غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (9)

إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.
قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟
قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

(9)

كَمَا أُورِدَ في خِتَامِ القسمِ الآنِفِ والثامنِ من هٰذا المقالِ، مَا سَبَقَ النَّظَرُ المَاثِلُ فيهِ من أَشْكَالِ تَطَوُّرٍ أو حتى تَعَقُّدٍ نفسيٍّ سياسيٍّ مَاضٍ أو سَالفٍ عندَ هٰكذا حَدٍّ يَتَجَلَّى مُذَّاكَ لِلْأَذْهَانِ، في كِفَّةٍ أُولَى، وَمَا كَانَ، ولَمَّا يَزَلْ، يَلْحَقُ النَّظَرُ المُمَاثِلُ فيهِ من أَشْتَاتِ تَطَوُّرٍ أو حتى تَعَقُّدٍ نفسيٍّ سياسيٍّ سَارٍ أو حَاضِرٍ بأَدْنَى تَقْدِيرٍ عندَ هٰكذا حَدِّ يَتَبَدَّى كذاكَ لِلْعِيَان، في كِفَّةٍ أُخْرَى. هُنَاكَ إِذَنْ، مِنَ كَلِمِ السُّلَافِ، فِيمَا هُوَ سَاهِمٌ بَيْنَ الكِفَّتَيْنِ، بِعَيْنِ التَّجَلِّي، هُنَاكَ مَا يُبَشِّرُ تَبْشِيرًا رَخِيمًا بِـ«إِرْهَاصَاتِ الخَيْرِ» التي ليسَ لَهَا سِوَى أَنْ تَزْرَعَ الآمَالَ في طَوَايَا النُّفُوسِ وفي أَشْغِفَةِ القُلوبِ من هٰذِهِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ اللَّهِيفَةِ أَنَّى تَوَاجَدَتْ، والتي ليسَ لَهَا مِنْ ثَمَّ سِوَى أَنْ تَحُثَّهَا حَثًّا على عَيْنِ الثَّوَرَانِ العَرِيمِ في وَجْهِ أَيٍّ من أُولٰئكِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ مِنْ جَدِيدٍ، مِثْلَمَا يَفْعَلُ الآنَ شَعْبُ الشَّآمِ الأَبِيُّ وهو زَاحِفٌ رَغْمَ أُنُوفِهِمْ دَأَبًا في الطَّرِيقِ نَحْوَ تَحْقِيقِ ذَاتِ المَنْشُودِ الحَقِيقِ من كُلٍّ من الحُرِّيَّةِ الحَرِيَّةِ والعَدَالَةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ – هٰذا الشَّعْبُ الشَّآمِيُّ الكَمِيُّ الذي قَدْ فَاجَأَ الآنَامَ كُلَّهَا مُؤَخَّرًا بِانْفِجَارِ حَرَاكِهِ الشَّمُولِ احْتِجَاجًا وغَضَبًا في بِقَاعٍ شَتَّى من جبلِ العربِ وشريطِ السَّاحلِ وحلبِ الشَّهْبَاءِ ورُبُوعِ الفُرَاتِ عَلى أَدْنَى تَخْمِينٍ! بَيْدَ أَنَّ هُنَاكَ، عَلى ثَلِمِ الخِلَافِ، فِيمَا هُوَ هَائِمٌ بَيْنَ الكِفَّتَيْنِ، بِذَاتِ التَّبَدِّي، هُنَاكَ مَا يُنْذِرُ إِنْذَارًا سَخِيمًا بِـ«إِنْغَاصَاتِ الشَّرِّ» التي ليسَ لَهَا إلَّا أَنْ تُكَدِّرَ عَيْشَ الأَنَامِ من هٰذِهِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ اللَّهِيفَةِ ذَاتِهَا، وذاكَ ابتداءً في حَيِّزِ الفَسَادِ وهُزْءِ الاِنْتِخَابِ من ظَواهِرِ الإِخْفَاءِ القَسْرِيِّ المُخِيفِ في مِصْرِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ عبد الفتاح السيسي حيثُ تَفَشِّي العَدِيدِ من الأَدْوَاءِ النفسيَّةِ العُضَالِ بينَ ذَوِي المُختَفِيَاتِ والمُختَفِينَ بالذَّوَاتِ يَزْدَادُ آنًا بَعْدَ آنٍ، وذاكَ مُرُورًا بِجَرَائِرِ الاِنْبِطَاحِ الحَصْرِيِّ السَّفِيفِ في ليبيا الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ خليفة بلقاسم حفتر حيثُ يَخْضَعُ النَّاسُ بَعْدَ مَرَاحِلِ سَفْكِ الدِّمَاءِ للمَديدِ من الاِخْتِبَارَاتِ «الپاڤلوڤيَّةِ» الذُّكُورِيَّةِ عَمْدًا بِسَبَبٍ هَزَلِيٍّ مِنِ اسْتِخْذَاءِ «المَسْؤُولِينَ» المَعْنِيِّينَ لِأَزلَامِ الكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ انْخِرَاطًا ذَلِيلًا في «التَّطْبِيعِ الإبراهيميِّ» صَفْقَةِ الزَّمَانِ، وذاكَ اِنْتِهَاءً (ولٰكِنْ لَيْسَ البَتَّةَ اِنْتِهَاءً نِهَائِيًّا) بِجَرَائِمِ الاِقْتِتَالِ العَسْكَرِيِّ الحَمِيِّ العَنِيفِ، لَا بَلِ الأَشَدِّ عُنْفًا، في سُودَانِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ عبد الفتاح البرهان أو حتى في سُودَانِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ الآخَرِ محمد حمدان دقلو حيثُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ قَدْ شَارَكَ في الحُكْمِ العَسْكَرِيِّ وكذاكَ في الاِنْقِلَابِ على الحُكْمِ المَدَنِيِّ وحيثُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ قَدْ دَالَسَ الآخَرَ بالسِّلَاحِ الثَّقِيلِ وحتى الأَثْقَلِ والأُنَاسُ كَافَّتُهُمْ لَا يَحْظَوْنَ حتى بِمَوْطِئٍ يَتِيمٍ مِنْ بَرِّ الأَمَانِ، وهٰكذا دَوَالَيْكُمَا، وهَلُمَّ جَرًّا – نَاهِيكُمَا، والمَآلُ هُنَا، عن كَوْنِ ذَاتِ «الشَّرِّ»، سَوَاءً كَانَ شَرًّا بَشَرِيًّا أمْ كَانَ شَرًّا بِيئِيًّا، إِشْكَالًا مُبْهِتًا ومُحَيِّرًا في حَدِّ ذَاتِهِ، نَظَرًا لِمَا تُسَلِّمُ بِهِ الأَدْيَانُ السَّمَاوِيَّةُ كُلُّهَا تِسْلِيمًا بِأَنَّ اللهَ «رَحْمَانٌ رَحِيمٌ» وبِأَنَّهُ كذاكَ «عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» في الآنِ ذَاتِهِ، كَمَا سَاجَلَ بِجِدٍّ الفيلسُوفُ التَّجْرِيبَوِيُّ السكتلنديُّ، ديڤيد هيوم (1711-1776)، في إطَارِ فلسفتِهِ الشُّكوكيَّةِ (اُنْظُرَا، مَثَلًا، كِتَابَهُ الأَخِيرَ: «مُحَاوَرَاتٌ في الدِّينِ الطَّبِيعِيِّ» Dialogues Concering Natural Religion). قلتُ كذٰلكَ أكثرَ من مرَّةٍ من قبلُ، وعَلَى الرَّغْمِ من أنَّ سَيْرُورَةَ ذٰلكَ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ العربيِّ، في أطوَارِهِ الأولى، لمْ تَدْأَبْ ذٰلكَ الدُّؤُوبَ المَأمُولَ نحوَ حُرِّيَّةٍ حَرِيَّةٍ وعَدَالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ، ومَا بَرِحَتْ ومَا فَتِئَتْ، شُعُوبُ هٰذِهِ البلدانِ المقهُورةُ آنَاءَ اللَّيْلِ وأَطْرَافَ النَّهَارِ تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوْقٍ كبادِئٍ أَمْثَلَ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ مُثْلَى لمستقبلٍ مَجيدٍ، قلتُ إِذَّاكَ وكُلِّي تفاؤُلٌ وافْتِآلٌ إنَّ مَا شهدْناهُ قُبَيْلَ هٰذا الزَّمَانِ «الكورُونيِّ» وإثْرَهُ كذاكَ من طَوْرٍ هَجِينِيٍّ، أو مِمَّا يبدُو عَلى السَّطْحِ النَّقِيضِ أَنَّهُ «طَوْرٌ لاهَجِينِيٌّ»، لِثَوَرَانٍ مُضَادٍّ تحملُ شتَّى «مشاعِلِهِ» سِفْلَةٌ، أو حتى حُثَالةٌ، من أَرْجَاسِ الظَّلامِ والقَتَامِ، على اختلافِ مَشَارِبِهَا وعلى ائتلافِ مَآرِبِهَا في المستوى المَحَلِّيِّ (أفرادًا وجماعاتٍ، على حَدٍّ سَوَاءٍ) وفي المستوى الدُّوَلِيِّ (دُوَلًا تابعةً ودُوَلًا متبوعةً، على حَدٍّ سَوَاءٍ كذٰلكَ)، لا يعدُو أنْ يكونَ، في إبَّانِ تَسْيَارِ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا مَحْتُومًا زَمَانيًّا ومَحْسُومًا مَكَانيًّا مَهْمَا امتدَّ زَمَانُهُ ومَهْمَا اتَّسَعَ مَكَانُهُ، طورًا مَحْمُومًا ومَسْمُومًا لا بُدَّ لَهُ من أَنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينمَا تندلعُ أَلْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الكَنِينِ من جديدٍ عَالِيًا عَالِيًا، وحينمَا تُعْلِنُ هٰذِهِ الأَلْسِنَةُ بالسَّعِيرِ الأَكَنِّ عن عَلَائِمِ الطورِ القَرَاريِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءَتْ أَرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو حتى تلك الحُثَالَةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلَاءَ لهُمْ من لَفِيفِ أَسْيَادِهَا الطُّغَاةِ الفاشِيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، أَمْ أَبَتْ. وكمَا هي الحَالُ في أَيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيَّةٍ، أو حتى في أَيَّةِ ثورةٍ لاعربيَّةٍ نظيرةٍ من «عَالَمٍ ثالِثِيٍّ»، تثُورُ على الطُّغْيَانِ وعلى حَيْفِ الزَّمَانِ، ينجَلي في ذٰلكَ الطَّوْرِ الهَجِينِيِّ لِلثَّوَرَانِ المُضَادِّ الآنِفِ الذِّكْرِ انْجِلَاءً، بأَوْهَى الاِحْتِمَالِ حتى، ينجَلي عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مُكَمِّلَانِ لبعضِهِمَا البعضِ، فيما يتبدَّى، أَوَّلُهُمَا داخليٌّ مباشرٌ (يُسَيِّرُهُ أزلامُ الحُكْمِ المُتَشَبِّثُونَ بالبقاءِ)، وثانيهُمَا خارجيٌّ لامباشرٌ (يُصَيِّرُهُ أسيادُ أزلامِ هٰذا الحُكْمِ المُتَرَبِّثُونَ بالشَّقَاءِ)، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» يعمَلانِ بجِدٍّ وكَدٍّ عَلى إِدَامَةِ هٰذا الطورِ الهَجِينِيِّ، وعَلى دَيْمُومَةِ مُجْتَبَاهُ إلى حَدِّ اجتباءِ ذاتِ «الطَّوْرِ اللَّاهَجِينِيِّ» على السَّطْحِ النَّقِيضِ، بأَيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هٰذِهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّميمِ، وحتى لو كانتْ هٰذِهِ الذريعةُ لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ – والمشهدانِ الثوريَّانِ الشَّعْبِيَّانِ في السُّودَانِ وفي الجَزَائِرِ، حتى ذٰلكَ الحينِ من الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ الجَمَاهِيرِيَّيْنِ منهُمَا ومَا وَلِيَهُ (ومَا يليهِ) من أَحيَانٍ قمينةٍ، لا يُشَكِّلانِ بَتًّا استثناءً مُسْتَثْنًى بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ في هٰذِهِ القرينةِ. ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، ومعَ كُلِّ أشكالِ هٰذا التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ وكُلِّ أشكالِ هٰذا اللااستثناءِ «الضَّلِيلِ»، وبالرَّغمِ من كلِّ مَا ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً عليهِ من حَالَاتِ الاسْتِعْصَاءِ المُسْتَطِيلِ، فإنَّ كُلًّا من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ لَمَّا يَزَلْ سَائرًا، حتى ذاكَ الآنِ من ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ، لَمَّا يَزَلْ سَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ مَتِينَينِ ثابِتَيْنِ بِكُلِّ مَا يقتضيهِ السَّيْرُ من عَزْمٍ ومن حَزْمٍ لَا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ، رَغْمَ تيكَ التقطُّعَاتِ «الكورُونيَّةِ» بالذاتِ، أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ مغزًى غَلِيلٍ.

ففِيمَا لَهُ رِبَاطٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانِيِّ، من ناحيةٍ أولى، وبعدَ الإطاحةِ بعَرْشِ طاغيةِ البلادِ المَعنيِّ آنَئِذٍ، عمر حسن البشير (ذٰلكَ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الذي أفرزَهُ نظامٌ أوتوقراطيٌّ عسكريٌّ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا مديدًا، مَدى أكثرَ من ثلاثينَ عَامًا)، فقد كَانَ كُلُّ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ السُّودَانيِّينَ يوَاصِلُونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ تارةً أُولَى في الاحتجَاجِ المِقْدَامِ بسِلْمِيَّةٍ هٰهُنَا، وتارةً أُخرى في الاعتصَامِ المِصْدَامِ بأكثرَ منهُ سِلْمِيَّةً هٰهُنَاكَ من قُدَّامِ مَقَرِّ القيادةِ العامَّةِ للجَيْشِ «الوطنيِّ» بالذاتِ (وفي العاصمةِ الخرطومِ ذَاتِهَا، في المَقامِ الأَوَّلِ)، فقد كَانُوا إِذَّاك يوَاصِلُونَ سَعْيَهُمْ الحَثيثَ مطالبينَ بكلِّ إِصْرَارٍ، على أقلِّ تقديرٍ وأدنى تأطيرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، وبتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ الوطنيِّ جِدِّ مَحْدُودٍ كذاكَ لأسبابٍ بَدَهِيَّةٍ بَيِّنَةٍ بذاتِهَا، مَهْمَا حَاولتْ عناصرُ مَدْفُوعَةٌ مِمَّا كَانَ يُسَمَّى آنَذاكَ تَسْمِيَةً بـ«المجلس العسكري الانتقالي»، عناصرُ مَدْفُوعَةٌ دَفْعًا آفِكًا أَفَّاكًا في تَسْوِيفِ التفاوُضِ «الجَادِّ» – أو هٰكذا قد تَبَدَّى للبَصَرِ مِثْلًا بالوَصِيدِ، معَ قادةِ ذٰلكَ الائتلافِ المدنيِّ المُنْضَوي، بدورِهِ هو الآخَرُ، تحتَ لواءِ مَا قد تَسَمَّى بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، وذاكَ تشبُّثًا مرئيًّا بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ برئاسةِ المدعوِّ عبد الفتاح البرهان (ذي التَّواصُلِ «الحَمِيِّ» و«الحَمِيمِيِّ» مُنْذُئِذٍ معَ طاغيةِ مصرَ الفاشيِّ العَتِيِّ، عبد الفتاح الآخَرِ!)، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ مَرْفُوعَةٌ مِمَّا يُدْعَى دُعَاءً تَهُكُّمِيًّا بـ«قوات الدعم السريع» – أو هٰكذا قد تَحَوَّلَ عَمَّا دُعِيَ قبلًا بـ«الجَنْجَوِيدِ»، عناصرُ مَرْفُوعَةٌ رَفْعًا فَاتِكًا فَتَّاكًا بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ عَيْنِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ في الضَّرَّاءِ لَا في السَّرَّاءِ، وذاكَ تشبُّثًا مرئيًّا أكثرَ حتَّى بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ المُوَازِي أيضًا، ولٰكِنْ بنيابةِ رئاسةِ المدعوِّ محمد حمدان دقلو، والمُلَقَّبِ عَامِّيًّا باللَّقَبِ الشَّهيرِ «حْمِيدْتِي» (وذي التَّواصُلِ حتى «الأكثرِ حَمِيَّةً» وحتى «الأكثرِ حميميَّةً» آنَئِذٍ كذاكَ معَ طاغيتَيِ السُّعُودِيَّةِ والإمَارَاتِ الفاشيَّيْنِ العَتِيَّيْنِ، المُحَمَّدَيْنِ الآخَرَيْنِ!)، حتَّى تكتملَ، والمَآلُ هُنَا، مَهْزَلَةُ المَهَازِلِ في هٰذا التَّطَابُقِ اللَّفْظِيِّ الغريبِ والعَجيبِ مَا بَيْنَ الأَسْمَاءِ الأَوَائِلِ بالحَذَافِيرِ [وللتذكيرِ الاِسْتِطْرَادِيِّ العَابرِ هٰهُنَا، فإنَّ هٰذِهِ القواتِ الأخيرةَ، «قواتِ الدعمِ السريعِ» ذَاتَهَا، إنَّمَا هي بالتَّنْعِيتِ البَخِيتِ حتى قواتٌ «بَلْطَجِيَّةٌ» بِامْتِيَازٍ لا تختلفُ، من حيثُ المَبْدَأُ والمَنْهَى، عن قُطْعَانِ «شَبِّيحَةِ» ذَاكَ النظامِ المَافْيَويِّ الطائفيِّ الهَمَجِيِّ المتوحِّشِ المُخْتصِّ بشتَّى صُنُوفِ الإِجْرَامِ مَا دُونَ-البَهِيمِيِّ مَرْتَبَةً في بلادِ الشآمِ بالذاتِ، ذٰلكَ الإِجْرَامِ الذي لَجَأَتْ إلى شيْءٍ عَيِّنِيٍّ منهُ حتى قواتُ «الجَنْجَوِيدِ» عَيْنُهَا قبلَ ذينكَ الاستسلامِ والاستخذاءِ الجَلِيَّيْنِ اللذينِ أَبْدَاهُمَا قادةُ الائتلافِ المدنيِّ، «قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ» بالعَيْنِ، أبْدَوْهُمَا إِبْدَاءً لَافِتًا، لَا بَلْ سَافِرًا وصَارِخًا، للعِيَانِ المَحَلِّيِّ والدُّوَلِيِّ أَمَامَ قادةِ التَّحَالُفِ العسكريِّ، تَحَالُفِ «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ» عَيْنِهِ، من جَرَّاءِ انْجِرَارِهِمِ الزَّرِيِّ إلى توقيعِ ذٰلكَ الاتفاقِ الشُّؤْمِ المَشْؤُومِ عَلى تسليمِ السُّلْطَةِ الفعليَّةِ كُلِّهَا، أَوَّلًا، إلى هٰذا «المجلسِ العسكريِّ» بكلِّ مَا يقتنيهِ من السِّلَاحِ الخَفِيفِ والثقيلِ ومَا بَيْنَهُمَا كذٰلِكَ، ومن جَرَّاءِ انْحِدَارِهِمِ الأَزْرَى من ثَمَّ إلى وَأْدِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودانيَّةِ وَأْدًا كُلِّيًّا، أو بالكَادِ، حتَّى قبلَ أن تنضجَ وأن تكتملَ في نفوسِ أولٰئكَ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ السُّودَانيِّينَ بكَافَّةِ أَطْيَافِهِمْ – كَافِيكُمَا الآنَ عَمَّا يُقَدِّمُهُ، مَثَلًا لَا حَصْرًا، يَرَاعُ الباحثِ الجامعيِّ «المَاركسيِّ»، جلبير الأشقر، من «تحليلٍ سياسيٍّ» لَا يَمُتُّ للواقعِ الفعليِّ بِأَيَّتِمَا صِلَةٍ فِعْلِيَّةٍ أو قَوْلِيَّةٍ في هٰذا المَسْرَحِ الاِقْتِتَالِيِّ الدَّامِي بينَ قواتِ كُلٍّ من الطاغيتَيْنِ الفاشيَّيْنِ العَتِيَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنَ، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، إِذْ لَمْ يَفْتَأْ هٰكذا باحثٌ جامعيٌّ «مَاركسيٌّ» يناقضُ نفسَهُ بنفسِهِ بالبَيَانِ الأكاديميِّ النموذجيِّ في هٰكذا شَأْنٍ، ليسَ مَاثِلًا بهٰذا من نَصٍّ إلى آخَرَ وحَسْبُ، بَلْ كذاكَ آثِلًا بِهِ من فِقْرَةٍ إلى أُخْرَى من النَّصِّ ذَاتِهِ، وبالأَخَصِّ بَعْدَمَا اسْتَنْفَدَ بالمِرَارِ من قَوْلٍ حَمَاسِيٍّ تَقريظيٍّ اِفْتِعَالِيٍّ جِدِّ مَدِيدٍ بِإِزَاءِ تَسْيَارِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودانيَّةِ ذَاتًا دُونَ سِوَاهَا: ففي حينِ أَنَّهُ يُنْحِي بِاللَّائِمَةِ كُلِّهَا عَلى أمريكا مُتَمَثِّلَةً بالمُمَثِّلِ الأُمَمِيِّ المُسْتَقِيلِ مُؤَخَّرًا، فولكر بيرتس، في مَآلٍ كَارِثِيٍّ آلَتْ إليهِ بلادُ السُّودَانِ الآنَ، تَرَيَانِهِ (أي تَرَيَانِ الباحثَ الجَامعيَّ «المَاركسيَّ» المَعْنِيَّ) يَدْعُو كَدَاعِيَةٍ مُطَبِّلٍ مُزَمِّرٍ من دُعَاةِ الإعلامِ الغربيِّ إلى تَدَخُّلِ قواتٍ عسكريَّةٍ أُمَمِيَّةٍ لإيقافِ الاِقتتالِ الاِعتباطيِّ المُدَمِّرِ واستئنافِ الاِنتقالِ الديمقراطيِّ المُعَمِّرِ (اُنْظُرَا تقرِيرَهُ الصَّحَفِيَّ الأَخِيرَ: «مأساةُ السودانِ العظيمةُ والمخرجُ منها»، القدس العربي، 26 أيلول 2023)]. وفيمَا لَهُ مِسَاسٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ، من نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وبَعْدَ الإِطَاحَةِ أَيْضًا بعَرْشِ طَاغِيَةِ البلادِ، عبد العزيز بوتفليقة، من طَرَفِهِ هو الآخَرُ (ذٰلكَ الطَّاغِيَةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الذي أَنْتَجَهُ نظامٌ بيروقراطيٌّ عسكريٌّ كَانَ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا أَمَدَّ بكثيرٍ حتى من استبدادِ قَرِينِهِ السُّودَانيِّ، مَدَى أكثرَ من خمسةٍ وخمسينَ عامًا)، فَقَدْ كَانَ، ومَا زَالَ، كُلُّ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ الجَزَائِرِيِّينَ يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ في الاحتجَاجِ والاعتصَامِ السِّلْميَّيْنِ الكَمِيَّيْنِ بِكَافَّةِ أَطْيَافِهِمْ أَيْضًا، وقَدْ تَأَوَّجَتْ هٰذِهِ الأَطْيَافُ، قُبَيْلَ الزَّمَانِ «الكورُونيِّ» إِذَّاكَ، بِازْدِيَادِهَا الجَمَاهِيرِيِّ المَلْحُوظِ في جُمُوعِ طَالِبَاتِ وطُلَّابِ الجَامِعَاتِ أَمَامَ مَقَرِّ قِيَادَةِ أَرْكَانِ الجيشِ الوطنيِّ، أو حتى «اللاوطنيِّ» بالأَحْرَى (في العَاصِمَةِ الجَزَائِرِ أَيْضًا، في الأَغْلَبِ والأَعَمِّ)، فَقَدْ كَانُوا، ومَا زَالُوا، يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ مطالبينَ بكلِّ إلحَاحٍ، في الحَدِّ الأَدْنَى من الدُّسْتُورِ الجَزَائِرِيِّ بالذَّاتِ، بتفعيلِ كُلٍّ من المَادَّةِ (7) التي تنصُّ على أنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كُلِّ سُلْطَةٍ» والمَادَّةِ (8) التي تنصُّ على أنَّ «السُّلْطَةَ التَّأْسِيسِيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، وبترحيلِ كُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أَشْلَاءِ» النظامِ الهَمَجِي المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأْسِ في مُسْتَنْقَعَاتِ الفَسَادِ والرَّذِيلَةِ والمُحَابَاةِ والمَحْسُوبِيَّاتِ بِكُلِّ أَشْكَالِهَا، وعلى رأسِهِمْ، آنَئِذٍ، رئيسُهُ المُؤَقَّتُ (عبد القادر بن صالح) ورئيسُ وزرائِهِ الأكثرُ توقيتًا (نور الدين بدوي) وقائدُ أركانِ جيشِهِ الأقلُّ توقيتًا (أحمد قايد صالح)، حتى لَوْ تَوَغَّنَ هٰؤلاءِ بقايَا «الأَشْلَاءِ» عَلى إِجْرَاءِ مَا يُسَمُّونَهُ بـ«الاِنْتِخَابِ الرِّئَاسِيِّ» مُخْتَلَقًا مُفْتَعَلًا ومُزْمَعًا مَوْعِدُهُ في اليومِ الرَّابعِ من شهرِ تمُّوزَ من العَامِ «مَا قبلَ الكورُونيِّ» 2019 – وهو لِلْخَطْبِ ذاتُ «الاِنْتِخَابِ الرِّئَاسِيِّ» المَرْفُوضِ من أَسَاسِهِ الاِخْتِلَاقِيِّ الاِفْتِعَالِيِّ بالاِسْمِ رَفْضًا قَاطِعًا من لَدُنْ أولٰئكَ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ المُسْتَمِرِّينَ في الثَّوَرَانِ السِّلْمِيِّ الأُسْطُورِيِّ، لَا مَحَالَ، لَوْلَا تلكَ التقطُّعَاتُ «الكورُونيَّةُ» التي حَالَتْ دُونَهُ إلى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى. وحتى في ظِلِّ مَا يَدْعُونَهُ الآنَ بـ«التَنْظِيمِ الجَدِيدِ لمَصَالِحِ الرِّئَاسَةِ»، يَبْقَى عَيْنُ «الاِنْتِخَابِ الرِّئَاسِيِّ» المَعْنِيِّ مُخْتَلَقًا مُفْتَعَلًا كَآنِفِهِ، ويَبْقى الحَاكِمُ الفعلِيُّ كذاكَ مُؤْتَلِقًا مُتَمَثِّلًا في ذاكَ الجَيْشِ «العَتِيدِ» لا في هٰذا الرَّئِيسِ التَّبُّونِيِّ الرِّعْدِيدِ!

وهٰكذا، وبالنظرِ الوَكِيدِ إلى كُلٍّ من هٰذَيْنِ المَشْهَدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ المُنْتَهَكَيْنِ بعينَيْنِ عقلانيَّتَيْنِ لابَخْسِيَّتَيْنِ، وعَلى الأَخَصِّ أَنَّهُمَا مَشْهَدَانِ ثوريَّانِ شَعْبِيَّانِ يتبدَّيَانِ بوَصْفِهِمَا استمرارًا «رَبِيعِيًّا» في الجَانِبِ الإفريقيِّ من هٰذا العَالَمِ العربيِّ التَّائِهِ تَيْهًا جَمُوحًا والرَّائِهِ رَيْهًا رَمُوحًا كَمِثْلِ عَادَتِهِ في الخَوَالِي من تلك السَّنَوَاتِ مُنْذُ البَدْءِ بِذَاتِ الحَرَاكِ «الرَّبِيعِيِّ» عَامَ 2011 عَلى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ، فَإِنَّ أَيَّ جِنْسٍ من أَجْنَاسِ ذٰلكَ «التحليلِ السياسيِّ» المُتَمَرِّسِ قَابِلًا بِحُكْمِ المِهْنَةِ، أو حتَّى المُتَمَرِّسِ مُقَابِلًا بحُكْمِ غيرِ المِهْنَةِ، يَلْجَأُ مَحْثُوثًا بذٰلكَ «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إِفْرَاطًا إلى حَدِّ الاِفْتِرَاءِ السَّرِيرِيِّ (أو، بِالحَرِيِّ، بِذٰلكَ «الحَمَاسِ فَوْقَ-الثَّورِيِّ» Hyper-Revolutionary Fervour، إنْ جَازَتْ هٰذِهِ الاستعارةُ، هٰهُنَا، من مُصْطَلَحَاتِ عِلْمِ النَّفْسِ الحَدِيثِ، لٰكِنْ بالفَحْوَاءِ «الثَّورِيِّ المُسَالِمِ»)، يَلْجَأُ مَحْثُوثًا إلى استخدامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ «اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ»، ومَا تَنْطَوِي عليهِ هٰذِهِ البَلَاغِيَّاتُ، بدَوْرِهَا هي الأُخْرَى، من دَلَالَاتٍ تمييزيةٍ، أو من دَلَالَاتٍ تفضيليَّةٍ – لَا بَلْ جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الكلامِ الاِنْفِعَالِيِّ المَدِيدِ عن «إِنْجَازَاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتَّى هٰذا الحِينِ أو حتَّى ذاكَ الحِينِ منهَا، ودونَمَا الأَخْذِ بالحُسْبَانِ بَتَّةً مَا يُحَاذِي هٰذِهِ الـ«إِنْجَازَاتِ» فيمَا يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ بالتَّحْدِيدِ الشَّدِيدِ (أو حتى بأيَّةِ ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ أُخْرَى، بقَدْرِ مَا يَتَعَلَّقُ الأمْرُ بِهَا كذاكَ بالتَّحْدِيدِ الأَشَدِّ)، إنَّمَا هو جِنْسٌ «مِيدَائيٌّ دَائِيٌّ» من أجناسِ ذٰلكَ «التحليلِ السياسيِّ» الاِنْتِقَائِيِّ الاِصْطِفَائِيِّ الحَائِدِ حَيْدًا عن جَادَّةِ الصَّوَابِ والسَّدَادِ إلى حَدٍّ كَبِيرٍ، ولَا رَيْبَ في هٰذا بَتًّا، وبالأَخَصِّ هُنَا كذاكَ حينمَا يصْدُرُ هٰذا الجِنْسُ «المِيدَائيُّ الدَّائِيُّ» في حَدِّ ذاتِهِ عن عَيْنِ المَصْدَرِ المَرْبُوصِ عَلى عَيْنِ «اليَسَارِ العربيِّ» تنظيرًا وَ/أَوْ تطبيقًا، وسَوَاءً كانَ هٰذا اليَسَارُ العربيُّ مَاركسِيًّا أَمْ لامَاركسِيًّا أَمْ حتى في مَرْهَصَةٍ بَيْنَ المَرْهَصَتَيْنِ. وقَدْ أُشِيرَ في القسمِ الآنِفِ والثامنِ من هٰذا المقالِ إلى شَيْءٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ تلكَ مُسْنَدًا بشَيْءٍ من التمثيلِ بالدَّلِيلِ التَّسْيِيرِي، فَقَدْ أُشِيرَ إِشَارَةً إلى مَا قَامَ بِهِ الباحثُ الجَامعيُّ «المَاركسِيُّ»، جلبير الأشقر، بكلِّ جِدٍّ وجِدِّيَّةٍ قَوْلِيَّيْنِ في تقريرِهِ الصَّحَفِيِّ التَّعَاطُفِيِّ المُفْتَعَلِ بالقَوْلِ ذاك وحَسْبُ، عَلى سَبيلِ المِثَالِ، وذاك تَلْمِيحًا بالتوازي إلى قَوْلِهِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ تلكَ إنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً» وإنَّمَا تشكِّلُ كذاك «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً»، لمجرَّدِ أنَّ هٰذِهِ الثورةَ ذَاتًا تَمْتَازُ بِوُجُودِ قِيَادةٍ ثوريَّةٍ يقودُهَا قادةُ ائْتِلَافٍ مدنيٍّ مُسَمًّى بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، كَمَا تَمَّ ذِكْرُهُ قبلَ قليلٍ (اُنْظُرَا، أَيْضًا، تقرِيرَهُ الصَّحَفِيَّ المَعْنِيَّ: «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!»، القدس العربي، 23 نيسان 2019). وقَدْ قِيلَ هُنَاكَ لِلْتَّبْيِينِ حَدًّا إنَّ في هٰذا القَوْلِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» إِجْحَافًا وتَسْفِيهًا لَامباشِرَيْنِ – وقَدْ صَارَا جِدَّ مباشرَيْنِ مُذَّاكَ، في حقيقةِ الأمرِ، بحقِّ الثورةِ الشعبيَّةِ الجزائريَّةِ خَاصَّةً (وبحُقُوقِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ الأُخرى عَامَّةً)، لِمَاذَا؟ – لأَنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ من طَرَفِهَا، ومَعَ اتِّصَافِهَا الحَرِيِّ بصِفَةِ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ المُتَكَلَّمِ عَلَيْهِ هُنَا وهُنَاكَ مِرَارًا وتَكْرَارًا، لَمْ يميِّزْهَا هٰكذا اتِّصَافٌ حَريٌّ حتَّى تلك اللحظةِ من نشوبِهَا أَيَّ تمييزٍ موضوعيٍّ، أو حتَّى أَيَّ تمييزٍ ذاتيٍّ، من ذٰلكَ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عن شَقِيقَتِهَا الثورةِ الشعبيَّةِ الجزائريَّةِ، ومعَ اتِّسَامِهَا «اللَّاحَرِيِّ» بسِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ، عَلى النَّقِيضِ. حتَّى أَنَّ هٰذِهِ الثورةَ الشعبيَّةَ الجزائريَّةَ (الشَّقِيقَةَ)، من طَرَفِهَا هي الأُخْرَى، قَدْ أَثْبَتَتْ للعَالَمِ كُلِّهِ إِثْبَاتًا، من جَرَّاءِ سِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّسِمُ بِهَا ذَاكَ الاِتِّسَامَ «اللَّاحَرِيَّ»، قَدْ أَثْبَتَتْ أَنَّهُ مَا مِنْ قُوَّةٍ فيزيائِيَّةٍ، ومَا مِنْ قُوَّةٍ مِيتَا-فيزيائِيَّةٍ حتَّى، يُمْكِنُ لَهَا أَنْ تَعْلُوَ بالمَرَاتِبِ بَتَّةً عَلى قُوَّةِ مَا يُعَرَّفُ نَفْسِيًّا وَ/أَوِ اجْتِمَاعِيًّا بـ«المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وبِخَاصَّةٍ هُنَا أَيْضًا حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ المَعْنِيُّ مُدَجَّجًا، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، بِقُوَّةِ مَا يُعَرَّفُ من ذَاتِ المَنْظُورِ المُحَاذِي بـ«الإِرَادَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ» Collective Human Will: حَتَّى أَفْرَاخُ الطَّيْرِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ تَحْلِيقًا أَعْلَى مِمَّا تَسْتَطِيعُ مَاثِلَةً (عَلى الأَرْضِ) بِقُوَّةِ هٰذِهِ الإِرَادَةِ في حَدِّ ذَاتِهَا، لَا بِقُوَّةِ ذَيْنِكَ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا كَانَ الحُكَمَاءُ القُدَامَى يَقُولُونَ قَوْلًا جَلِيلًا وقَدْ كَانُوا عَلى يَقِينٍ مُطْلَقٍ (أَوْ حتى شِبْهِ مُطْلَقٍ، بالأَدْنَى) من هٰذا القَوْلِ الجَلِيلِ، وأَوَّلُهُمْ ذٰلِكَ الفَيْلَسُوفُ الصِّينِيُّ الكَبِيرُ، كُونْفُوشْيُوس (551-479 ق.م.). وهٰكذا، وهٰذا يَعْنِي بِجَلَاءٍ، عَلى الغِرَارِ ذَاتِهِ، أَنَّ صِفَةَ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّصِفُ بِهَا تِيكَ الثورةُ الشعبيَّةُ السُّودَانِيَّةُ (الشَّقِيقَةُ الأُولَى)، وعَلى الرَّغْمِ من «إيجابيَّاتِ» هٰذا الحُضُورِ السَّاطِعِ جِدًّا للعِيَانِ عَلى أَكْثَرَ من صَعِيدٍ (قَبْلَ الاِنْحِدَارِ الزَّرِيِّ إلى وَأْدِهِ الكُلِّيِّ، أَوْ بالكَادِ، حَتَّى حِينٍ)، إِنْ هي إِلَّا صِفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا من الإِعْرَابِ في التَّألُّقِ الأَشَدِّ سُطُوعًا لِقُوَّةِ المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ، وبِالأَخَصِّ حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ المَعْنِيُّ مُدَجَّجًا بِقُوَّةِ الإِرَادَةِ الإنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ (لِكَيْ يُعَادَ التَّعْبِيرُ ذَاتُهُ، مَرَّةً ثَانِيَةً، للتَّوْكِيدِ الشَّدِيدِ – مِنْ بُدِّهِ). هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بالصِّرَاعِ بَيْنَ طبقةِ الطَّاغِيَةِ الفاشِيِّ العَتِيِّ وبَيْنَ طبقاتِ الشَّعْبِ المَعْتِيِّ (عَلَيْهِ) أَيًّا كَانَ وأَيْنَمَا كَانَ في تَارِيخِ مَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالنِّضَالِ وقَدْ تَمَخَّضَ عن مَدَى القَمْعِ والقَسْرِ والقَهْرِ والوَحْرِ ومَا تَمَخَّضَ عَنْ هٰكذا مَدًى من بُؤْسٍ فَرْدِيٍّ جَمْعِيٍّ مَدِيدٍ زَائِدٍ عَنْ حَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالمَنَالِ إِذْ حَطَّ كُلًّا من أَنْظِمَةِ الطُّغْيَانِ المَعْنِيَّةِ بِالمَآلِ إِذْ حَطَّهُ حَطًّا حِطَاطًا في مَحَطٍّ مُنْحَطٍّ لَمْ يَعُدْ في مَقْدُورِهِ التَّحَكُّمُ فيهِ بالسِّيادَةِ والسِّيَادِ لَدَى اشْتِدَادِ ذاكَ الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ الخِنْذِيذِ أَوِ الجَزَائِرِيِّ الصِّنْدِيدِ أَوِ اللِّيبِيِّ الوَلِيدِ أوِ المِصْرِيِّ التَّلِيدِ أوِ اليَمَانِيِّ النَّجِيدِ أوِ العِرَاقِيِّ الوَقِيدِ أوِ الأُرْدُنِّيِّ المَهِيدِ أوِ الفِلَسْطِينِيِّ الهَدِيدِ أوِ اللُّبْنَانِيِّ السَّدِيدِ أوِ الشَّآمِيِّ الشَّدِيدِ أوِ القَادِمِ والقَادِمِ، لا مَحَالَ، لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ الزَّنُودِ العَنُودِ الشَّدُودِ في شَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ الذي سوفَ يُسَجِّلُهُ التّارِيخُ الإِنْسَانِيُّ وَعْيًا مُتَزَايِدًا دُونَمَا انْقِطَاعٍ في السِّجِلاَّتِ من «النَّشَاطِ التاريخيِّ المُسْتَقِلِّ» بالذَّاتِ – وقدْ تَطَرَّقَ إلى أشكالِ هٰذا النَّشَاطِ التاريخيِّ بالذاتِ لينينُ عَيْنُهُ بِالمِرَارِ والتَّكْرَارِ في أكثرَ من سِيَاقٍ ثوريٍّ مَاثِلٍ مُمَاثِلٍ، وخُصُوصًا بالاِسْتِنَادِ السَّنِيدِ إلى مَا عَنَاهُ ماركسُ عَيْنُ عَيْنِهِ من مَرْحَلَةِ التَّنَاقُضِ الحَتْمِيِّ بَيْنَ قِوَى الاِنْتَاجِ وبَيْنَ عِلَاقَاتِ الاِنْتَاجِ قَبْلَ أن يَسْتَحِيلَ هٰكذا تَنَاقُضٌ حَتْمِيٌّ إلى قوَّةٍ تدميريَّةٍ شَامِلَةٍ لكَيْمَا يَسْتَهِلَّ اسْتِهْلَالًا مَرْحَلَةَ الثَّوَرَانِ الاِجْتِمَاعِيِّ الشَّامِلِ.

وفَوْقَ ذٰلكَ كُلِّهِ هٰهُنَا وهٰذا الآنَ، لَمْ نَفْتَأْ نَرَى مثقَّفينَ لامِعِينَ مِمَّنْ هُمْ (وهُنَّ) في عِدادِ المُنْتَمِينَ إلى «اليَسَارِ العربيِّ» المَاركسيِّ أَوِ اللامَاركسيِّ أَوِ الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، لَمْ نَفْتَأْ نَرَاهُمْ يَلْجَأُونَ مَحْثُوثِينَ بذاتِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» إلى اسْتِخْدَامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ ذَاتِهِ، مَثَلُهُمْ في هٰذا كَمَثَلِ الصَّبِيِّ «العبقريِّ» حِينَمَا يُشَاهِدُ، مُخْرِجًا بجِهَازِ التَّحَكُّمِ عَنْ بُعْدٍ، مَشَاهِدَ لُعْبَةٍ إلكترُونِيَّةٍ من تلك الأَلْعَابِ المُسَمَّاةِ جَمْعًا بـ«حُرُوبِ النُّجُومِ» Star Wars، فيختارُ مَا يَشَاءُ من هٰذِهِ الحُرُوبِ «مِثَالًا مَلْحَمِيًّا» يَحْتَذِيهِ احْتِذَاءً في تَجْوَالِهِ الاِفْتِرَاضيِّ المَائِرِ، ويُكْسِيهِ من ثَمَّ «فُسْتَانًا أُسْطُورِيًّا» بكُلِّ مَا يَبْتَنِيهِ من خَيَالَاتِ الاِسْتِيهَامِ الحَمَاسِيِّ الفَائِرِ، وبغضِّ الطَّرْفِ كُلًّا، في مَعْمَعَانِ هٰذِهِ «الحَرْبِ الضَّرُوسِ»، عن أيِّمَا «مِثَالٍ مَلْحَمِيٍّ» آخَرَ. فَهَا هو مِثَالُ الكَاتِبِ الرِّوَائِيِّ اللبنانيِّ إلياس خوري يَتَحَدَّثُ عن الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودَانِيَّةِ بوَصْفِهَا «مِرْآةً نَاصِعَةَ» تَسْمَحُ، والحَالُ هٰذِهِ، بإعَادَةِ النَّظَرِ في كَافَّةِ الثوراتِ الشعبيَّةِ العربيَّةِ الأُخْرَى (بِمَا فيهَا تلكَ الثورةُ الشعبيَّةُ الجزائريَّةُ التي تُزَامِنُهَا حتى)، دُونَ أَنْ يَتَجَشَّمَ أَيًّا من عَنَاءِ القَوْلِ بالنَّحْوِ العَكْسِيِّ تَمَامًا بِأَنَّ هٰذِهِ المِرْآةَ النَّاصِعَةَ ذَاتَهَا، ولَا شكَّ فِيهَا بَتَّةً، إِنَّمَا اسْتَمَدَّتْ نُصُوعَهَا، بنَحْوٍ أو بآخَرَ، من هٰذِهِ الثوراتِ ذَاتِهَا في الحَيِّزِ الأَوَّلِ، رَغْمَ كُلِّ مَا اعْتَرَاهَا ومَا يَعْتَرِيهَا من إِخْفَاقٍ ومن إِحْبَاطٍ عَلى مَدَى تلكَ السَّنَوَاتِ العِجَافِ على الأقلِّ. وقدْ أَشَارَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ مُنَاقِضًا نفسَهُ بنفسِهِ إلى بَعْضٍ من أَسْبَابِ هٰذا الإِخْفَاقِ وهٰذا الإِحْبَاطِ، إِشَارَةً إلى أَتْرَاحِ المَشْهَدِ السُّورِيِّ الرَّثِيمِ، وبعدَ الإِسْهَابِ القَصِّيِّ في بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الرَّنِيمِ، تلك الأَسْبَابِ التي تَأَزَّمَتْ أَخِيرًا في وُقُوعِ السُّورِيَّاتِ والسُّورِيِّينَ، أَيَّامَ غُلِبُوا عَلى أَمْرِهِمْ وأَيَّامَ غُرِّرَ أَيَّمَا تَغْرِيرٍ بِهِمْ، في وُقُوعِهِمْ بَيْنَ فَكَّيْ نظامَيْنِ طُغْيَانِيَّيْنِ تَكَتُّلِيَّيْنِ يتقاتَلانِ تقاتُلاً هَمَجيًّا على السِّيَادةِ والنُّفُوذِ في أَرْضِ الشَّآمِ، من جِهَةٍ أولى، ويَتَبَارَيَانِ تَبَارِيًا لَا يَقِلُّ هَمَجيَّةً عَلى إِخْمَادِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّوريَّةِ باسْتنفَارِ شتَّى أَوْلَادِ الحَرَامِ، من جِهَةٍ أُخرى (اُنْظُرَا تَقْرِيرَهُ المَعْنِيَّ، «السودانُ والربيعُ العربيُّ»، القدس العربي، 6 أيار 2019). وهٰذانِ النِّظامَانِ الطُّغْيَانِيَّانِ التَّكَتُّلِيَّانِ هُمَا: نظامُ السُّحْتِ الأسديُّ الإجْرَامِيُّ العَمِيلُ بِقَرْنَيْهِ الرُّوسيِّ والإيرانيِّ الجَلِيَّيْنِ (إضافةً إلى قُرُونِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بِمَا فِيهَا إسرائيلُ)، أَوَّلًا، ونظامُ الزِّفْتِ السُّعُوديُّ النَّهْيَانيُّ الاِجْتِرَامِيُّ الأَجَلُّ عَمَالَةً بِمَخَالبِهِ الجَلِيَّةِ من أَشْتَاتِ المُتَوَحِّشِينَ التكفيريِّينَ والظلاميِّينَ (فَضْلًا عنْ مَخَالِبِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بِمَا فِيهَا إسرائيلُ كذاكَ)، ثانيًا – فـ«شَجَاعَةُ» السُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ في تحطيمِ جُدْرَانِ الخَوْفِ، ولا ريبَ فِيهَا بَتَّةً أَيْضًا، ليستْ مُنْعَدِمَةً عَلى الإِطْلَاقِ في أَذْهَانِ الجزائريَّاتِ والجزائريِّينَ (ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ أَيٍّ من الشُّعُوبِ التي ثَارَتْ والتي لَمْ تَثُرْ بَعْدُ)، حتَّى يَفْتَتِحَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ بلاغيَّاتِهِ التَّخْيِيريَّةَ بتلكَ «الشَّجَاعَةِ» المُثْلَى متفرِّدًا بالسُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ، دُونَ غَيْرِهِنَّ ودُونَ غَيْرِهِمْ، ودُونَ أَنْ يَخْتَتِمَ البلاغيَّاتِ ذَاتَهَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هٰذِهِ «الشَّجَاعَةَ» المُتَحَدَّثَ عنهَا بالذاتِ إِنَّمَا اسْتَقَتْ بَريقَهَا، بِنَحْوِهَا هي الأُخْرَى، مِنْ «شَجَاعَاتِ» مَنْ قَوَّضْنَ ومَنْ قَوَّضُوا جُدْرَانَ الخَوْفِ ذَوَاتِهَا قبلَ تِيكَ «السَّنَوَاتِ العِجَافِ»، ومِنْ قُدَّامِ أَنْظِمَةٍ طُغْيَانِيَّةٍ أَكْثَرَ وَحْشِيَّةً وأَكْثَرَ بَرْبَرِيَّةً وحُوشِيَّةً – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

[انتهى القسم التاسع من هٰذا المقال ويليه القسم العاشر]

*** *** ***

دبلن (إيرلندا)،
29 أيلول 2023

/ تحديثًا عن الحوار المتمدن
غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاْءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَاْرِيُّ: طُغَاْةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاْةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (9) (ahewar.org)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى