كرة القدم مصطفى نصر - الكرة ورأس الرجل

يوم السبت 14 نوفمبر 2009 كانت مبارة كرم القدم بين فريقنا – المصري والفريق الجزائري، وقت المباراة كنت في البيت وحدي، فقد ذهبتْ زوجتي إلى بيت أسرتها، وذهبَ ابني لمشاهدة الماتش في بيت خاله، وأنا لا أطيق مشاهدة مباريات كرة القدم، وأقضي وقتها إما في السير، حيث الطرقات تكون خالية، والمواصلات هادئة، وإما في البيت أكتب أو أقرأ، وعندما أسمع صياح الجماهير، أسرع إلى التلفزيون، الذي يكون وقتها مغلقا ـ وأبحث عن القناة التي تذيع الماتش لأعرف ماذا حدث، وسرعان ما أعود إلى مكاني، وانشغل بما كنت أفعل.
إنني لست ضد لعبة كرة القدم، ولست ضد الاهتمام بها ورعاية لاعبيها، فذلك أمر حيوي، وفوزنا في مباريات دولية يرفع من رصيدنا عالميا، ويكون سببا في رفع قيمة بلادنا وهذا يؤدي بالضرورة إلى زيادة الدخل القومي؛ خاصة من السياحة.
وأنا أشجع النادي الأهلي لكن من بعيد لبعيد، بمعني أنني أتمنى أن يفوز في مبارياته لكن دون أن أراها.
وقد حاولت متابعة مباريات كرة القدم مثل ملايين الناس في العالم، لكنني فشلت، ومازلت لا أفهم أشياء كثيرة في الملعب، لا أعرف متى يكون " الأوفسايد" وسألت العالمين بالأمر في ذلك، فشرحوا لي كثيرا، لكنني لم أفهم.
وكنتُ في بداية شبابي صديقا لشاب يجيد لعبة كرة القدم، ويعشق متابعة المباريات في التلفزيون، خاصة المباريات العالمية، وكانت القناة الثانية في التلفزيون المصري تعرض مباراة عالمية مهمة كل يوم ثلاثاء، وألح صديقي هذا عليّ بأن أذهب معه في قهوة بشارع ابن الخطاب لمشاهدة مبارة بين فريقين كبيرين - لم نكن أنا وهو نمتلك تليفزيونات في بيوتنا – وجلستُ بجواره، أبحلق في الشاشة الصغيرة، وأتابع الكرة وهي تجري فوق النجيلة الخضراء، وأنا غير فاهم شيء مما يحدث أمامي، فقمت مفزوعا من مكاني، وقلت لصديقي:
- آسف، لا أستطيع احتمال هذا.
وعدت إلى بيتي وتركته يتمتع بالمباراة.
00
وكنت أقف في أول حارتنا مع زملائي، فأجدهم يتحدثون عن فرق الكرة، خاصة صديقي - الذي أصبح عديلي بعد ذلك - فهو يجيد لعب الكرة الشراب في الشارع، ومهاجماً قوياً، يعرف كيف يجيب جوان – وكان اتحاداوي صميم، يعرف تاريخ النادي منذ أيام محمود حودة والسيد حودة، وحكاية الديبة الذي كبر في السن واعتزل، لكن عندما هبط نادي الاتحاد إلى دوريْ الدرجة الأولى (المظاليم)، عاد ثانية إلى لعب الكرة حتى صعد بنادية إلى دوري الممتاز.
حكايات درامية مشوقة، وكان عديلي هذا، يتحدث مع كل من يقابله عن الاتحاد، ولا يأنف من أن يرد على ولد صغير هاجم الاتحاد أمامه.
وكان رئيس الشركة التي كنت أعمل بها حريصا على شراء تذاكر مباريات كرة القدم التي تلعب فيها الفرق السكندرية مع الأهلي أو الزمالك، وكنتُ في كل مرة أحصل على تذكرتين، فاصحب صديقي – الذي أصبح عديلي بعد ذلك – لمتابعة هذه المباريات في الأستاد، وأتأمل ما يحدث، رجل يصرخ من أجل نادي الاتحاد، حتى أن زملاءه الاتحادوية – يهدئونه، ويقولون له:
- ممكن يجرالك حاجة، مين حاينفعك، وينفع ولادك؟!
وكان " السيد بخيت "، وهو صاحب فرقة عوالم مشهورة في الاسكندرية، ينزل بين الشوطين إلى أرض الملعب، فيعزفون له الموسيقى الراقصة، ويرقص الرقصة الإسكندرانية المشهورة
00.
كانت مصر كلها – في الستينيات - متعلقة بلعبة كرة القدم، الحكومة تعطي لهذه اللعبة كل أهمية واهتمام، فجمال عبد الناصر أهلاويا، وعبد الحكيم عامر زملكاويا، وأسرته كذلك، وكان رئيسا لاتحاد الكرة. والفريق عبد المحسن مرتجي قائد القوات البرية رئيسا للنادي الأهلي، والفريق سليمان عزت قائد القوات البحرية رئيسا لنادي الأولمبي، وساعده حتى حصل على الدوري الممتاز لأول مرة وآخر مرة في حياته.
وعندما هُزمنا في يونيو 1967، إدعى البعض أن كرة القدم كانت أحد أسباب هزيمتنا. فأوقف جمال عبد الناصر الكرة، ومات في عام 1970 ومازالت كرة القدم ممنوعة،ولم يعدها خليفته – أنور السادات – إلا في عام 1974، بعد أن حاربنا في 1973 وانتصرنا
00.
وعبر الكاتب المبدع محمد حافظ رجب عن اهتمام الدولة بكرة القدم - في ذلك الوقت - على حساب الثقافة، بقصته الرائعة " الكرة ورأس الرجل "، والتي كانت سبب شهرته، وهي تحكي عن صحفي مثقف وجاد يعمل في جريدة؛ تركها قراؤها، واشتروا بثمنها تذاكر لمشاهدة مباريات كرة القدم، حتى شكا رئيس التحرير من قلة بيع النسخ، وهجرها المحررون، خاصة المحرر الرياضي الذي أصبح معلقا رياضيا، والذي أهدى الصحفي الجاد تذكرة لمشاهدة مبارة كرة قدم في الاستاد، فأحس الصحفي بأن الكرة شيء مقدس، يعشقها الناس، ويعطونها كل اهتمامهم، وأن رأسه التي استدارت مثل الكرة؛ من كثرة الكتب التي قرأها، تصلح لأن تكون كرة يلعبون بها، فاقترح على الحكم واللعيبة بأن يأخذوا رأسه ويلعبوا بها المباراة، وطلب الصحفي – صاحب الرأس التي يلعبون بها الكرة – من العسكري أن يساعده على استعادة رأسه. فقال له العسكري:
- رأسك مع الفريق الفائز.
- فقال له:
- أنا أشعر بالسرور لقد أثبت لهم أن رأسي في إمكانه أن يقف مع الكرة وهذا يكفي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى