بمناسبة اليوم العالمي للترجمة :
- العالم الثالث/ العالم الأول والترجمة بوصفها هجرة في اللغة:
يتناص عنوان هذه الدراسة مع السؤال الآتي الذي طرحته المنظرة الهندية تيجاسويني نيرانجانا1 - وهي تتعامل مع السياسة الثقافية للترجمة باعتبارالترجمة وسيلة للهيمنة الامبريالية الغربية :
-كيف يمكن ترجمة العالم الثالث ؟
إلا أنه إذا كانت نيرانجانا تركزعلى التبعات و العواقب السياسية والإيديولوجية الناجمة عن اختيار الترجمة بين لغة المستعمِـر ولغة المستعمـَر والعكس - مع العلم أن بعض هذه العواقب قد أضاءتها مواطنتها المفكرة غياتري سبيفاك في بحثها حول "سياسات الترجمة"2 - فإنني أسعى في المقابل إلى تناول "العالم الثالث" بوصفه ظاهرة ترجمية ، أي باعتباره يقع في قلب "العالم الأول" وليس خارجه3 ، تماما كما يقع "العالم الأول" في قلب "العالم الثالث" . مما يفيد ، أنني أنظر إلى " العالم الثالث" بوصفه كيانا حضاريا مركزيا في مقابل "العالم الأول"، وليس العنصر الأضعف في سلسلة الثنائيات الحدية : مركز / هامش، قوي / ضعيف، داخل / خارج، ومتقدم / في طريق النمو.
ولا يعني هذا الطرح بأي شكل من الأشكال الاتفاق مع المفهوم التبسيطي والامبريالي في آن واحد لظاهرة الترجمة مقرونة بادعاءات تشييد القرية الكونية، أي مع ما يشاع من قبل رعاة العولمة بأن "الترجمة أصبحت لغتنا الأم في عالمنا المعولم"4، لأن ما يعتبر عالم"نا "-كما حق لسبيفاك أن تسجل مستغربة -ليس واحدا ومتجانسا وثلاثة أرباع العالم لا تعد من رعاياه5 بمن فيهم المهاجر؟ن الذين يحملون "عالمهم الثالث" داخلهم وداخل عقول ونظرات سكان" العالم الأول".
هكذا أجد نفسي وأنا أتأمل في التطورات السريعة التي عرفتها الكتابة الأدبية عبرالعالم -وعرفتها بالتالي نظريات الترجمة- قريبة جدا من منظورسوزان باسنيت وهاريش تريفيدي6 اللذين إذ يريان أن علاقات القوة تنشأ في الصراع اللامتكافئ بين لغات محلية مختلفة و" اللغة المسيطرة (اللغة الانجليزية) في عالمنا مابعد -الاستعماري" - يثيران الانتباه إلى الرابطة القوية بين ما هوترجمي وما هو عابر للحدود القومية، حيث يشيرالمصطلح الأخير في الوقت ذاته إلى أولئك الذين يحسبون على مرحلة مابعد- الاستعمار، وأولئك الذين يعيشون بين الأمم كمهاجرين كما في حالة سلمان رشدي التي ركز عليها هومي بابا/ 1994 .
2- العالم الثالث ظاهرة ترجمية وبعدا من أبعاد الفرنكفونية:
يتمظهر العالم الثالث، ممثلا في المغرب والدول المغاربية تعميما، ظاهرة ترجمية في الحالات الآتية :
- في أثناء الكتابة بلغة الآخر .
-في أثناء الترجمة الذاتية إلى لغة الآخر .
-في أثناء محاولات استعادة ما يظن أنه ملك خاص.
-في أثناء الترجمة إلى لغة المركز.
من أجل إضاءة التوظيف الإيديولوجي للترجمة سأبتعد قليلا عن حالة الكتاب المغارببيين الفرنكفونيين، لأتأمل العنوان الذي وضعته مجلة "حضور إفريقي"7 للقاء الذي خصصته سنة 2015 بهدف تقديم الترجمة الفرنسية لإحدى مسرحيات الكاتب الإفريقي الأنجلوفوني وول سوينكا8، بمقر المنظمة العالمية للفرنكفونية بباريس :
Traduire en français : une dimension essentielle de la Francophonie et du panafricanisme.
يبدو لي - بالرغم من استحضاري لتاريخ المجلة9، ولما عرفه هذا اللقاء من جدل حول لغات إفريقيا بحضور المؤلف انتهى إلى اعتبار الترجمة تعميما "قدر إفريقيا"، بمعنى ركيزة أساسية لوحدتها- يبدو لي أن اختيار هذا العنوان الذي يربط الوحدة الإفريقية بالترجمة من الانجليزية إلى الفرنسية، اختيار يترجم قلق حماة الفرنسية من هيمنة الإنجليزية. خاصة وأن "دول" منظمة الوحدة الإفريقية هي" الأكثر ساكنة ناطقة بالإنجليزية، مما يجعل البعض يرى أن التجمع الفرنكفوني، إفريقييا، إن هو إلا تجمع عديمي الأرصدة"، إذ أن أقل من 10 في المائة من سكان القارة يتكلمون الفرنسية 10".
وبما أن منظمة الفرنكفونية تدعم الترجمة إلى الفرنسية باعتبارها وسيلة لتعزيز وترويج الفرنسية وتكريس الازدواجية اللغوية في مستعمراتها السابقة لفائدة الفرنسية بتعاون مع المنظمات المحلية، أجدني أتساءل وأنا أستحضر حالة البلدان المغاربية، عن معنى الجهود التي تبذلها منظمة الفرنكفونية لتمويل مشاريع ترجمات من العربية إلى الفرنسية مرفقة بإحداث جوائز(جائزة ابن خلدون- سنغور / جائزة الأطلس) بعد اتساع رقعة توظيف الإنجليزية ؟
إنها عملية من ضمن عمليات أخرى- يائسة في الغالب - لتحصين المناطق التي تعتبرها ملكا ثقافيا لها من الغزو الأنجلوسكسوني ومن مد الكتابة بالعربية المتسارع في هذه البلدان.
الهوامش
- Tejaswini Niranjana, Siting Translation : History, Post-Structuralism, and the colonial context,University of Clifornia Press 1992.
2 - Gayatri Chakravorty Spivak, The politics of translation, 1993/20004.
3- لمقاربة الموضوع من زوايا متقاطعة ، انظر :
-Jacques Derrida ,L’Autre cap,Eds de minuit , Paris, 1991.
- Edgard Morin , Penser l’Europe ,Gallimard, 1987.
4- ديباجة ندوة شاركت فيها سبيفاك سنة 2008.
5 - Gayatri Chakravorty Spivak, D’autres pensées sur la traduction culturelle, traduit par Pierre Rusch, Transversal , texts , eipcp , 2008
6 - Susann Bassnett /Harish Trivedi, Post-Colonial Translation : Theory and Practice, Psychology Press, 1999.
7- Présence africaine, 19 décembre 2014
8- Opera Wonyosi, traduit par Christiane Fioupou, Eds Présence Africaines , 2014.
9 - تم تأسيس هذه المجلة سنة 1947 من قبل أليون ديوب، بهدف إعادة الاعتبار للثقافة الافريقية في المشهد العالمي.
10 بنسالم حميش ، الفرنكفونية ومأساة أدبنا الفرنسي ، سلسلة المعرفة للجميع،ع23، 2002.
فاتحة الطايب
- العالم الثالث/ العالم الأول والترجمة بوصفها هجرة في اللغة:
يتناص عنوان هذه الدراسة مع السؤال الآتي الذي طرحته المنظرة الهندية تيجاسويني نيرانجانا1 - وهي تتعامل مع السياسة الثقافية للترجمة باعتبارالترجمة وسيلة للهيمنة الامبريالية الغربية :
-كيف يمكن ترجمة العالم الثالث ؟
إلا أنه إذا كانت نيرانجانا تركزعلى التبعات و العواقب السياسية والإيديولوجية الناجمة عن اختيار الترجمة بين لغة المستعمِـر ولغة المستعمـَر والعكس - مع العلم أن بعض هذه العواقب قد أضاءتها مواطنتها المفكرة غياتري سبيفاك في بحثها حول "سياسات الترجمة"2 - فإنني أسعى في المقابل إلى تناول "العالم الثالث" بوصفه ظاهرة ترجمية ، أي باعتباره يقع في قلب "العالم الأول" وليس خارجه3 ، تماما كما يقع "العالم الأول" في قلب "العالم الثالث" . مما يفيد ، أنني أنظر إلى " العالم الثالث" بوصفه كيانا حضاريا مركزيا في مقابل "العالم الأول"، وليس العنصر الأضعف في سلسلة الثنائيات الحدية : مركز / هامش، قوي / ضعيف، داخل / خارج، ومتقدم / في طريق النمو.
ولا يعني هذا الطرح بأي شكل من الأشكال الاتفاق مع المفهوم التبسيطي والامبريالي في آن واحد لظاهرة الترجمة مقرونة بادعاءات تشييد القرية الكونية، أي مع ما يشاع من قبل رعاة العولمة بأن "الترجمة أصبحت لغتنا الأم في عالمنا المعولم"4، لأن ما يعتبر عالم"نا "-كما حق لسبيفاك أن تسجل مستغربة -ليس واحدا ومتجانسا وثلاثة أرباع العالم لا تعد من رعاياه5 بمن فيهم المهاجر؟ن الذين يحملون "عالمهم الثالث" داخلهم وداخل عقول ونظرات سكان" العالم الأول".
هكذا أجد نفسي وأنا أتأمل في التطورات السريعة التي عرفتها الكتابة الأدبية عبرالعالم -وعرفتها بالتالي نظريات الترجمة- قريبة جدا من منظورسوزان باسنيت وهاريش تريفيدي6 اللذين إذ يريان أن علاقات القوة تنشأ في الصراع اللامتكافئ بين لغات محلية مختلفة و" اللغة المسيطرة (اللغة الانجليزية) في عالمنا مابعد -الاستعماري" - يثيران الانتباه إلى الرابطة القوية بين ما هوترجمي وما هو عابر للحدود القومية، حيث يشيرالمصطلح الأخير في الوقت ذاته إلى أولئك الذين يحسبون على مرحلة مابعد- الاستعمار، وأولئك الذين يعيشون بين الأمم كمهاجرين كما في حالة سلمان رشدي التي ركز عليها هومي بابا/ 1994 .
2- العالم الثالث ظاهرة ترجمية وبعدا من أبعاد الفرنكفونية:
يتمظهر العالم الثالث، ممثلا في المغرب والدول المغاربية تعميما، ظاهرة ترجمية في الحالات الآتية :
- في أثناء الكتابة بلغة الآخر .
-في أثناء الترجمة الذاتية إلى لغة الآخر .
-في أثناء محاولات استعادة ما يظن أنه ملك خاص.
-في أثناء الترجمة إلى لغة المركز.
من أجل إضاءة التوظيف الإيديولوجي للترجمة سأبتعد قليلا عن حالة الكتاب المغارببيين الفرنكفونيين، لأتأمل العنوان الذي وضعته مجلة "حضور إفريقي"7 للقاء الذي خصصته سنة 2015 بهدف تقديم الترجمة الفرنسية لإحدى مسرحيات الكاتب الإفريقي الأنجلوفوني وول سوينكا8، بمقر المنظمة العالمية للفرنكفونية بباريس :
Traduire en français : une dimension essentielle de la Francophonie et du panafricanisme.
يبدو لي - بالرغم من استحضاري لتاريخ المجلة9، ولما عرفه هذا اللقاء من جدل حول لغات إفريقيا بحضور المؤلف انتهى إلى اعتبار الترجمة تعميما "قدر إفريقيا"، بمعنى ركيزة أساسية لوحدتها- يبدو لي أن اختيار هذا العنوان الذي يربط الوحدة الإفريقية بالترجمة من الانجليزية إلى الفرنسية، اختيار يترجم قلق حماة الفرنسية من هيمنة الإنجليزية. خاصة وأن "دول" منظمة الوحدة الإفريقية هي" الأكثر ساكنة ناطقة بالإنجليزية، مما يجعل البعض يرى أن التجمع الفرنكفوني، إفريقييا، إن هو إلا تجمع عديمي الأرصدة"، إذ أن أقل من 10 في المائة من سكان القارة يتكلمون الفرنسية 10".
وبما أن منظمة الفرنكفونية تدعم الترجمة إلى الفرنسية باعتبارها وسيلة لتعزيز وترويج الفرنسية وتكريس الازدواجية اللغوية في مستعمراتها السابقة لفائدة الفرنسية بتعاون مع المنظمات المحلية، أجدني أتساءل وأنا أستحضر حالة البلدان المغاربية، عن معنى الجهود التي تبذلها منظمة الفرنكفونية لتمويل مشاريع ترجمات من العربية إلى الفرنسية مرفقة بإحداث جوائز(جائزة ابن خلدون- سنغور / جائزة الأطلس) بعد اتساع رقعة توظيف الإنجليزية ؟
إنها عملية من ضمن عمليات أخرى- يائسة في الغالب - لتحصين المناطق التي تعتبرها ملكا ثقافيا لها من الغزو الأنجلوسكسوني ومن مد الكتابة بالعربية المتسارع في هذه البلدان.
الهوامش
- Tejaswini Niranjana, Siting Translation : History, Post-Structuralism, and the colonial context,University of Clifornia Press 1992.
2 - Gayatri Chakravorty Spivak, The politics of translation, 1993/20004.
3- لمقاربة الموضوع من زوايا متقاطعة ، انظر :
-Jacques Derrida ,L’Autre cap,Eds de minuit , Paris, 1991.
- Edgard Morin , Penser l’Europe ,Gallimard, 1987.
4- ديباجة ندوة شاركت فيها سبيفاك سنة 2008.
5 - Gayatri Chakravorty Spivak, D’autres pensées sur la traduction culturelle, traduit par Pierre Rusch, Transversal , texts , eipcp , 2008
6 - Susann Bassnett /Harish Trivedi, Post-Colonial Translation : Theory and Practice, Psychology Press, 1999.
7- Présence africaine, 19 décembre 2014
8- Opera Wonyosi, traduit par Christiane Fioupou, Eds Présence Africaines , 2014.
9 - تم تأسيس هذه المجلة سنة 1947 من قبل أليون ديوب، بهدف إعادة الاعتبار للثقافة الافريقية في المشهد العالمي.
10 بنسالم حميش ، الفرنكفونية ومأساة أدبنا الفرنسي ، سلسلة المعرفة للجميع،ع23، 2002.
فاتحة الطايب