محمد محمود غدية - سحب رمادية

مع آخر رشفة من فنجان القهوة إستكانت كآبته وهدأت، خمسيني خرج فى معاش مبكر زمن الخصخصة أو المصمصة، متزوج لم يرزق بالأبناء، رفض الزواج بآخرى حين طالبته أمه لرغبتها فى رؤية أبنائه قبل أن تموت، قائلا : ماذا لو أصابني العقم
هل تتزوج زوجتي بآخر ؟
عمل ساع فى فى إحدى المؤسسات، أحبه الجميع
يقرأ الصحف التى فرغ الموظفين من قراءتها،
الحياة لا تعطينا كل مانريد، الحكمة تخرج من فمه مثلما تخرج القهوة من يده بمذاق طيب، هضيم الوجه مثلثه، يتمتع بذلك اللون الأسمر الأشبه بطمي النيل، واسع العينين شاردهما، زحف البياض بشعره فأكسبه مسحة من وقار،
ذات يوم تلقى مكالمة تليفونية، سقط بعدها على المقعد دون أن يقوي على القيام والحركة، ماتت زوجته وإنطفأت الشمس وغربت وهى فى عنفوان وهجها، مزقته الوحدة ونهشت روحه، ليتزوج بأربعينية بعد سنة من رحيل زوجته، لم يسبق لها الزواج، إستكانت روحه وهدأت بعد أن أنجبت له توأم، هى المصائر التى
لا يصنعها أحد، قل لمن يحمل هما إن الهم لا يدوم، الجميع شارك بالهدايا وملابس الطفين الجميلين والتى كانت الشمس تشرق من شقائق خدهما، ماأجمل أن تخضر صحارى العمر، لمعت فى عينيه إشراقة بعد أن أوشكت على الإنطفاء، ترى هل كان فى عجلة من أمره وهو يعتصر من الزمن الشحيح كل قطرات الفرح التى غادرته
فى سنواته المجدبة ؟ ليموت بعد شهور ستة من ولادة طفليه، لتذهلنا الحياة بمنطقها غير المتوقع، فى أشياء نخاف أن نواجهها
أو نتعمق فى فهمها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى