لانه الأصغر بين إخوته،قرر والديه إرساله إلى روضة الأطفال المتواضعة في المخيم لتعويد ذاكرته على التعليم ،وإستغلالا لنباهته وطلاقة لسانه في إكتساب المعرفة المبكرة ، إلا أن شقاوته الدمثة كانت عائقا يصعب تخطيه،فكان من العسير إقناعه الإلتحاق برياض الاطفال،فأخذوا يرغبونه تارة بالنصف شيكل احيانا ،ويدغدغون خياله البريء بالوعود والهدايا تارة آخرى ،فينصاع مكرها،ويدخل غرفة الصف،فتبدأ المعلمة التي إجتهدت في تحقيق حد أدنى من الهدوء في إيقاد ذهن الأطفال بالحديث عن الجنة.... المعلمة تسترسل،والعيون البريئة من حولها تحدق بصمت،ومن خلفها خيال يحوم .....إلا إياد ،فإن بصره إخترق النافذة الشفافة إلى الساحة الكبيرة حيث يقف بائع الكعك.... رفع يده مستأذنا،فأذنت له المعلمة بالسؤال فقال:-
هل في الجنة كعك ؟!!
ضحك الأطفال ،فغضبت المعلمة التي ظنت أنه قصد السخرية،فأمرته بالوقوف قرب اللوح عقابا، ...اكثر ما أثر في نفسه أنه لم يعد يرى بائع الكعك.
**
دوت مكبرات الصوت اليدوية بعبارات الملثمين تعلن الإضراب،إقترب الصوت من المنزل،قفز عن سور بيتهم الصغير لملاقاة الملثمين...رأى أجسادا ملفوفة بالسواد،مال أحدهم عليه وحمله وسار معهم يعبرون الأزقة،يصدحون بعبارات التحدي وحتمية النصر ،فجأة باغتهم الجيش....أطلق النار...أصيب شاب,إعتقل آخر...ونجح الباقون بالفرار،أما إياد فقد إلتقط السماعة التي تدحرجت من يد الشاب المصاب وحملها وذاب في الأزقة يبحث لها عن لسان آخر .
**
الرجولة تسبق السن أحيانا ،فتحدث في الجوف الذي تسكنه مرجلا يغلي بالعزة ورفض الذل،فتهيم تلك النفس تبحث بين الأحاديث والمواقف عن قصص بطولية وفصول تضحية وسير العظماء والماجدين،... سمع عن قصة الشيخ المجاهد عمر المختار ، فأسرع في استلاف جهاز الفيديو من أحد أصدقائه،بعد أن حصل على نسخة من شريط الكاست الذي يجسد القصة...أغلق الغرفة بإحكام،وجلس وحيدا حتى لا تفوته اية شاردة او واردة من الفلم،بقي صامتا رغم انفعاله الذي سخّن الدم في عروقه، كأس الشاي المأسورة بين يديه تكاد تختنق من شدة عصرها،صرخ عاليا ...كبّر حينما سمع الشيخ يقول " ستكون اقدامنا فوق هاماتهم " دوت هذه العبارة في وجدانه،فأحدثت زلزالا لم يستطع كبح جماحه،فخرج إلى أمه منفعلا ...قَبّلَ رأسها مرددا عبرات الشيخ...ثم لكم العمود الخشبي الذي يحمل كرم العنب الواقع في فناء المنزل،فاهتزت قطوف الكرم والأوراق والأغصان وكأنها تهتف معه.
*
علت من حوله النار،وكثرت مسيرات الفرسان الراحلين إلى المجد،فادي ...أمجد ...ثم أسامة توأمه في الرجولة والكبرياء...كل الشبان تودع الفرسان إلا هو ....وكأنه كان يعلم أنه سيلحق بهم...طالت الأيام،وطويت الاسابيع...حاول إياد التغلب على وحدته بأن جعل من ضريح أسامة محجا ً يوميا ،يتلو القرآن،ويستأنس بصمت أهل الجنة...حانت ساعة التحدي ،زحفت العقارب الضخمة ليلا تبث سمها،وتزأر بصرير أقدامها الثقيلة ،وترمي بحممها كيفما إتفق،امتشق الأحرار ما تيسر من قوة،وانتشروا متأهبين طيلة الليل حتى إنبلج الصباح،ولسان حالهم يقول لن ندعهم يمروا...علت الشمس إلى كبد السماء ...تقدم الفتية صوب إحدى الزواحف التي إعلت المخيم وفي مقدمنهم إياد....تقدم حتى اعدم المسافة بينه وبين الموت الكامن فيها،فإعتلى والنشوة الغامرة صعوتها،وداس بقدمه كبريائها ،وعلت اقدامه واقدام رفيقة ابراهيم فوق هامات ساكنيها .... لحظات بين الحياة والموت،حبست الأنفاس ،فدوى الرعد الهائل من حولهم ،فقزا من بين الدخان سالمين بإعجوبة .
*
عاد إياد إلى منزلهم ظهرا مغتبطا وقد شعر أنه حقق مقولة الشيخ،خلد إلى النوم قليلا ،قبل أن يأتي رفاقه لإيقاظه، قالت له امه:- ادخل وإستحم
قال:- إن عدت سأستحم ،وإن لم أعد سأستحم في مكان آخر وبماء آخر....
صلى العصر وخرج،ثم اخفة قسمات وجه بالسواد،واعتمر الخوذة ،وتقدم ثلة من الشبان يتحدون الموت بنشوة...ويصرون على قهر الخوف،اصبحوا أمام المرمى مكشوفين تماما،إنهال الرعد الصاعق عليهم ...لم يرمش
له جفن،ولم ترحل الابتسامات عن ثغره الوديع،وكلما نزلت صاعقة الموت حوله ......سخر مقهقها بأعلى صوته..
فجاءت الثالثة مباشرة ،فتطاير جسده الطاهر المغموس بالعزة العتيدة أمتارا بالهواء ثم هوى،وعلت روحه إلى هناك..إلى أحلام الطفولة.....إلى الإغتسال الأطهر ...إلى الشيخ ليخبره أنه كان وفيا ً لكلماته
هل في الجنة كعك ؟!!
ضحك الأطفال ،فغضبت المعلمة التي ظنت أنه قصد السخرية،فأمرته بالوقوف قرب اللوح عقابا، ...اكثر ما أثر في نفسه أنه لم يعد يرى بائع الكعك.
**
دوت مكبرات الصوت اليدوية بعبارات الملثمين تعلن الإضراب،إقترب الصوت من المنزل،قفز عن سور بيتهم الصغير لملاقاة الملثمين...رأى أجسادا ملفوفة بالسواد،مال أحدهم عليه وحمله وسار معهم يعبرون الأزقة،يصدحون بعبارات التحدي وحتمية النصر ،فجأة باغتهم الجيش....أطلق النار...أصيب شاب,إعتقل آخر...ونجح الباقون بالفرار،أما إياد فقد إلتقط السماعة التي تدحرجت من يد الشاب المصاب وحملها وذاب في الأزقة يبحث لها عن لسان آخر .
**
الرجولة تسبق السن أحيانا ،فتحدث في الجوف الذي تسكنه مرجلا يغلي بالعزة ورفض الذل،فتهيم تلك النفس تبحث بين الأحاديث والمواقف عن قصص بطولية وفصول تضحية وسير العظماء والماجدين،... سمع عن قصة الشيخ المجاهد عمر المختار ، فأسرع في استلاف جهاز الفيديو من أحد أصدقائه،بعد أن حصل على نسخة من شريط الكاست الذي يجسد القصة...أغلق الغرفة بإحكام،وجلس وحيدا حتى لا تفوته اية شاردة او واردة من الفلم،بقي صامتا رغم انفعاله الذي سخّن الدم في عروقه، كأس الشاي المأسورة بين يديه تكاد تختنق من شدة عصرها،صرخ عاليا ...كبّر حينما سمع الشيخ يقول " ستكون اقدامنا فوق هاماتهم " دوت هذه العبارة في وجدانه،فأحدثت زلزالا لم يستطع كبح جماحه،فخرج إلى أمه منفعلا ...قَبّلَ رأسها مرددا عبرات الشيخ...ثم لكم العمود الخشبي الذي يحمل كرم العنب الواقع في فناء المنزل،فاهتزت قطوف الكرم والأوراق والأغصان وكأنها تهتف معه.
*
علت من حوله النار،وكثرت مسيرات الفرسان الراحلين إلى المجد،فادي ...أمجد ...ثم أسامة توأمه في الرجولة والكبرياء...كل الشبان تودع الفرسان إلا هو ....وكأنه كان يعلم أنه سيلحق بهم...طالت الأيام،وطويت الاسابيع...حاول إياد التغلب على وحدته بأن جعل من ضريح أسامة محجا ً يوميا ،يتلو القرآن،ويستأنس بصمت أهل الجنة...حانت ساعة التحدي ،زحفت العقارب الضخمة ليلا تبث سمها،وتزأر بصرير أقدامها الثقيلة ،وترمي بحممها كيفما إتفق،امتشق الأحرار ما تيسر من قوة،وانتشروا متأهبين طيلة الليل حتى إنبلج الصباح،ولسان حالهم يقول لن ندعهم يمروا...علت الشمس إلى كبد السماء ...تقدم الفتية صوب إحدى الزواحف التي إعلت المخيم وفي مقدمنهم إياد....تقدم حتى اعدم المسافة بينه وبين الموت الكامن فيها،فإعتلى والنشوة الغامرة صعوتها،وداس بقدمه كبريائها ،وعلت اقدامه واقدام رفيقة ابراهيم فوق هامات ساكنيها .... لحظات بين الحياة والموت،حبست الأنفاس ،فدوى الرعد الهائل من حولهم ،فقزا من بين الدخان سالمين بإعجوبة .
*
عاد إياد إلى منزلهم ظهرا مغتبطا وقد شعر أنه حقق مقولة الشيخ،خلد إلى النوم قليلا ،قبل أن يأتي رفاقه لإيقاظه، قالت له امه:- ادخل وإستحم
قال:- إن عدت سأستحم ،وإن لم أعد سأستحم في مكان آخر وبماء آخر....
صلى العصر وخرج،ثم اخفة قسمات وجه بالسواد،واعتمر الخوذة ،وتقدم ثلة من الشبان يتحدون الموت بنشوة...ويصرون على قهر الخوف،اصبحوا أمام المرمى مكشوفين تماما،إنهال الرعد الصاعق عليهم ...لم يرمش
له جفن،ولم ترحل الابتسامات عن ثغره الوديع،وكلما نزلت صاعقة الموت حوله ......سخر مقهقها بأعلى صوته..
فجاءت الثالثة مباشرة ،فتطاير جسده الطاهر المغموس بالعزة العتيدة أمتارا بالهواء ثم هوى،وعلت روحه إلى هناك..إلى أحلام الطفولة.....إلى الإغتسال الأطهر ...إلى الشيخ ليخبره أنه كان وفيا ً لكلماته