محمد مزيد - كوخ الأفعى...

عبّرت الفتاة الجميلة نسرين عن خوفها وهي جالسة على ضفة نهر دجلة مع هليل، في شارع " أبي نؤاس "، وسبب خوفها يعود الى مصابيح الجهة المقابلة لجلستهما الشاعرية، اضاءة تنبعث من القصر الجمهوري، تخشى عليه وعلى نفسها من العقارب البشرية، لا يهتم هليل الذي شرب ثلاث عبوات بيرة، الى مشاعر القلق والخوف لدى نسرين، ذلك لأنه في الغد سيلتحق الى وحدته العسكرية في مجنون، قرب هور الحويزة، وفي هذه الساعات منذ الظهيرة ولحد الآن التي قضاها يتغزل بها، لم يصل الى مراده بلثمها قبلة واحدة، ترد له الروح .. فهي تمانع وتخاتل، " عيب عيب الناس" ، ولما رمى آخر عبوة في النهر وتابع جريانها، وهو يمني نفسه بالقبلة العصية، حتى فوجئ بزورق مطاطي يسير بسرعة جنونية من جهة القصر الى الضفة التي يجلس إليها هليل وحبيبته، في هذه اللحظات أستشعر بالخطر الداهم، وعندما أراد النهوض ماسكا يد نسرين، صاح عليه أحد جنود الحماية واقفا في بطن الزورق رافعا البندقية مسددا عليهما ،" توقف مكانك والا سنرمي "... صاحت نسرين " ولك انفلكنا هليل ".
أُصعد هليل ونسرين في الزورق المطاطي وأتجه بهما الى الضفة الاخرى حيث الاضواء الملونة التي ترسم لوحة باهرة على مويجات النهر، قيدت يدا هليل الى الخلف، وعصبت عيناه ، بينما تركت يدا وعينا نسرين أجلسها أحد جنود حماية القصر بحضنه، ماسكا ذراعيها بشدة لئلا تفلت منه، كان هليل يحاول الإفلات من القيد من دون فائدة، فقال لهم أقتلوني وأتركوها أرجوكم، لم تنفع توسلاته، فقالت له " هليل اصبر ، لن يقتلوك أن الله معنا " تضاحك الجنود، وهمس الذي كانت تجلس بحضنه بإذنها " أخبريني يا حلوة أين هو الله، وسأتركك" ، وصلوا الى الضفة الآخرى، ورسا الزورق في مكان مظلم، جرجرت نسرين من ذراعيها، فقال أحدهم وهو يشير الى هليل " وهذا القشمر ماذا نفعل به؟ " أجاب آخر " نرميه وسط المياه وهو ومكبل حتى يغرق " آخر قال " نفك قيده ونرميه " أتفقوا جميعا على هذا الرأي . وتم رميه.
أخذت نسرين الى كوخ صغير، يطل على النهر، دخل معها الجندي الذي كان يحضنها، مضت ساعة ولم يخرج ، بعده دخل الآخر، وهذا بقي نصف ساعة ولم يخرج أيضا، والآخير دخل بعد ربع ساعة ولم يخرج، كل واحد كان يدخل الكوخ تخرج له أفعى من بين فخذيها تلدغه في مكانه، وهكذا قضت عليهم جميعا، ثم جاء جنود آخرون ، وجرى لهم ماجري لسابقيهم .
ولما سمع رئيس الحرس بالواقعة الدامية، تم تطويق كوخ نسرين، وعم الهرج والمرج كل إنحاء القصر، صار الفوج الرئاسي بحالة الإنذار القصوى، حتى وصل الخبر الى الرئيس الذي فز من جلسته مرعوبا فقال لهم أنا لها .. ترك الرئيس قصره ، وجاء يمشي بمنامته، ثم دخل الى الكوخ نافخا صدره ، ولم يخرج منه لحد الآن .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى