مقتطف سامح رشاد - رواية راميل

•الأحبولة
دائرة انعدام الوزن..
ما زلتُ أبحث عنها وأسأل كل عابر وسائر، وأسأل كل شاهد، وعارف، وكل صاحب مقام، وكل شيخ طريقة وأبحث عنها، في كل جب ومرقد بين كل حاضر وغائب، ما دلني أحد عليها.
خرجت إليها من شمس الذاكرة إلى فضاء الرغبة وتوقفت عند شواهد الموتى وهم يعجنون بخورهم بالمودة فلم يدلوني، وأنكروني. زرعت حدائقَ من الزيتون، والرمان بماء آسن، وغير آسن. وحصدت من منازل الرحمة غير الرحمة وسألت عنها بلقيس وزليخة، وامرأة لوط؛ ما دلني عليها أحد.
سألت عنها الشيطان بعدما أجلسته على طاولتي المستديرة؛ فلم يجبني. سألت أيقونات الرهبان، والقديسين، وعجائز المشايخ، وكل مولود، وغير مولود؛ ولم يعرفها أحد..
كتبت اسمها بما أعرف وما لا أعرف، بما أتوكأ ولا أتوكأ فكان ثمة سراب. بحثت عنها في كل رمز، وإشارة، في كل مكعبات اللذة، وكل دوائر العدم، ومستطيلات الطرق؛ فلا تعرفها لغة، ولا طلسمات.
وفوق بنايات الوقت كتبت شعائري، وطقوسي، وحفرت لي حفرة كبيرة لتتسع لمرقدي، وفيما كانت هي أين كانت؟ فقد كانت، وتحت جسدها زرعت شجرة كبيرة لتكون مقامي..
وباتت الشمس على مقربة من الأرض، حتى كادت تنسلخ عن السماء، وحين كنت أنا أبحث عن ضالتي كشفت لي تلك العجوز -أي الشمس- عن سروالها المبقع وقالت: "هُيِّئت لك، هُيِّئت لك." حينئذ انطلق حديثٌ دافئ بيني وبينها، هي تلعب بالنهار كالفراشة، وأنا أطارد الضفادع.
وقالت لي على غير استحياء: "أنت مثلي لكنك تشرق على واحدة فقط، وتسير وحدك في زمن التسكع والحيرة، ثم تبدأ في الطفو وتذوب وتنصهر كالكرة الجهنمية، كمئذنة تشرئب على سطح البحر، وها أنت الآن تحاول أن تصرف رياحك اللواقح فوق برجها العاجي، وتبلل رجليك بمائها المقدس، وتنزع عن عينيها الفسفوريتين حدقتيها، وتنتشر في كل وادٍ تهيم؛ وها هي لا تعبأ بمتاعك إلى حين. لماذا أنت الآن تسقط في شجيرات محبتها الغضة، ولا حول لك ولا قوة؟
فلماذا تسأل عنها كوكب الزهرة، والشعرى، وأنت تعلم مكانها؟ فهي تسكن في قلبك..."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى