خالد جهاد - بلا صوت

لا زال البعض حائراً ومشتتاً بين أحلامه التي بناها على صورٍ مبهرة قادمة من الغرب، وبين حقائق تعاكس تلك الصورة التي اتضحت بمرور السنوات ويؤكدها حدث هام من حينٍ لآخر، صورٍ أبعد بكثير عن تلك التطلعات الساعية إلى عيشٍ رغيد وحياةٍ كريمة وبيئةٍ آمنة ونظيفة، صورٍ حالمة (أحببنا أن نصدقها) عن (العدالة والمساواة) التي تشبه خرافات الأبقار التي تحظى بالتدليك وتستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية بينما تمضغ أعشابها بسكينة وسط المراعي الخضراء، والتي لا تختلف كثيراً عن الصور التي أراد الغرب (تصديقها وتصديرها وتعزيزها) عن ذلك الشرق الذي لا يزال أشبه بصحراءٍ شاسعة ممتدة، تتوزع فيها الخيام المليئة بالجواري اللواتي يرتدين النقاب.. ويكشفن عن مفاتنهن وهن يرتدين بذلات الرقص الشرقي، متمايلاتٍ يتقن فن الغواية بين حشدٍ لا ينتهي من الرجال الذين تبدو على ملامحهم الشدة والغلظة..

ولربما كانت الأحداث الحالية في أكثر من بلد تأتي فلسطين المحتلة والسودان على رأسها لتنفي تلك الصورة التي تم تصديرها إلينا بنجاح على مدار عقود، وتكرس حالة القهر التي يشعرون بها كالكثير من شعوب العالم، حيث لا يملكون صوتاً ولا يملكون القدرة على إطلاق صرختهم.. صرخة وجعٍ وعجزٍ حقيقي تختلف عن لوحة الرسام النرويجي (إدفارت مونك) التي تم تداولها وابتذالها بشدة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، صرخة تساؤل عن مئات المهاجرين الذين غرقوا دون أن يهتم لموتهم أحد فيما ذرفت الكثير من الدموع على خمسة أثرياء ماتوا وهم في (رحلة استكشاف) لحطام (سفينة التايتانيك)، صرخة قهر عندما لا تملك الكثير من الأمهات صوتاً ومنهن من فقد أبنائه على يد الإحتلال الصهيوني ومنهن من يعملن يومياً بأجورٍ رمزية ولساعاتٍ طويلة في ظروف شاقة جداً بغية إعالة أسرهن، فيما تدعى ممثلة إباحية من أصول عربية لتلقي محاضرة عن (خبراتها وتجاربها الحياتية) بعد (اعتزالها) في جامعة (أكسفورد) البريطانية بمناسبة مرور ٢٠٠ عام على أول مناظرة عقدها الإتحاد الأكاديمي، وذلك بعد تأسيسه لتعزيز حرية التعبير بإعتبارها (أيقونة نسوية)..

هنا ووسط هذا الكم من الأحداث المتتابعة التي لا تتوقف والتي يحكي كل منها ما هو أعمق وأبعد وأهم من الكلمات، والتي يتصادف في كثير من الأحيان تزامن حدثين أحدهما في الغرب والآخر في إحدى الدول الفقيرة أو النامية لم نعد بحاجة إلى توجيه القارىء أو المتلقي أو التعامل معه على أنه مغيب أو تنقصه المعلومة، فهاتفه لا يفارق يده وهو من يختار أن يكون مغيباً ساعة يشاء وهو من يختار أيضاً أن يفتح عينيه ليرى أن القيم الإنسانية الحقيقية لا ترتبط ببقعة جغرافية قدر ارتباطها برغبة أيٍ منا في اعتناقها، فلكلٍ فكره وقيمه ومعاييره التي نراها في سلوكه حتى وإن كان بلا صوت..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى