محمد عكاشة - كوكب الكرنب

من وهج الأخضر الناصع
يتبدد الألم في جوف الأرض
وتظلل أوراق الكرنب الهزائم السابقة
في أرض كان يحرثها الفلاحون بأصابعهم المدببة كأصابع الديناميت
وكانت الخطوط المدججة بامتدادها الموغل في الضباب
تحمل على ظهرها تلك الخضرة المتراصة بعناية القدر
وكأن أبي الذي شق الأرض بصرخته وقت الحرب
كان يدرك أن للكرنب زهرة تسكن في أحشاء السماء
وأن الضوء الذي بث الأخضر في طمي الجسد
رسم شعيرات الرئتين كشبكة هلامية على رقائق أكسيد الكربون
حتى تحط الفراشات البيضاء من حوله ترتقب النور
ويرفرف الحمام مبتهجا
وأبي يشير بعصاه ناحية الشمس
فترقد ورقة فوق أخرى
ويلوح بعصاه ناحية الغرب
فتنام ورقة أخرى مقابلها
لتتكور الحياة بإيقاع موسيقي راقص
لتخبئ في أحشائها سر الكون
وتنتفخ بطون عذراوات القرى بأجنة كرنبية خضراء
أبي الذى غرس الشتلات على صدر كل واحد منا قبل التحرر
يعلم أن الكرنب كوكب له مدار
يتوهج كمصباح زيتوني وسط حقل معتق بالخضار
تلك العمارة اللونية تحج إليها أسراب الحشرات من كل فج
ليشاهدوا كيف يتفتح الأخضر كوهج الشمس
كيف تتراص العروق من القلب للصدر
كيف تتمدد الرأس بتلفيحتها الزرقاء كلما ابتسمت الأرض
تلك الهندسة الكونية زرعها أبي ورهط من الملائكة
يجلسون أمامها كي يروا الروح وهي تسري بداخله
وهي تلون الجسد بالأخضر الداكن
وهي تزاوج بين ورقتين عاشقتين
وهي تلون أجسادنا بالأخضر الزهري
وتبث بداخل كل منا حمض الكرنب
وتلقح الفتيات في الحقول بمني الضوء
حتى يتمايل المداحون
في حضرته
ويبتهل الجنود لهذا الخضار المتوهج في الفضاء
و داخل كل نفس
وفي كل صباح يشرق عليه كوكب الكرنب

محمد عكاشة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى