كان مرعوبا كقط صغير حاصرته الكلاب البرية، دموعه كالنهر وعيناه حمراوين، وهو يصرخ : لا، لا، لا.. لا أريد.
اقتربت منه واستخدمت كل أساليب الاغراء، استحضرت كل عبارات المعلمات والأمهات والجدات اللطيفات وبدأت أول مهمة لي في التعليم.
اممم كم أنت طفل لطيف وجميل، واضح أنك ذكي ايضا، ستكون تلميذا متفوقا، وستصبح طبيبا أو طيارا و مهندسا ناجحا...
نظر الي نظرة سريعة وخاطفة مليئة بكل المشاعر والأحاسيس السيئة: الخجل الخوف الألم الظلم القهر ... وقال: لا لا أريد لا أريد. ثم أدخل رأسه في حضن والده. وهو يردد أبي لا لا أريد يا أبي.
الأب. كيف لا تريد يا ولدي. لقد كبرت ويجب أن تلتحق بالمدرسة مثل زملائك. أنظر الجميع جالس في المقاعد ولا يبكون. أنت الوحيد الذي تبكي، لا تبك كي لا يستهزئ بك هؤلاء. انظر إنهم يرونك.
لا، لا، أريد. لا أريد. دعني أعود إلى البيت. لا أريد الدراسة.
وفي محاولة ثانية استحضرت كل عبارات الأئمة والأساتذة والدعاة وعلماء الذرة والبلاغة ونظرية الحجاج، وبدأت في مهمة الإقناع قائلة: كيف لا تريد الدراسة؟ والعلم نور، والجهل ظلام، العلم فريضة، اطلبوا العلم ولو في الصين.. حين تدرس تنجح وتحصل على عمل وتصير مليونيرا... الخ الخ الخ.
كل هذه الحجج والأدلة والطفل لم يتأثر ولم يغير رأيه. ظل يردد لا أريد لا أريد.. لا أريد أن أدرس.
في لحظة يأس من والده الذي بدا الدم في وجهه كقنبلة في الثانية الأخيرة، أمسك بيده وجره بالقوة نحو الطاولة فاستمسك الطفل بالباب بأطراف الأربعة وصوت صراخه قد ملأ المدرسة.
انتابني شعور بالعجز أمام هذا الموقف، املأت احساسا بثقل المسؤولية وشعورا بالفشل في أول مهمة حقيقية لي معلمة في المدرسة الابتدائية، يا إلهي ماذا سأفعل مع تلميذ عنيد كهذا؟!
كان يبكي ويصرخ بأعلى صوته ويردد لا، لا أريد لا أريد..
وفجاة بدأت اصرخ أنا أيضا، وأنا لا اريد لا أريد لا أريد.
صدم الجميع فساد هدوء رهيب، سكت الطفل أخيرا.
نظر والده إلي حائرا مستغربا صراخي، فأشرت إليه بأن دع الأمر لي.
ثم استانفت الدراما: وصرخت: لا، لا أريد تلميذا كهذا. لا أريد أن يدرس عندي. خذ ابنك إلى البيت، هو مرفوض.
هيا. انهض يا ولد عد إلى بيتك. هيا. هيا.
لا لا أريد..قال بصوت خافت.
وأنا لا أريد، قلت، ستعود إلى بيتك مع أبيك لن أعلمك. لن أقبلك عندي، لن أقبلك في قسمي، هيا عد الى البيت.
قال: لا،لا. قلت بلى سنعود، ليس الأمر كما تريد أنت. بل كما أريد أنا .
أشرت للأب أن قل شيئا، تدخل، وقال: سامحيه سيدتي دعيه يدرس، هو طفل ذكي ومطيع،.
أنا: لا، لا أريد، لا أريد، سأدرس هؤلاء الأطفال المطيعين فقط. لن ادرس ابنك. اسمعت يا سيد؟ هيا خذ ابنك وعد إلى البيت.
لا سيدتي أرجوك إقبليه في قسمك هو تلميذ لطيف وهادئ وعاقل. صدقيني سيدتي.
لا لا أريد. لا أريد.
الأب: أرجوك يا معلمة صدقيني سيكون أفضل تلميذ عندك. سترين.
لا لا أريد أن ادرس تلميذا عنيدا مثله. خذه أعده معك إلى البيت.
الأب: هيا يا ولدي، لنعد إلى البيت، المعلمة ترفض تدريسك.
لا لا أريد قال التلميذ بصوت خافت.
الاب: ما الذي لا تريده.
الابن لا اريد العودة إلى البيت.
هيا عد إلى بيتك مع والدك لن تدرس عندي. أنا الآن من لا تريد. هيا عد. هيا.
التلميذ: لا لا أريد.
الأب. ادخل القسم بسرعة، واجلس على الطاولة. هيا أسرع كي لا تغضبها أكثر. ولن تسمح لك بالدراسة. أسرع أسرع.
سار بخطوات بطيئة وخائفة نحو الطاولة، وأنا أصرخ: قلت لا لا أريدك، عد إلى بيتك. لا اريدك في قسمي. رد بصوت خافت مملوء بالدموع (قطع قلبي العنيد): لا لا دعيني، لن أعود، سابقى لأدرس.
جلس بصمت يتلفت يمينا وشمالا يتأمل وجوه زملائه وكل النظرات المملوءة بالاستغراب والشفقة مصوبة نحوه، وقد ساد القسم هدوء غير معهود. ثم بدأت الدموع تجف من خديه الناعمتين المتوردتين المتورمتين من البكاء.
أشرت إلى والده أن اطمئن وغادر بسرعة قبل أن يغير رأيه، ويقول لك (لا أريد). #ربيعةب
ربيعة برباق
قصة حقيقية حدثت أول أيام التحاقي بالتعليم
اقتربت منه واستخدمت كل أساليب الاغراء، استحضرت كل عبارات المعلمات والأمهات والجدات اللطيفات وبدأت أول مهمة لي في التعليم.
اممم كم أنت طفل لطيف وجميل، واضح أنك ذكي ايضا، ستكون تلميذا متفوقا، وستصبح طبيبا أو طيارا و مهندسا ناجحا...
نظر الي نظرة سريعة وخاطفة مليئة بكل المشاعر والأحاسيس السيئة: الخجل الخوف الألم الظلم القهر ... وقال: لا لا أريد لا أريد. ثم أدخل رأسه في حضن والده. وهو يردد أبي لا لا أريد يا أبي.
الأب. كيف لا تريد يا ولدي. لقد كبرت ويجب أن تلتحق بالمدرسة مثل زملائك. أنظر الجميع جالس في المقاعد ولا يبكون. أنت الوحيد الذي تبكي، لا تبك كي لا يستهزئ بك هؤلاء. انظر إنهم يرونك.
لا، لا، أريد. لا أريد. دعني أعود إلى البيت. لا أريد الدراسة.
وفي محاولة ثانية استحضرت كل عبارات الأئمة والأساتذة والدعاة وعلماء الذرة والبلاغة ونظرية الحجاج، وبدأت في مهمة الإقناع قائلة: كيف لا تريد الدراسة؟ والعلم نور، والجهل ظلام، العلم فريضة، اطلبوا العلم ولو في الصين.. حين تدرس تنجح وتحصل على عمل وتصير مليونيرا... الخ الخ الخ.
كل هذه الحجج والأدلة والطفل لم يتأثر ولم يغير رأيه. ظل يردد لا أريد لا أريد.. لا أريد أن أدرس.
في لحظة يأس من والده الذي بدا الدم في وجهه كقنبلة في الثانية الأخيرة، أمسك بيده وجره بالقوة نحو الطاولة فاستمسك الطفل بالباب بأطراف الأربعة وصوت صراخه قد ملأ المدرسة.
انتابني شعور بالعجز أمام هذا الموقف، املأت احساسا بثقل المسؤولية وشعورا بالفشل في أول مهمة حقيقية لي معلمة في المدرسة الابتدائية، يا إلهي ماذا سأفعل مع تلميذ عنيد كهذا؟!
كان يبكي ويصرخ بأعلى صوته ويردد لا، لا أريد لا أريد..
وفجاة بدأت اصرخ أنا أيضا، وأنا لا اريد لا أريد لا أريد.
صدم الجميع فساد هدوء رهيب، سكت الطفل أخيرا.
نظر والده إلي حائرا مستغربا صراخي، فأشرت إليه بأن دع الأمر لي.
ثم استانفت الدراما: وصرخت: لا، لا أريد تلميذا كهذا. لا أريد أن يدرس عندي. خذ ابنك إلى البيت، هو مرفوض.
هيا. انهض يا ولد عد إلى بيتك. هيا. هيا.
لا لا أريد..قال بصوت خافت.
وأنا لا أريد، قلت، ستعود إلى بيتك مع أبيك لن أعلمك. لن أقبلك عندي، لن أقبلك في قسمي، هيا عد الى البيت.
قال: لا،لا. قلت بلى سنعود، ليس الأمر كما تريد أنت. بل كما أريد أنا .
أشرت للأب أن قل شيئا، تدخل، وقال: سامحيه سيدتي دعيه يدرس، هو طفل ذكي ومطيع،.
أنا: لا، لا أريد، لا أريد، سأدرس هؤلاء الأطفال المطيعين فقط. لن ادرس ابنك. اسمعت يا سيد؟ هيا خذ ابنك وعد إلى البيت.
لا سيدتي أرجوك إقبليه في قسمك هو تلميذ لطيف وهادئ وعاقل. صدقيني سيدتي.
لا لا أريد. لا أريد.
الأب: أرجوك يا معلمة صدقيني سيكون أفضل تلميذ عندك. سترين.
لا لا أريد أن ادرس تلميذا عنيدا مثله. خذه أعده معك إلى البيت.
الأب: هيا يا ولدي، لنعد إلى البيت، المعلمة ترفض تدريسك.
لا لا أريد قال التلميذ بصوت خافت.
الاب: ما الذي لا تريده.
الابن لا اريد العودة إلى البيت.
هيا عد إلى بيتك مع والدك لن تدرس عندي. أنا الآن من لا تريد. هيا عد. هيا.
التلميذ: لا لا أريد.
الأب. ادخل القسم بسرعة، واجلس على الطاولة. هيا أسرع كي لا تغضبها أكثر. ولن تسمح لك بالدراسة. أسرع أسرع.
سار بخطوات بطيئة وخائفة نحو الطاولة، وأنا أصرخ: قلت لا لا أريدك، عد إلى بيتك. لا اريدك في قسمي. رد بصوت خافت مملوء بالدموع (قطع قلبي العنيد): لا لا دعيني، لن أعود، سابقى لأدرس.
جلس بصمت يتلفت يمينا وشمالا يتأمل وجوه زملائه وكل النظرات المملوءة بالاستغراب والشفقة مصوبة نحوه، وقد ساد القسم هدوء غير معهود. ثم بدأت الدموع تجف من خديه الناعمتين المتوردتين المتورمتين من البكاء.
أشرت إلى والده أن اطمئن وغادر بسرعة قبل أن يغير رأيه، ويقول لك (لا أريد). #ربيعةب
ربيعة برباق
قصة حقيقية حدثت أول أيام التحاقي بالتعليم