سعيد الشحات - ذات يوم.. 30أكتوبر 1967 الشاعر نزار قبانى يكتب رسالة إلى جمال عبدالناصر يشكو مصادرة إبداعه فى مصر/ ورجاء النقاش يحملها من بيروت لتوصيلها

2
ذهب الكاتب الروائى اللبنانى سهيل إدريس، صاحب ورئيس تحرير مجلة «الآداب» اللبنانية إلى صديقه الشاعر نزار قبانى فى مكتبه ذات صباح فى بيروت، وقرأ له نزار قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» ومطلعها: «أنعى لكم يا أصدقائى، اللغة القديمة/ والكتب القديمة/ أنعى لكم.. كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة/ ومفردات العهر، والهجاء والشتيمة/ أنعى لكم.. أنعى لكم/ نهاية الفكر الذى قاد إلى الهزيمة».
3
أسرع سهيل بالقول لقبانى: أنشرها، أنشرها، فحذره قبانى: «القصيدة من نوع العبوات الناسفة التى قد تحرق مجلته، أو تعرضها للإغلاق أو المصادرة، ولا أريد أن أورطك وأكون سببا فى تدمير مجلتك»، رد سهيل: «إذا كان حزيران «(يونيو» قد دمر كل أحلامنا الجميلة، وأحرق الأخضر واليابس، فلماذا تبقى «الآداب» خارج منطقة الدمار والحرائق؟،هات القصيدة.
4
يكشف «قبانى» فى روايته للقصة فى كتابه «قصتى مع الشعر»، أنه أعطى القصيدة لسهيل، ويضيف: «صدقت توقعاتى وتوقعاته، إذ صودرت المجلة، وأحرقت أعدادها فى أكثر من مدينة عربية، وجلسنا فى بيروت، سهيل وأنا، نتفرج على ألسنة النار، ونرثى لهذا الوطن الذى لم تعلمه الهزيمة أن يفتح أبوابه للشمس وللحقيقة».
5
يذكر قبانى أن قصيدته تناسلت كما تتناسل الأرانب بشكل خرافى، كل نسخة كانت تلد عشر نسخ، وازدهرت عمليات النسخ والطبع على آلات الرونيو، وابتدأت ردود الفعل تأتى من كل مكان فى الوطن العربى، واستمرت القصيدة تتفاعل فى الوجدان العربى إيجابا وسلبا، واستمرت رسائل القراء وتعليقاتهم تتدفق قرابة ستة أشهر، حتى اضطر أصحاب الصحف والمجلات إلى إغلاق باب المناقشة باعتبارها خرجت عن نطاق المعقول».
6
يلخص «قبانى» سبب الهجوم عليه كما جاء على لسان مهاجميه: «أنا شاعر وهبت روحى للشيطان وللمرأة، وللغزل الفاحش، فلا يحق لى بالتالى أن أكتب شعر الوطنية، وأنا المسؤول الأول عن هزيمة حزيران، بما كتبته ونشرته خلال عشرين عاما، من شعر عاطفى ساعد على انحلال أخلاق الجيل الجديد، ولذا يجب شطب اسمى من قائمة العرب، أنا لست وطنيا، ولكننى أركب موجة الوطنية، وولادتى بعد حزيران «يونيو» كشاعر ثورى ولادة غير طبيعية».
7
تسللت القصيدة إلى مصر، رغم مصادرتها رسميا، وفقا للناقد رجاء النقاش فى كتابه «ثلاثون عاما من الشعر»، مضيفا: «بدأت حملة عنيفة ضد نزار وقصيدته، فجرها الشاعر صالح جودت، بمقال «امنعوا نزار قبانى» فى مجلة الكواكب، 12 سبتمبر 1967، تبعه بمقال «فضيحة نزار قبانى» فى 19 سبتمبر، قال فيه: «يعز علىّ أن أفقد صديقا عرفته منذ ربع قرن، ويحز فى نفسى أن أجدنى مضطرا إلى وضع اسم عربى فى قائمة المقاطعة»، وطالب فى هذا المقال الإذاعات العربية جميعا بمقاطعة أغانى نزار، والمكتبات العربية جميعا بمصادرة دواوينه، كما سعى إلى حشد آخرين لنفس موقفه، فاستكتب «أنيس منصور»، وذكر قصة قديمة على لسان الشاعر أحمد رامى بأن شعر نزار لا ينفع، وزعم أن نزار أرسل إلى أم كلثوم أكثر من وسيط لتغنى له، غير أنها رفضت قائلة: شعره لا يعجبنى ولا يهزنى بالمرة.
8
وذكر «جودت» أنه اتصل بالمطربة «نجاة الصغيرة» التى سبق وغنت لنزار قصيدتين هما «أيظن» و«ماذا أقول له؟»، وقرأ عليها قصيدة «هوامش على دفتر النكسة»، ثم أبدى أسفه لأن أغنيتيها لن يتم إذاعتهما، فردت: «فى ستين ألف داهية»، وحذرها من الإقدام على غناء قصيدة للشاعر اللبنانى سعيد عقل مطلعها «ورقة من الصدى، وأكتب اسما من ندى».
9
واصل «جودت» حملته الشنيعة فى «الكواكب»، عدد 3 أكتوبر 1967، بمقال جديد بعنوان «حول فضيحة نزار قبانى» رماه فيه بتهمة «الخيانة»، واللافت أن رجاء النقاش كان هو رئيس تحرير «الكواكب»، الصادرة عن «دار الهلال»، وكان أحمد بهاء الدين رئيس مجلس إدارتها، لكن «النقاش» وحسب تأكيده رأى أن يرد ردا عنيفا بمجلة «المصور»، وفوجئ بأن بعض موظفى الإذاعة والتليفزيون سارعوا إلى منع إذاعة أغانى نزار، ومنع اسمه نهائيا من أجهزة الإعلام استجابة لجودت.
10
فى هذه الأجواء سافر النقاش إلى بيروت، وزار نزار بمكتبه ومعه سهيل إدريس يوم 30 أكتوبر «مثل هذا اليوم» 1967، وتحدث «نزار» عن ألمه وضيقه مما حدث له فى مصر، فطرح «النقاش» عليه فكرة كتابة رسالة إلى عبدالناصر يشرح فيها الموقف، ويطالبه بعلاج الأمر، ووعده بأن يحملها إلى القاهرة، ويعمل على توصيلها إلى عبدالناصر بوسيلة ما، ووافق نزار. يؤكد النقاش، أن نزار سهر على كتابة رسالته فى نفس اليوم «30 أكتوبر 1967»، وتسلمها فى اليوم التالى، ليبدأ طريقه فى توصيلها إلى عبدالناصر، فماذا حملت؟ وكيف وصلت إلى عبدالناصر وما نتيجتها؟


.......................................................
ذات يوم
سعيد الشحات
اليوم السابع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى