يوسف عبود جويعد - السلطان

الطريق طويل جداً . الشارع خال الا من مركبات تتلألأ اضويتها من بعيد ، الاشجار على يميني وعلى يساري ، وامامي ، تهرب خلفي ، كأنها فزعة خائفة ، الارض قاحلة ، صحراء ، سواد الليل جعلها كأنها شبح كبير مخيف ، الركاب ما ان وصلوا الى مقاعدهم وجلسوا حتى غطوا في نوم عميق ، كأنهم لم يناموا من قبل ، المركبة الطويلة التي تسع لاربعين راكباً بعد ان اطفئت اضويتها ، بدت وكأنها زقاق موحش ، النعاس بدأ يتسرب الى بدني ، اشتاق لاغفاءة عميقة في فراش وفير دافئ، اريد ان اغط في نوم عميق ، اشعر بأن جفني عيني ثقيلتين ، بل انها بدأت تنزل شيئاً فشيء ، كأنها ظلفة باب تنسدل بهدوء ، قل توازني في قيادة المركبة وبدأت تتجه الى اليمين بسرعة ، انتبهت ، امسكت مقود المركبة باحكام . خففت من سرعة المركبة ، عادت الى حالتها الطبيعية ، لم ينتبه احد من الركاب ، همست بداخلي (النوم سلطان ) ، عاد الهدوء يسود اركان الدنيا ، والسكون يطغي على كل الاشياء الهاربة خلفي ، شعرت بالنعاس يتسلل الى بدني ، هذا لاني لم اخذ كفايتي من النوم ، واجهت صعوبة كبيرة وانا احاول ابقاء عيني مفتوحتين ، اشعلت الضوء متعمداً لايقاظ الركاب ، ركنت على حافة الطريق ، اوقفت المركبة ، ترجلت منها ، احدهم فتح زجاج النافذة وحدثني وهو يتثاءب

– خير ان شاء الله . مالامر

– لاشيء . اريد غسل وجهي غلق النافذة ، اخبرهم بما حدث ، استندوا على المقاعد وغطوا بالنوم ، غسلت وجهي ، لفحني نسيم بارد ، لذيذ ، عذب ، احسست بشيء من النشاط ، انطلقت بالمركبة وانا ادعو الله ان يجعل العاقبة على خير ، نيام ، نيام ، لا احد يعرف ماذا يحدث ؟ . لا احد يعرف خطورة مايحدث ، عبثت بمؤشر المذياع ، تركته على الاخبار ، لازال الدرب طويلاً ، ولا زال النعاس يسيطر على كل مسامات بدني ، عيناي مثقلتان ، مالحل ؟ ، ماذا افعل ؟ ، كيف اتخلص من هذا السلطان الطاغي الذي يريد ان يقودنا الى الهلاك ، الكل نيام ؟ . البيوت ، البساتين ، الاشجار ، الحيوانات ، الطيور ، كل دواب الارض نيام ؟ . وسواد الليل يعسعس ، يزداد الظلام ، سواد من كل جانب ، ساستخدم طريقة اخرى للتخلص من هذا النعاس ، فتحت ازرار قميصي ، بدأت اقطع الشعر المزروع في صدري بكل قوة ، احسست بالالم ، الا ان هذا الالم استطاع ان يوقف تيار الوسن المندفع الى اعماقي ، احسست بالانتباه ، قضيت وقت قصير اقطع الشعر وانتهى الامر ، سأجرب وسيلة اخرى ، سأغني لكي ابقى منتبهاً ،

– (( يانبعة الريحان حنى على الولهان ، حنى على الولهان ))

انتبه احدهم وبصوت مثقل بالنعاس

– ماذا دهاك يا رجل ؟ نريد ان ننام

– ناموا انتم ، اريد ان اسلي نفسي ، الصمت ثقيل

مارس طقوس النوم ، دون ان يعلق ، رددت كل الاغاني التي حفظتها ، استغفرت الله ، كأني اغرق داخل هذا السكون ، اغور في الاعماق ، لا صوت ، لا هسيس ، لا حفيف شجر ، كل شيء ساكت ، الظلمة تغلف اركان الدنيا ، السواد يحيطني من كل صوب ، و انا اصارع هذا السلطان الذي استفحل الى حد صار يهددني

باغفاءة قاتلة ، اشعر انني لو استسلمت لهذا السلطان فأنني سأنام عاماً كاملاً ، ماذا افعل ؟ استخدمت كل الطرق والاساليب التي من شأنها ان تطرد هذا النعاس من عيني ، ولم افلح ، هيمن على بدني ، هيمن على كل ارجاء جسمي ، صار يهددني بالخطر ، وانا احمل امانة في اعناقي ، انهم نيام ، اخر طريقة وهي الاخيرة ، اوقفت المركبة ، استنشقت هواء نقياً ، حركت جسدي يميناً ويساراً ، نظرت الى نخلة باسقة بعيدة ، سأهرول نحوها ، حتى اطرد هذا النعاس ، انطلقت ، ركضت ، ركضت ، اسمع وقع اقدام خلفي ، الا انني لم التفت ، وما ان وصلت الى مكان النخلة ، هب الضجيج ، نظرت خلفي وجدت ان الركاب قد تبعوني يهرولون خلفي ، صاح احدهم

– ماذا حدث ؟

ضحكت بصوت عال وانا اتخيل هذا الجمع الغفير وهم يركضون خلفي

– لا شيء ؟ زال الخطر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى