خالد جهاد - صورة عائلية

كثيراً ما يغلبنا الحنين إلى أوقاتٍ جمعتنا بمن نحب، إلى طقوسٍ دافئة ولحظاتٍ حميمة (آمنة) بعيداً عن الحاجة إلى تكلف صورةٍ لا تشبهنا بعد غياب صورةٍ عائليةٍ تحتضننا، فقد يعتقد البعض أن الوضع الإقتصادي والسياسي وهجرة الكثير من الناس خاصةً في العقدين الماضيين ساهما بشكلٍ كبير في تلاشي هذه الحالة الأسرية (وهو محق) لكنهما ليسا المسبب الرئيسي لها..

فلا يمكن لأحدٍ منا أن ينكر التغير الجذري الذي طرأ على المجتمع وطريقة تفكيره التي باتت أكثر ميلاً نحو الفردية والإنغلاق (والذي لا يشمل مواقع التواصل الإجتماعي)، عدا عن اختلاف الإهتمامات وزيادة (التطلعات) والسعي نحو محاكاة حياة (الآخرين) والظهور بأسلوب يميزها أو يعبر عنها (كما تعتقد) أياً كان ذلك الأسلوب، فلم تعد هناك مظلة قادرة على أن تضم الجميع مع هذا الكم الهائل من النماذج المتضاربة والتي يبدو أنه من المستحيل أن تلتقي معاً دون صدامٍ بات يطفو على السطح بوضوح في السنوات الأخيرة، لكن جذوره كانت موجودة قبل هذا التطور الملحوظ والذي كانت الأغلبية تتعامى عنها بكامل إرادتها..

فعلى الرغم من اجتماع العائلة معاً ونعني هنا (العائلة الممتدة) وليس فقط الوالدين والأبناء، إلا أن تلك التجمعات لم تكن تعني بالضرورة حدوث التلاقي الفعلي بين أفرادها ولم تكن تعني حالة التقارب أو المودة أو المحبة، حيث كانت جزءًا من (الواجبات) التي يقوم بها كثر دون تفكيرٍ أو شعور خاصةً في مرحلة (ما قبل العولمة) وعدم وجود العديد من البدائل أو وسائل الترفيه المتاحة والتي قد تثنيه عن تأديتها آنذاك، كما أن وجود الكثير من الحساسيات والشعور بالتنافس بين أفراد العائلة أو التمييز بينهم بسبب الجمال الخارجي أو المركز الإجتماعي أو الحالة المادية وتفضيل البعض على حساب البعض الآخر عجل في تشتت الأسر عند أقرب فرصة ممكنة، حيث يراقب البعض في صمت ويرحل دون إبداء الأسباب خاصةً عندما لا تتم مراعاة مشاعره أو خصوصيته أو كرامته أو عندما يتم تحويله إلى مادة للسخرية أو الإستخفاف مقابل تدليل أفرادٍ آخرين مما يدفعه إلى كراهيتهم دون ذنبٍ اقترفوه وإلى كراهية العائلة التي شكلت بالنسبة له مصدر التعاسة الأكبر..

كما يقارن الكثيرون بين طريقة تعامل بعض أقربائهم معهم وبين طريقة تعاملهم مع من هم خارج نطاق العائلة في مختلف المواقف، والتي تسبب جرحاً عميقاً لهم عندما تأتي أهميتهم في مرتبةٍ متأخرة وإن لم يتحدثوا عن هذا الأمر، مما يجعل هؤلاء الأشخاص قادرين على الإنفصال بمنتهى السهولة لعدم شعورهم بالإنتماء لمن يفترض أنهم عائلتهم وحاضنتهم الأولى..

واليوم وسط حالة التباكي على ما آل إليه مفهوم العائلة ووضعها ينبغي أن يعيد الجميع حساباته، فالعائلة ليست مجرد صورة بل هي كيان مقدس تقع مسؤولية الحفاظ عليه على عاتق الجميع وبالأخص الجيل الأكثر نضجاً لأنها الحصن الأخير للمجتمع بأكمله..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى