في قاعة عرشه المزدانة يجلس على كرسيه الذهبي الصاخب ، تحت أقدامه أحراس بينهم بيدبا بلا قرطاس أو قلم ، وبخيلاء وعنجهية ينظر دبشليم نظرة قاسية فيصيب الحرس زعر في حين يرفع بيدبا ناظريه للملك مفتر الثغر في مهابة
- حرقنا قراطيسك وكسرنا محبرتك ، وبلغني أن لديك جديدا ( يقول دبشليم )
يجيب الفيلسوف بيدبا بوقار وسكينة :
- الجديد قديم في مدينة النمل أيها الملك
- وهل من جديد في مدينة النمل ؟
- ليس جديدا ؛ يحكون أنه في مدينة النمل كان النمل يعيش عيشة هادئة ، يبذلون الكد والعرق فترضيهم أرزاقهم وتكفيهم ؛ اعتاد النمل الصبر مع قليل من الثرثرة تسري عنهم وهم جلوس بعد العمل يتسامرون .
اليوم تغيرت في مدينتهم الشوارع والمباني القديمة ، تغيرت حتى الأغاني ورائحة المدينة الجميلة ، الجميع يرحلون فحلت بشوارعها عشوائية مقيتة ، حتى هواء مدينتهم صار فاسدا ، وجدران البيوت باتت كئيبة ، حتى الأزهار ذبلت والأشجار اجتثت واستوطنت الوحشة كل حديقة .
- والنمل ؟
- مزق الجوع ثيابهم بعد أن صاروا بلا أحلام ينتظرون ، فكيف لهم أن يبقوا في تلك المدينة القميئة ؟!
- أكمل .
- في أسراب بدأت حشود النمل تشق طريقها تترا صوب البحر يسيرون ؛ ربما في عبورهم لشماله تتسع أرزاقهم وتكتسي أجسادهم السقيمة ، يتعثر النمل العجوز في صعوده الربوة العالية ، يودعونهم بصوت مرتعش يكاد ينفجر بكاء ؛ فالكل مكسور، وروحه بائسة حزينة ، بينما ترتسم على وجوه شبابهم علامات الذلة والتوجس ، وبداخلهم هم يندرج مثل أفضية سرمدية . تعتلي نملة اللوح الخشبي تنادي :
- يا أيها النمل اركبوا الألواح وجدفوا.
يركبون الألواح صامتين ، تتوغل الألواح بهم حتى اختفت وجوه العجائز وغاب البر الجنوبي . يلقي الليل بصبغته القاتمة فتحيل البحر سوادا ؛ تتوتر الرياح تثور ؛ تعلو الأمواج وتهبط تتلاعب بالألواح ؛ يملأ عيون النمل رجاء يخالطه اليأس ، ويسقط النمل في خضم البحر.
- وماذا بعد ؟
- وأسفاه . ليس للنمل خياشيم .
سمير لوبه
- حرقنا قراطيسك وكسرنا محبرتك ، وبلغني أن لديك جديدا ( يقول دبشليم )
يجيب الفيلسوف بيدبا بوقار وسكينة :
- الجديد قديم في مدينة النمل أيها الملك
- وهل من جديد في مدينة النمل ؟
- ليس جديدا ؛ يحكون أنه في مدينة النمل كان النمل يعيش عيشة هادئة ، يبذلون الكد والعرق فترضيهم أرزاقهم وتكفيهم ؛ اعتاد النمل الصبر مع قليل من الثرثرة تسري عنهم وهم جلوس بعد العمل يتسامرون .
اليوم تغيرت في مدينتهم الشوارع والمباني القديمة ، تغيرت حتى الأغاني ورائحة المدينة الجميلة ، الجميع يرحلون فحلت بشوارعها عشوائية مقيتة ، حتى هواء مدينتهم صار فاسدا ، وجدران البيوت باتت كئيبة ، حتى الأزهار ذبلت والأشجار اجتثت واستوطنت الوحشة كل حديقة .
- والنمل ؟
- مزق الجوع ثيابهم بعد أن صاروا بلا أحلام ينتظرون ، فكيف لهم أن يبقوا في تلك المدينة القميئة ؟!
- أكمل .
- في أسراب بدأت حشود النمل تشق طريقها تترا صوب البحر يسيرون ؛ ربما في عبورهم لشماله تتسع أرزاقهم وتكتسي أجسادهم السقيمة ، يتعثر النمل العجوز في صعوده الربوة العالية ، يودعونهم بصوت مرتعش يكاد ينفجر بكاء ؛ فالكل مكسور، وروحه بائسة حزينة ، بينما ترتسم على وجوه شبابهم علامات الذلة والتوجس ، وبداخلهم هم يندرج مثل أفضية سرمدية . تعتلي نملة اللوح الخشبي تنادي :
- يا أيها النمل اركبوا الألواح وجدفوا.
يركبون الألواح صامتين ، تتوغل الألواح بهم حتى اختفت وجوه العجائز وغاب البر الجنوبي . يلقي الليل بصبغته القاتمة فتحيل البحر سوادا ؛ تتوتر الرياح تثور ؛ تعلو الأمواج وتهبط تتلاعب بالألواح ؛ يملأ عيون النمل رجاء يخالطه اليأس ، ويسقط النمل في خضم البحر.
- وماذا بعد ؟
- وأسفاه . ليس للنمل خياشيم .
سمير لوبه