عبد علي حسن - العقل الغربي البرجوازي

* التقويض المتوالي لمسلّمات الحداثة
* لاشك بأن الحداثة بمفهومها الغربي هي صنيعة الفكر البرجوازي الذي وجد في تقويض الفكر الماورائي الميتافيزيقي الذي تبنته الكنيسة في القرون الوسطىٰ لتخدعَ شعوبها ، الوسيلة المناسبة للتضليل عبر إشاعة مباديء حقوق الإنسان وبناء مجتمع الرفاهية القائم على الحرية والتقدم ، وأثمرت عملية التقويض والإطاحة بسلطة الإقطاع التي كان الفكر الكنسي واحدا من دعائم تلك السلطة بقيام الثورة الفرنسية عام 1789 وشيوع مباديء حقوق الإنسان ، كما كانت الحداثة الإقتصادية وقيام المجتمع الرأسمالي في بريطانيا وإشاعة مباديء الازدهار الاقتصادي ومجتمع الرفاهية ، وحداثة الفلسفة الألمانية التي تبنت فلسفة التنوير للنهوض بالمجتمع في محاربة فلسفة الكهنوت ، كل تلك الجهود التي وضعت في مناهجها الحداثية ضرورة قيام المجتمع الجديد الذي انكشف له زيف كل هذه الادعاءات في الحرب العالمية الاولى والثانية ليجد منظومته الاجتما اقتصادية وقد سيطرت على مقاليدها سلطة الراسمال الذي ابتدع تلك الحروب ليتنافس على ضمّ وكسب أسواق جديدة من داخل جغرافية الحداثة وخارجها ، وما أن تبدد الحلم الرأسمالي وكشرت سلطة السرديات الكبرى عن أنيابها في استغلال الشعوب ونهب خيراتها حتى ابتدعت لعبتها الجديدة في شيوع فكر مابعد الحداثة الذي أعلن تناقضه وتضادّه مع فكر الحداثة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، فانبرى فلاسفة الفكر الغربي البرجوازي ليكرّسو
افكار اللاهوية والغاء التضادات الثنائية ونهاية التاريخ ليتحول الإنسان والمجتمعات إلى سلعة استهلاكية يشكّلها فكر العولمة الذي تغوّلَ ليطمس معالم إنسانية الإنسان ، عبر. وسائل جديدة مابعد الكولونيالية وليبقى الإنسان الجديد مختبراً لأهداف العولمة في مسخ معالمه وطمر ٱخر ماتبقى له من معاقل وعيه بما يحصل من جرائم ترتكب بحقه وعلى كافة الجبهات ، وكل وقائع العصر تثبت ماذهبنا إليه ، إذ نشهد في الوقت الحاضر عودة السرديات الكبرى التي أراد الفرنسي فرانسوا ليوتار تقويضها لتظهر بثوب جديد تلبّسته السرديات الصغرى التي كانت في منطقة الهامش الذي تحول الى مركز بعد محاولات التقويض تلك ، كما تهاوت تواصلية هابرماس الذي نادىٰ بإمكانية اعتماد الحوار واحترام الجماعات المدنية والقومية والاثنية الدينية لإقامة مجتمع الإختلاف المتوازن ، إذ مانشهده اليوم من التضادات الدينية والطائفية وظهور الفاشية الجديدة في أوربا قد قوضت هارمونية التمثيل الاجتماعي باعتماد الخلاف الذي يسمح لهذه الطائفة أو تلك بإدعاء امتلاك الحقيقة دون الغير وسلوك كل السبل لحمل الٱخر على تبني الموجهات العقائدية والٱيدلوجية ، كل ذلك يجري بمباركة الرأسمالية المتأخرة التي هيمنت على سياسة السوق التي اتاحتها العولمة منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي ولحد الٱن .
أن سلسلة التقويضات المتوالية التي تبناها فكرياً العقل الغربي البرجوازي منذ تقويض الفكر الماورائي المرتبط بالمجتمع الاقطاعي وظهور الحداثة ثم تقويضه لمسلمات السرديات الكبرى وموجهات التفكيك الدريدي وظهور مجتمع مابعد الحداثة ثم تقويضها عبر اقتصاديات السوق التي اشاعتها العولمة وظهور الحداثة الزائفة المرتبطة بالثورات المتتالية للمعلوماتية وشيوع الانترنيت وعودة السرديات الكبرى بثوب إقليمي جديد ، كل ذلك كان بتخطيط تضليلي وممنهج للسيطرة على العالم وطمس الهويات الجزئية من قبل الفكر الغربي البرجوازي الذي يدّعي وجود المسلمات التي يخطط دوما لتقويضها من اجل أنماط جديدة تكرّس هيمنته المطلقة ، ولعل ما قدمه الفيلسوف الاجتماعي البولوني زيجموند باومن يلقي الضوء على المشكلات الكبيرة التي أحدثتها العولمة وحولت الحداثة من الصلابة وثبات المنظومات إلى سيولة اتصف بها مجتمع بعد مابعد الحداثة المتغير والمتحول دوماً وتحول الهوية إلى هوية استهلاكية .
عبد علي حسن
25/8/2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى