب بجوار البيت مع أولاد الجيران .
قبل أيام خرج ولم يعد ، تأخر كثيرا فخرجت أبحث عنه كالمجنون ، سألت الأطفال فأخبروني أن امرأة نزلت من سيارة فخمة وأخذته إلى البقالة لتشتري له الشوكولاتة .
توقفت عن البحث عن الطفل ، لقد خطفته ، عدت إلى البيت وأنا أفكر بحال الزوجة .
ـ كيف سيكون حالها في غيابه؟
ـ وهل ستعيده؟
ـ أم أنه سيعود بمفرده ومتى ؟
ـ وهل ستنساه الزوجة وكيف ؟
وغرقت في بحر من أسئلة بلا إجابة .

****

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى