يرهبني الزّمنُ الملعونُ، الضّبابُ الحكيمُ، والصّمتُ الكاذبُ،
لا أعرفُ لماذا؟
تُحبُّني الأمكنة القلقةُ، والأمكنةُ اللّعوبُ العتيقةُ،
وأعرفُ لماذا!
لي مِن الليل، غرورهُ وركامهُ.
وللنّهارِ منّي غروبهُ وتهوّرهُ.
تصغُرني أمّي بسبعِ أوطانٍ شريدة،
وديواني حُزن.
يخجلُ الفجرُ من النّظرِ في عينيها،
ويخافُ الماءُ مغادرةَ يديها.
***
أنا أكبرُ مِن أبي،
بسبع مصاحف للعشيقات،
ومدينتين شقراوين، نائيتين، على تخومِ الموتِ،
مكتظّتين بجماعاتٍ سرّيّة.
سماري برارٍ اتخذها إسرافيل مخبأً،
وشقاري قصيدةٌ خطّها إبليس على شاهدةِ قبرهِ.
يكبرني أبي، بسبع قرى، ابتلعها زلزالٌ جائع،
ويصغرني بحربين؛ لم يُعلنها أحد على أحد.
أبي الذي كان يديرُ ماخورًا في رأسهِ، ترتادهُ اليعاسيب،
وعشّاقُ سميرة توفيق ودورا بندلي،
وعدني أن يصطحبني إلى بارٍ يمتلكهُ أرمني في حلب.
لكنّهُ غادرنا، تاركًا باب اليُتمِ والفقرِ مفتوحًا خلفهُ.
أبي الذي لم أشبعْ من حضوره،
لم أشبعْ من غيابهِ أيضًا،
أيقظني هذه اللّيلة، وقال:
قمْ واكتبْ قصيدةً، أتفاوضُ بها مع الموت.
قصيدةٌ أتفاخرُ بها أمام عشيقاتي على مسرح الخيبة.
ألوّح بها كقنِينة نبيذ أحمر، لقدرٍ ودودٍ، ثملٍ ومقامر.
قصيدةٌ تعيلني على طيشي وحنيني.
تأخذُ بيدي، إذا نال منّي الخَرَفُ والنّومُ اللّدودُ.
***
أنا أكبر إخوتي الاثني عشر.
أصغَرُهم؛ يَكبُرُني بكرمِ زيتون.
وأكبَرُهم؛ يَصغرُني بمئة خرزةٍ من خرزات سُبحة أمّي.
كلّ صباح، أفقدُ واحدًا منهم في زلزال عابرٍ فاحش.
وفي المساء، أعثرُ عليهِ تحت أنقاضي.
معفّرًا بالحنين، يعانقني،
يضمّني إلى الأعمال الكاملةِ للطّيش،
كـ هاءٍ مفتوحةٍ عينها على البؤس،
و واوٍ مكسورٍ قلبهُ،
و كافٍ لا تكتفي بخيالٍ نازفٍ يصهلُ.
ثمّ يغادرني أخي إلى صورنا القديمة.
***
سعادتي بلا حدود.
أسرتي في ازديادٍ مُرعب.
تُنقِصُ الحياةُ منها فردًا،
فيضيفُ الموتُ إليها ألفَ شخص.
أسرتي التي تحبّني حدَّ القتل،
كلّما أتيتُها جريحًا؛ تستقبلني بالورودِ السّوداء
النّابتة على كتفيّ المجاز،
وتودّعني بقلادةٍ من خصى الدّيكة، الذّئاب، والثّيران.
هكذا نحن، مُذ فتحنا أعيننا على التُّراب:
عائلةٌ من تعبٍ وطينٍ وآلامٍ ضريرة،
من نسلِ الخُرافة، ترفضُ الانقراض.
17/2/2023
أوستند - بلجيكا
لا أعرفُ لماذا؟
تُحبُّني الأمكنة القلقةُ، والأمكنةُ اللّعوبُ العتيقةُ،
وأعرفُ لماذا!
لي مِن الليل، غرورهُ وركامهُ.
وللنّهارِ منّي غروبهُ وتهوّرهُ.
تصغُرني أمّي بسبعِ أوطانٍ شريدة،
وديواني حُزن.
يخجلُ الفجرُ من النّظرِ في عينيها،
ويخافُ الماءُ مغادرةَ يديها.
***
أنا أكبرُ مِن أبي،
بسبع مصاحف للعشيقات،
ومدينتين شقراوين، نائيتين، على تخومِ الموتِ،
مكتظّتين بجماعاتٍ سرّيّة.
سماري برارٍ اتخذها إسرافيل مخبأً،
وشقاري قصيدةٌ خطّها إبليس على شاهدةِ قبرهِ.
يكبرني أبي، بسبع قرى، ابتلعها زلزالٌ جائع،
ويصغرني بحربين؛ لم يُعلنها أحد على أحد.
أبي الذي كان يديرُ ماخورًا في رأسهِ، ترتادهُ اليعاسيب،
وعشّاقُ سميرة توفيق ودورا بندلي،
وعدني أن يصطحبني إلى بارٍ يمتلكهُ أرمني في حلب.
لكنّهُ غادرنا، تاركًا باب اليُتمِ والفقرِ مفتوحًا خلفهُ.
أبي الذي لم أشبعْ من حضوره،
لم أشبعْ من غيابهِ أيضًا،
أيقظني هذه اللّيلة، وقال:
قمْ واكتبْ قصيدةً، أتفاوضُ بها مع الموت.
قصيدةٌ أتفاخرُ بها أمام عشيقاتي على مسرح الخيبة.
ألوّح بها كقنِينة نبيذ أحمر، لقدرٍ ودودٍ، ثملٍ ومقامر.
قصيدةٌ تعيلني على طيشي وحنيني.
تأخذُ بيدي، إذا نال منّي الخَرَفُ والنّومُ اللّدودُ.
***
أنا أكبر إخوتي الاثني عشر.
أصغَرُهم؛ يَكبُرُني بكرمِ زيتون.
وأكبَرُهم؛ يَصغرُني بمئة خرزةٍ من خرزات سُبحة أمّي.
كلّ صباح، أفقدُ واحدًا منهم في زلزال عابرٍ فاحش.
وفي المساء، أعثرُ عليهِ تحت أنقاضي.
معفّرًا بالحنين، يعانقني،
يضمّني إلى الأعمال الكاملةِ للطّيش،
كـ هاءٍ مفتوحةٍ عينها على البؤس،
و واوٍ مكسورٍ قلبهُ،
و كافٍ لا تكتفي بخيالٍ نازفٍ يصهلُ.
ثمّ يغادرني أخي إلى صورنا القديمة.
***
سعادتي بلا حدود.
أسرتي في ازديادٍ مُرعب.
تُنقِصُ الحياةُ منها فردًا،
فيضيفُ الموتُ إليها ألفَ شخص.
أسرتي التي تحبّني حدَّ القتل،
كلّما أتيتُها جريحًا؛ تستقبلني بالورودِ السّوداء
النّابتة على كتفيّ المجاز،
وتودّعني بقلادةٍ من خصى الدّيكة، الذّئاب، والثّيران.
هكذا نحن، مُذ فتحنا أعيننا على التُّراب:
عائلةٌ من تعبٍ وطينٍ وآلامٍ ضريرة،
من نسلِ الخُرافة، ترفضُ الانقراض.
17/2/2023
أوستند - بلجيكا