لا حديث للناس في المقاهي والبيوت إلا عن قرية في عمق الجبل. قيل بأن سكانها يعيشون مائة وأربعين سنة، ولا تعرف الأمراض إلى أجسامهم سبيلا. بعد هذا العمر المديد، يموتون واقفين مثل الأشجار.
عبد السلام النحيلة كما يلقبه أصدقاؤه، قرر أن يتأكد من هذه الحقيقة بنفسه. قد يعثر عند هؤلاء على وصفة سحرية لوقاية الناس من الأمراض في المدينة، وإطالة أعمارهم.
إذا صدق الخبر، سيكون أول من يهتدي إلى السر، ولن يقدمه للناس بالمجان. لا بد أن يفتح شركة، ويخصص لها الإشهار في المواقع الالكترونية، ليحقق أرباحا خيالية في ظرف وجيز، قبل أن تسرق الصين الوصفة، وتنزل إلى السوق بثمن بخس.
لم تستغرق الرحلة أكثر من أسبوع. وجد القرية تنام في حضن جبل شاهق. يمر بجانبها وادي يتلألأ ماؤه الصافي مثل الفضة. يسيل بين أحجار منحوتة شديدة البياض. على ضفتيه تتربع أشجار التين والجوز بخضرتها اليانعة وظلالها الوارفة التي تتسرب منها بخجل خيوط أشعة الشمس الرقيقة.
اشترى طعاما من دكان القرية، وتناوله بجانب الوادي. سأله أحد السكان هل يحتاج إلى مساعدة؟ فقال بأنه يريد أن يتحدث إلى كبيرهم. فدعوه في المساء لتناول وجبة عشاء. وهو يتبادل معهم الكلام، لاحظ بأنهم يتحدثون بأصوات دافئة، والبسمة لا تفارق محياهم. وعندما وجد الجو مناسبا، طرح السؤال الذي جاء من أجله إلى القرية. قال:
ـ سمعت الكثير من الناس يتحدثون عن قريتكم بغرابة، ويحكون بأنكم تعيشون مائة وأربعين سنة؟! لا تزورون طبيبا في عيادة أو مستشفى، ولا تشترون أدوية من صيدلية، وتموتون وأنتم في صحة جيدة؟!
ابتسموا وأجاب أحدهم:
ـ نعم. نحن لا نأكل غير الفواكه والخضر (البيو). ونشرب من ماء طبيعي. لا نستعمل التكنولوجيا في حفظ الطعام أو أي مجال آخر. نعمل كباقي الناس، لكن في الفلاحة والرعي. ننام مثلكم ما بين ثماني وعشر ساعات. لا نسهر كثيرا لأننا نستيقظ باكرا.
لكن الأهم من كل هذا هو أننا لا نجادل بعضنا البعض. وهذا هو السر الخفي الذي يجعل أعمارنا تطول، وأجسامنا تخلو من الأمراض، ولا نموت إلا بعد أن نعيش مائة وأربعين سنة.
خيم الصمت للحظة على المجلس، ثم أضاف كبيرهم، والابتسامة لم تفارق شفتيه:
ـ هناك قرية تبعد عنا بعشرات الأميال، تقع بين الجبال المجاورة، يعيش سكانها مائة وثمانين سنة!
استغرب عبد السلام النحيلة من هذا الخبر الجديد، فرد من غير وعي:
ـ هذا غير ممكن؟! مستحيل؟!
ردوا عليه بصوت واحد وهم يبتسمون:
ـ صحيح.. غير ممكن.. مستحيل..!؟
مراكش 06 غشت 2023
عبد السلام النحيلة كما يلقبه أصدقاؤه، قرر أن يتأكد من هذه الحقيقة بنفسه. قد يعثر عند هؤلاء على وصفة سحرية لوقاية الناس من الأمراض في المدينة، وإطالة أعمارهم.
إذا صدق الخبر، سيكون أول من يهتدي إلى السر، ولن يقدمه للناس بالمجان. لا بد أن يفتح شركة، ويخصص لها الإشهار في المواقع الالكترونية، ليحقق أرباحا خيالية في ظرف وجيز، قبل أن تسرق الصين الوصفة، وتنزل إلى السوق بثمن بخس.
لم تستغرق الرحلة أكثر من أسبوع. وجد القرية تنام في حضن جبل شاهق. يمر بجانبها وادي يتلألأ ماؤه الصافي مثل الفضة. يسيل بين أحجار منحوتة شديدة البياض. على ضفتيه تتربع أشجار التين والجوز بخضرتها اليانعة وظلالها الوارفة التي تتسرب منها بخجل خيوط أشعة الشمس الرقيقة.
اشترى طعاما من دكان القرية، وتناوله بجانب الوادي. سأله أحد السكان هل يحتاج إلى مساعدة؟ فقال بأنه يريد أن يتحدث إلى كبيرهم. فدعوه في المساء لتناول وجبة عشاء. وهو يتبادل معهم الكلام، لاحظ بأنهم يتحدثون بأصوات دافئة، والبسمة لا تفارق محياهم. وعندما وجد الجو مناسبا، طرح السؤال الذي جاء من أجله إلى القرية. قال:
ـ سمعت الكثير من الناس يتحدثون عن قريتكم بغرابة، ويحكون بأنكم تعيشون مائة وأربعين سنة؟! لا تزورون طبيبا في عيادة أو مستشفى، ولا تشترون أدوية من صيدلية، وتموتون وأنتم في صحة جيدة؟!
ابتسموا وأجاب أحدهم:
ـ نعم. نحن لا نأكل غير الفواكه والخضر (البيو). ونشرب من ماء طبيعي. لا نستعمل التكنولوجيا في حفظ الطعام أو أي مجال آخر. نعمل كباقي الناس، لكن في الفلاحة والرعي. ننام مثلكم ما بين ثماني وعشر ساعات. لا نسهر كثيرا لأننا نستيقظ باكرا.
لكن الأهم من كل هذا هو أننا لا نجادل بعضنا البعض. وهذا هو السر الخفي الذي يجعل أعمارنا تطول، وأجسامنا تخلو من الأمراض، ولا نموت إلا بعد أن نعيش مائة وأربعين سنة.
خيم الصمت للحظة على المجلس، ثم أضاف كبيرهم، والابتسامة لم تفارق شفتيه:
ـ هناك قرية تبعد عنا بعشرات الأميال، تقع بين الجبال المجاورة، يعيش سكانها مائة وثمانين سنة!
استغرب عبد السلام النحيلة من هذا الخبر الجديد، فرد من غير وعي:
ـ هذا غير ممكن؟! مستحيل؟!
ردوا عليه بصوت واحد وهم يبتسمون:
ـ صحيح.. غير ممكن.. مستحيل..!؟
مراكش 06 غشت 2023