خالد جهاد - قصر هشام.. زخارف على جدران الذاكرة

تحتضن أرضنا الكثير من الكنوز الأثرية والحضارية التي لا نعرف عنها شيئاً أو لا نعرف عنها كما ينبغي، وفي الوقت الذي يتوجب علينا فيه توجيه طاقاتنا ومجهوداتنا إلى الداخل تأتي أهمية تسليط الضوء على ما نملكه من إرث يميزنا بين الشعوب على مختلف الأصعدة كي نذكر شعوبنا به وكي لا يندثر ويصبح طي النسيان وعرضةً للإستيلاء الثقافي والنهب من أي جهةٍ كانت، حيث لا زلنا نعاني حتى اليوم لإسترداد آثارنا التي تم تهريبها إلى الخارج في أكثر من بلد، ولعل الحديث اليوم عنها يعد أمراً بالغ الأهمية ولذلك اخترنا الحديث عن (قصر هشام) في مدينة أريحا الفلسطينية المحتلة أقدم المدن في تاريخ البشرية منذ فترة تتراوح بين ١٢,٠٠٠-١٤,٠٠٠ عام..

فهذا القصر اتخذ اسمه من الخليفة الأموي (هشام بن عبد الملك) الذي شيده واتخذه مقراً للدولة في القرن الثامن الميلادي، والذي يحتوي على مجموعةٍ من الأبنية وأحواض الإستحمام والجوامع والقاعات الكبيرة، وقد تم اكتشافه عام ١٨٧٣، وقام القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي (وهو من أبرز الشخصيات التاريخية الكردية) وجنده بمحاولة إعادة السيطرة على القصر في القرن الثاني عشر الميلادي، ولكنه بعد ذلك استمر حتى عام ١٩٤٠ بمثابة مقلاعٍ للحجارة لأهالي أريحا، ولم تتم أي حفريات فيه حتى قامت الحفريات التي أشرف عليها عالم الآثار المعروف ديمتري برامكي وهو عالم آثار فلسطيني أميريكي بين الأعوام ١٩٣٤-١٩٤٨ والتي نشرت نتائجها في تقارير ومقالات تابعة لدائرة الآثار الفلسطينية آنذاك والتي نشر المزيد منها لاحقاً في أطروحة الدكتوراة للعالم ديمتري برامكي..

وبرغم أن قصر هشام يمثل نموذجاً رائعاً للفن والزخرفة والحلي والعمارة الإسلامية القديمة إلا أنه لم يكتمل بناؤه كما كان مقرراً، ولعبت الأقدار دورها في الحفاظ على ما تم إنشاؤه وتشييده منه ضمن مجموعةٍ من البنايات والحمّامات والجوامع والقاعات المليئة بالأعمدة الأثرية، فكما قال بعض علماء الآثار فإن زلزالاً عنيفاً ضرب المنطقة وتسبب بدمار بعض أبنيته وساهمت الأتربة والأنقاض في المحافظة على الكثير من الزخارف والفسيفساء البديعة التي يتميز بها القصر..

ويضم (قصر هشام) أكبر أرضية فُسيفسائية في العالم، حيث تتكون الأرضية من ٣٨ سجادة فُسيفسائية مُتصلة ببعضها البعض ومساحتها كاملةً هي ٨٢٦ متراً مربعاً ومكونة من أكثر من ٦ مليون قطعة فُسيفسائية، وزينت هذه الفُسيفساء قاعة الإستقبال التي تعرف بإسم (الديوان)، وتعتبر الفسيفساء الموجودة على أرضية الحمامات إلى جانب (شجرة الحياة) الموجودة في غرفة الضيوف من أهم عناصر الجذب للسياح والزوار، كما تعتبر هذه الفسيفساء تعتبر واحدة من أجمل الأعمال الفنية القديمة في العالم، والجدير بالذكر أن العديد من الزخارف المنقوشة من الموجودات في القصر توجد حالياً في (متحف روكفلر) في مدينة القدس المحتلة...

ومتحف روكفلر اسمه الأصلي هو (متحف فلسطين للآثار) وهو متحف أثري يقع ضمن القسم الشرقي لمدينة القدس المحتلة، ويضم مجموعة كبيرة من القطع الأثرية المكتشفة من الحفريات التي أجريت في فلسطين في عهد الإحتلال البريطاني مابين العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، وتم افتتاحه عام ١٩٣٨ ليكون أحد أقدم وأهم متاحف الآثار في العالم العربي، والذي ظل تحت الإدارة الأردنية بعد النكبة الفلسطينية عام ١٩٤٨ حتى استولت عليه سلطات الإحتلال الصهيوني ونسب تاريخه لها بعد حرب ١٩٦٧ وهو اليوم تحت إدارة متحف ما يسمى بدولة (إسرائيل)..

وقد تم بناؤه على موقع عرف في الفترة العثمانية بإسم (كرم الشيخ) نسبةً إلى الشيخ محمد الخليلي مفتي القدس في القرن السابع عشر، وفي عام ١٧١١ بني عليه مبنى استعمل كمصيف له غرب المتحف والذي لا يزال موجوداً حتى اليوم، واستطاع البريطانيون شراء هذه الأرض عام ١٩٣٠ وبناء (متحف فلسطين للآثار) والذي استغرق مدة ثماني سنوات، وهو من تصميم المعمار البريطاني أوستين هاريسون، ويتألف المبنى من طابقين استعمل الطابق الأول كمعصرة زيتون، والطابق الثاني للسكن كما ويعد أحد أوائل المباني التي بُنيت خارج أسوار البلدة القديمة..

واليوم حتى وإن لم نمتلك القدرة على زيارة هذا الصرح وأمثاله علينا أن ندرك قيمته وألا ننسى تاريخه، لأن الذاكرة اليوم باتت أغلى ما نملك حتى يحين موعد العودة..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى