رحلة بين نمرقة ورفرفتين

تسقط عَبراتٌ فوقَ عقْر الأحلام، وتحاول الأطياف أن تبدّد صلابة وفرة الأشجان. لكلّ عين ما تصطاده من كلمات عجزت عن بلوغ المقصد، فتنقلب الأجفان حتّى تستطيع القلوب أن ترى ما لم تشاهده: للبيت سطوة، وللماء سُلطة، وللوهم خيلاؤه اللّامتناهية. هل يمكن أن يستمرّ الشّيء فقط لأنّه يجب أن يستمرّ؟ أم على التّجدّد أن يفني ذاته في بقايا الهذيان؟

تنهمر الأشلاء فوقَ الرّيش المخضّب بالكوابيس المأتميّة: الحياةُ هي القُدرة على كسر الممكن فخلقِ شقيقه كسماء وازت مرآتها وعجزت عن تقبيل نفسها، فحاولتْ إمساكها حتّى التحمت بها فلم تصرها. تتّحد الحِمَمُ في زندِ الشّقاء وتنهمر الأيادي فوقَ الأرضِ باحثة عن الرّطوبة الأولى: هل لنا أن نصنع من دمعنا أعيننا؟ وهل لنا أن نحلم بسراب يشتهي أن يُحيينا؟ وهل من الممكن شجبُ الأيّام حتّى نصقلَ حجرَ السّماء ونرمّمَ موتَ الخياليّ في سيرورة البقايا؟ لعلّ السّؤال بحث عن حلم لا عن إجابة، ولعلّ الحلم بحث عن واقع لا عن مأساة، ولعلّ المأساة بحث عن مكان الأرجل بين العبرات.

- هل كنتِ هنا طوال الهذيان؟
- كنتُ أناديكَ كي أسمَعَكَ، وكنتُ أضمّك كي لا ينكسِرَ بُخار الأيّام، وكنتَ تنتبه فلا تدري أيّ الحقيقتين أنا.
- حاولتُ كسرَ يدي ففشلتُ، وحاولتُ أن أضمّها فسقطتْ منّي، وحاولتُ أن أعلّقها فجفّ الذّهبُ من الرّفات. خُذي منّي ما لم أعلمه حتّى أتيقّن من صحّة الوجود.
- أحطتُ الرّخامَ بما تيسّر من جفون ترى ولا تبصر، وسيّجتُ الضّباب بأنفَاس ملائكيّة حتّى تتجلّى قُدُسيّة الحلْمِ أمام أيتامِ الممكنات. فخذني كما أرادت الأيّام أن تكون.

تتضمّد الأجنحة بما وجدته مرميّا على قارعة الغيوم، تلتقط قليلا من لحَى نسيتْ محلّها: هل يجب علينا أن نسقط هنا أم يجب علينا أن ننزل هناك؟ وهل نتسابق نحوَ الاعتصار حتّى نفنى أم حتّى نبقى؟ يرفرف جناح لوحده، لا يبحث عن شريكه، ولا يبحث عن لوحٍ يقيهِ عذاب السّفر. في طبيعة الأشلاء اللّامبالاة بالقادم ممّا يستلقي تحت المقلتين.

يسقط الجناح فوقَ قبرِ الأحلام، يرفرف ملطّخا بالعبرات الصّاعدة إلى قيامة الغيوم، يكسر البرقَ الممتدّ على شواطئ الكتمان، يحتمي بريشه المتبخّر في قيلولة الوقتِ، يتسلّق هذيانه، وينام قبل أن يصير اثنين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى