عبدالعزيز آل زايد - أصنع ما تصنعه النملة!

ليس عبثًا أن نتأمل مخلوقات الله، فهلا نظرنا إلى أضعف مخلوقاته (النملة)؟، قد نجد كثيرًا من الحلولفي حشرة صغيرة، فعلامَ نستصغر الصغائر، وما النّار إلا من مستصغر الشرر؟!، أليس الجبل الأشموالهرم الأعظم، عبارة عن تراكم حصيات صغيرة؟، فلنتدبر ونتأمل مواقف النملة، كيف تسير في طيلةمسيرتها؟، وتعمل في فصول سنتها؟، يقول الإمام علي بن أبي طالب واصفًا إياها: "ﺃﻻ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰﺻﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺧﻠﻖ؟، ﻛﻴﻒ ﺃﺣﻜﻢ ﺧﻠﻘﻪ؟، ﻭﺃﺗﻘﻦ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ، ﻭﻓﻠﻖ ﻟﻪ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮ، ﻭﺳﻮَّﻯ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﻈﻢ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮ"، ثم يردفُأبو الحسن في حديثه مفصلًا: "ﻛﻴﻒ ﺩُﺑّﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺿﻬﺎ، ﻭﺻُﺒّﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﺯﻗﻬﺎ، ﺗﻨﻘﻞ ﺍﻟﺤﺒّﺔ ﺇﻟﻰ ﺟِﺤﺮﻫﺎ، ﻭﺗُﻌﺪُّﻫﺎﻓﻲ ﻣُﺴﺘﻘﺮِّﻫﺎ، ﺗﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﺣَﺮِّﻫﺎ ﻟﺒﺮﺩﻫﺎ"، قال لي صديق بعد نزول الراتب بيوم: "هل تعرف أنّه لم يتبقَ لي منالراتب إلا بضع ريالات؟!"، فاجأني حديثه، وقلتُ في خاطري: "يا للهول!!، هل يطير الراتب كما تطيرالنسور؟، أم أنّ الراتب لا يكفي الحاجة كما يقال؟، أم أنّ الأمر يكشف عن ضياع بوصلة التدبير، إذ لمنتعلم من النملة أسلوب حياة، ولم نفقه أبجديات الإدخار؟!"، لقد تعلمنا منذ الصغر حكاية الصرصاروالنملة، التي تدفع قوت صيفها ليوم شتائها، علينا أن نتعلم فنون إدارة الأزمات بالاستباق، حيثالتحصيل من الرخاء إلى الشدة، ومن الشباب والكد إلى زمن الشيخوة والتقاعد، قال عز من قال: (حَتَّىإِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ)، ما أجمل حديث النملة، وما أبهى فطنتها، ودقة لفظها، حيث لم تكتف بحماية نفسها فقط، بلهرعت تقرع طُبُول النذير وتعزف بوق النفير، لتحذر جميع قومها، من خطر محذق بهم، هو زحف الجيشالجرار، لم تكتف بذياع المشكلة، بل هَبّت همتها بوضع الحل الاضطراري، وألفتت لمخرج الطوارئ: "يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ"، إننا نتعلم من النملة إنذار الآخرين، والتحوط بالانسحابات التكتيكية، فليسالسائق البارع من يحمي نفسه من أخطائه فحسب، بل يتحاشى بذكائه جميع دوائر الخطر التي تثب فيالطريق، وإنّ لم تكن تلك المجاوزات مقصودة، وهذا ما أشارت إليه النملة بقولها: "وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"،بمعنى أن نحمي أنفسنا من أخطاء الساقطين في مصيدة النقطة العمياء!

هل نعلم أنّ فك النملة أقوى من فك التمساح بالمقارنة بحجمها؟، لننظر لأحجامنا؛ ولنتفوق على التماسيحبقوة التفكير، كما هي طبيعة النملة، تتحرك بفطرتها فتتخير الأماكن المناسبة لمعيشتها، فبعضها ينتخبشجر الخرنوب، لكونه يفرز محلولًا سكريًّا ينفع صغاره، فهل تخيرنا المواقع بما يعود علينا وعلى أطفالنابالمنفعة؟!

المتعمق في قراءة عالم النمل يدرك أنّ هذه النملة تفرز موادًا كيميائية مطهرة، لتعقيم الأعشاش وتطهيرالبيوض واليرقات والشرانق، بل وتطهر غذائها المختزن لفترات طويلة، أفلا نتعلم منها ضرورة استخدامالمعقمات؟، ومزاولة استخدام قواعد السلامة، لنا ولأبنائنا ولمساكننا وطعامنا؟، من المعروف أنّ النمليتسلح بحمض النمليك وهو عبارة عن مادة مخدرة تستخدمه كخطة دفاعيّة لصد الهجوم المباغت، فماذانصنع أمام المخاطر والخصوم التي تحيك بنا الدوائر؟!، هل أعددنا الأحماض الدفاعيّة لصد تلكالهجمات الفتاكة المشرئبة؟!

إنّ للنمل ذكاءات متعددة، فهي مصممة موهوبة، ويكفينا مثلًا أنّ نضرب بتصميم أعشاشها نموذجًا،حيث ترفع مدخل العش فوق مستوى سطح الأرض لتتحاشى المياه والأمطار، بل وتمارس الصيانةالمستدامة لتقاوم الأعشاب الضارة وتكافح بقايا الطعام، وتواضب على ترتيب منزلها، فهلا اتخذنا من هذهالعبقريّة مثلًا للاحتذاء؟!

من مميزات النمل أنّ لها مجسات وقرونًا استشعاريّة، مخصصة للتحسس والتذوق والاتصال لبثالمعلومات واستقبالها، فلما لا نتحسس بما يجري من حولنا لنتخذ التدابير الوقائية قبل وقوع الكارثة؟!،لقد زود الله أرجل النمل بشعيرات صغيرة، لتساعدها على التسلق والمشي وتنظيف الجسد، فهل تفكرنافي أهميّة النظافة الشخصيّة ومزاولة الرياضّة التي أضحت من أثقل الممارسات؟!

النملة حشرة نشطة دؤوبة العمل، فلا تصحو إلا وترى النملة تعمل، ولا تبيت إلا وتراها تعمل، وكأنّأجفانها استطابت آهات السهر، أفلا نستحي حين لا نتجافى عن الكسل والكرى؟، إنّ النملة تحافظ علىنظافة البيئة، وتلقح الزهور، وتقلّب التربة ليتخللها الهواء، إنها عنصر هام لتحقيق التوازن في عالمالحشرات.

رغم أنّ الحكمة كبيرة في استفادتنا من هذه النملة، إلا أنّ من طبعنا استصغار الهوام الضعيفة،وتحاشي توافه الحشرات، لذا فمن الطبيعي أن تضيع منا قصة النملة بين تزاحمات الآيات، عليه كان منالمهم حقًا إبراز هذه القصة بتسمية تلك السورة بسورة النمل.​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى