جمعي شايبي - الدراما والسياسة.. رسالة ماجستر من كلية الإعلام بجامعة لبنان للأستاذة الفاضلة الكاتبة والصحفية : نجوى زيدان.

لقد طرقت الباحثة نجوى زيدان سبيلها فارتسمت لها أثناء مسيرها معالم نهجها . فكان لها أن سبقت حتى من درجوا قبلها ذات الدرب والطريق.
بحسها الإنتقائي البارع . وحسها النقدي الماتع . وقدرة على التحليل لا تخلو من الإدهاش. برصدها الحثيث للطروحات الدرامية . وشروحاتها المذهلة لإيحاءات الدراما الثقافية والسياسية المتوارية. فحق لي أن أقول : إن هذا الكتاب ثراء فكري رائع.
على مدار أربع سنوات كاملة تعقبت ببحثها علاقة الدراما السورية ووشائجها الوثيقة بسياسة الدولة التي كرست إعتمادها على نظرية الغرس الثقافي باستخدام الدراما كأداة ناجعة في ترويج وترسيخ الثقافة السياسية .
حتى غدت الدراما حقيقة البنت المدللة لأي نظام سياسي قائم.
إستهلت الباحثة مدخل بحثها بسرد تاريخ نشأة الدراما والتعريف بملهميها الكبار الذين ا ستنقذوها من غياهب العدم.. ثم تطرقت إلى سرد تاريخ الدراما العربية وأشهر عباقرتها العظام. لتخص بعدها الدراما السورية محل البحث فترة : ٢٠١٠ _ ٢٠١٤ م بالدراسة والتحليل بداية من ظهورها ثم سطوعها كظاهرة درامية عربية مائزة إلى مرحلة ركودها وأفول بريقها مع إلمام تام بأسباب النجاح والفشل داخلية كانت أو خارجية دخيلة.
لم تترك الباحثة شاردة ولا واردة من المحددات السياسية للدراما السورية إلا وذكرتها . فوهبتنا إطلاعا أوسع ودراية أشمل بواقع الدراما السورية وهي تخوض معركة بقائها وتقرير مصير وجودها في ظل تنافس غير شريف وبيئة فنية موبوءةبإغراءات الأموال النفطية وفروض الحصارات الخليجية المطبقة ومقاطعة عربية جائرة.. إضافة إلى واقع أمني بائس . كل ذلك بسبب أيديولوجيات متضاربة وأجندات إقليمية هادمة ..إذ لم يكن من مصلحة تلك الجهات غير البريئة ان ترتقي الدراما السورية بأرواح أشقائنا السوريين إلى مصاف الجمال الأمثل بأعمالها الدرامية المبهرة التي باتت مرجعية فنية وركنا ركينا لثقافتهم الوطنية والتي كان لها بالغ التأثير في صناعة الرأي العام ومزاج شعبها الراقي. حينما أتقنت فن اللعب على التراث المتخيل بنزعة وطنية وقومية نجحت إلى حد بعيد في الحفاظ على الذاكرة الشعبية .
لقد كشفت الباحثة من خلال أربعة عشرة مسلسلا سوريا كعينة لبحثها مدى علاقة الدراما بالخطاب السياسي .. ولا خلاف في أن الدراما العربية جميعها مذ نشأتها كانت ولا تزال تحكمها المحددات السياسية التي تراها الحكومات مناسبة لدعم سلطتها.
لكن هذا لا ينفي توافرها على أعمال فنية هي أرقى من أن تكون مجرد سلعة صناعية مستهلكة لا تصلح لغير التسلية وتمضية الوقت يتحكم في إنتاجها الإستثمار المالي الصرف.
ولقد كانت الساحة الفنية والثقافية السورية تزخر بكبار المبدعين من كتاب السيناريوهات والمخرجين البارعين وكوكبة من نجومها الممثلين المقتدرين إضافة إلى لهجة شامية تستعذبها ذائقة الجماهير .
وقد كان بإمكانها التربع كملكة لفترة أطول على عرش الفن الدرامي العربي بأكمله لولا وقوع ما وقع من ظلم في الداخل السوري وتآمر خارجي كان همه الأكبر ألا تقوم لشامة العرب قائمة وذلك مالن ينالوه بحول الله وقدرته.
فضلت أن أذيل صفحة مراجعتي المتواضعة المقتضبة بما شغلني من تساؤلات علني أسعد بما ستنورني به إجابات نقاد الدراما المحترمين كونهم أهل دراية واختصاص.
_ ١ _ أ صحيح أن الدراما جميعها ماهي في حقيقتها سوى صنيعة سياسية تخدم أيديولوجيات الأنظمة الحاكمة. وأن كل مؤسسات الإعلام الحديث مجرد أداة سيطرة إجتماعية ؟ .
_ ٢ _ كيف للدراما العربية أن تتنفس دون إنشاء قنوات خاصة تنهي تنفسها العسير من خرم القنوات العمومية ؟ .
_ ٣ _ هل تنوب الدراما عن الأحزاب السياسية الغائبة في انتقاد أنظمة الحكم الفاسدة وسياسات حكوماتها الفاشلة أم أنها ستكتفي بالسبات كما سبتت كل معارضة تصمتها عائدات النفط ووعود الحقائب الوزارية ؟ .
_ ٤ _ كيف نضمن النجاح للدراما التي تتجرأ على نقد الواقع السياسي والإجتماعي وتقول مالم تقله السياسية وكيف نصون حقها في العرض ونجنبها مقص الرقابة الطويل ومخالب المنع وأنياب التعتيم ؟ .
_ ٥ _ بما أن المسلسل عامل جيوثقافي عابر للحدود ومن خلال مايعرض اليوم من مسلسلات هل تعد تآمرا من المؤلف والمخرج والممثل على رؤية المشاهد وفكرته أم أنها مرآته الصقيلة التي تعكس أنقى صور تطلعاته الحقيقية ؟ .
_ ٦_ هل بإمكان حقولنا الثقافية ومدارسنا الفنية وعلى رأسها المسرح أن تدجج عقول روادها بالحس الفني والخبرة التقنية والوعي السياسي والإجتماعي لتمكينهم من تقديم متعة درامية مشبعة بالأفكار والقيم وتخريج كفاءات من المبدعين الفنيين بإمكانهم إنجاز أعمال فنية تساهم في صنع المعرفة بعيدا عن تلك الدراما التي لا تتأسس إلا على خلفيات واهية لا تصنع وعيا كونها أبعد مايكون عن قضايا المجتمع ومشاكله كالحب والخيانة الزوجية والإنتقام كموضة درامية ممجوجة ساهمت في تسخيف الثقافة ؟ .
_ ٧ _ كيف يمكننا إعادة بناء ركائز الدراما التي تتكئ على الإبداع النصي وجودة الرؤية الإخراجية وكفاءة ممثلوا أدوار مشاهدها وذائقة أصيلة للمتلقين في ظل تشتت هذه الخيوط التي تحوك باجتماعها عباءة اعمالها الناجحة ؟ .
_ ٨ _ هل استنفذت دراما الفانتازيا التاريخية متعتها وباتت مادة مبتذلة يطغى عليها التقليد والتكرار وكيف نجنبها صبغة الإستهلاكية القاتلة حتى تستعيد دورها وتحافظ على بريقها الأخاذ فتحفظ بذلك الذاكرة الشعبية وتصون مقومات الهوية ؟ .
_ ٩ _ باعتبار الدراما مادة فنية ومنتج ثقافي يساهم في إعادة تشكيل الحياة الإجتماعية لا مجرد سلعة سوقية كيف ينجح الفنان في الدفاع عن فنه في ظل ثورة تكنولوجية تسعى إلى أن تجعل من الفن سلعة تباع وتشترى ؟ .
_ ١٠_ كيف نحافظ على كفاءاتنا الفنية من تيار الإجتذاب الجارف بعروضه المالية المغرية والحفاظ على رؤاها وتياراتها من خطر التشتت والإنقسام في ظل وفرة الإنتهازيين المربصين بمثل هذه الفرض ؟ .
_ ١١ _ هل باستطاعة الفن اليوم ان يردم الهوة السحيقة بين الثقافة والتنمية ؟ .
_ ١٢ _ مالذي تقدمه الدراما العربية في ظل أزمتنا الثقافية ؟ .

جمعي بن بشير شايبي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى