غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (10)

إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.
قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟
قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

(10)

قلتُ إِنَّ أَيَّ جِنْسٍ من أَجْنَاسِ ذٰلكَ «التحليلِ السياسيِّ» الذي يَلْجَأُ مَحْثُوثًا بذٰلكَ «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ (إِذْ سُمِّيَ نَفْسِيًّا بـ«الحَمَاسِ فَوْقَ-الثَّورِيِّ» Hyper-Revolutionary Fervour)، إنما يَلْجَأُ مَحْثُوثًا إلى استخدامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ «اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ»، ومَا تَنْطَوِي عليهِ من دَلَالَاتٍ تمييزيةٍ أو تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الكلامِ عن «إِنْجَازَاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ حتَّى هٰذا أو ذاكَ الحِينِ منها، ودونَمَا الأَخْذِ بالحُسْبَانِ مَا يُحَاذِي هٰذِهِ الـ«إِنْجَازَاتِ» فيمَا يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ (أو بأَيَّةِ ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ أُخْرَىِ). هٰكذا جِنْسٌ بصَريحِ الكلامِ، إذن، ليسَ سِوَى جِنْسٍ اِنْتِقَائِيٍّ اِصْطِفَائِيٍّ حَائِدٍ عن جَادَّةِ الصَّوَابِ، ولَا رَيْبَ في هٰذا، وبالأَخَصِّ حينمَا يصْدُرُ عن مَصْدَرٍ مَرْبُوصٍ عَلى «اليَسَارِ العربيِّ»، مَاركسِيًّا كَانَ أَمْ لامَاركسِيًّا أَمْ حتى بَيْنَ بَيْنَ (اُنْظُرَا، مثلًا مَا قَامَ بِهِ الباحثُ الجَامعيُّ «المَاركسِيُّ»، جلبير الأشقر، مُشَارًا إليهِ في القِسْمَيْنِ الثامنِ والتاسع). ذٰلك لِأَنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ، رَغْمَ اتِّصَافِهَا بالحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ ذاك، لَمْ تَتَمَيَّزْ في شيءٍ موضوعيٍّ ولَا ذاتيٍّ من ذٰلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عن شَقِيقَتِهَا الثورةِ الشعبيَّةِ الجزائريَّةِ، ومعَ اتِّسَامِهَا بالغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ كُلًّا، عَلى النَّقِيضِ. حتَّى أَنَّ هٰذِهِ الثورةَ الأخيرةَ قَدْ أَثْبَتَتْ للعَالَمِ كُلِّهِ إِثْبَاتًا أَنَّهُ مَا مِنْ قُوَّةٍ فيزيائِيَّةٍ، أو حتَّى مِيتَا-فيزيائِيَّةٍ، يُمْكِنُ لَهَا أَنْ تَعْلُوَ بَتَّةً عَلى قُوَّةِ مَا عُرِّفُ بـ«المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وبِخَاصَّةٍ حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بِقُوَّةِ مَا عُرِّفُ كذاك بـ«الإِرَادَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ» Collective Human Will: حَتَّى أَفْرَاخُ الطَّيْرِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ تَحْلِيقًا أَعْلَى مِمَّا تَسْتَطِيعُ مَاثِلَةً (عَلى الأَرْضِ) بِقُوَّةِ هٰذِهِ الإِرَادَةِ في حَدِّ ذَاتِهَا، لَا بِقُوَّةِ ذَيْنِكَ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا قالَ الفَيْلَسُوفُ الصِّينِيُّ الكَبِيرُ، كُونْفُوشْيُوس (551-479 ق.م.). وهٰذا يَعْنِي بِجَلَاءٍ أَنَّ صِفَةَ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّصِفُ بِهَا الثورةُ الشعبيَّةُ السُّودَانِيَّةُ، وعَلى الرَّغْمِ من «إيجابيَّاتِ» هٰذا الحُضُورِ السَّاطِعِ جِدًّا للعِيَانِ (قَبْلَ الاِنْحِدَارِ الزَّرِيِّ إلى وَأْدِهِ حَتَّى حِينٍ)، إِنْ هي إِلَّا صِفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا من الإِعْرَابِ إزاءَ التَّألُّقِ الأَشَدِّ سُطُوعًا لِقُوَّةِ المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ، وبِالأَخَصِّ حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بِقُوَّةِ الإِرَادَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ (لِكَيْ يُعَادَ التَّعْبِيرُ مَرَّةً ثَانِيَةً للتَّوْكِيدِ الشَّدِيدِ – مِنْ بُدِّهِ). هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بالصِّرَاعِ بَيْنَ طبقةِ الطَّاغِيَةِ الفاشِيِّ العَتِيِّ وبَيْنَ طبقاتِ الشَّعْبِ المَعْتِيِّ (عَلَيْهِ) أَيًّا وأَيْنَمَا كَانَ في تَارِيخِ مَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالنِّضَالِ وقَدْ تَمَخَّضَ عن مَدَى القَسْرِ والقَهْرِ والوَحْرِ وعَنْ مَدَى البُؤْسِ الفَرْدِيِّ والجَمْعِيِّ المَدِيدِ زَائِدًا عَنْ حَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالمَنَالِ إِذْ حَطَّ كُلًّا من أَنْظِمَةِ الطُّغْيَانِ المَعْنِيَّةِ حَطًّا حِطَاطًا في مَحَطٍّ مُنْحَطٍّ لَمْ يَعُدْ في مَقْدُورِهِ التَّحَكُّمُ فيهِ بالسِّيادَةِ والسِّيَادِ لَدَى اشْتِدَادِ ذاكَ الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ الخِنْذِيذِ أَوِ الجَزَائِرِيِّ الصِّنْدِيدِ أَوِ اللِّيبِيِّ الوَلِيدِ أَوِ المِصْرِيِّ التَّلِيدِ أَوِ اليَمَانِيِّ النَّجِيدِ أَوِ العِرَاقِيِّ الوَقِيدِ أَوِ الأُرْدُنِّيِّ المَهِيدِ أَوِ الفِلَسْطِينِيِّ الهَدِيدِ أَوِ اللُّبْنَانِيِّ السَّدِيدِ أَوِ الشَّآمِيِّ الشَّدِيدِ أَوِ القَادِمِ والقَادِمِ، لا مَحَالَ، لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ الزَّنُودِ الشَّدُودِ في شَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ الذي سوفَ يُسَجِّلُهُ التّارِيخُ الإِنْسَانِيُّ وَعْيًا مُتَزَايِدًا في سِجِلَّاتِ «النَّشَاطِ التاريخيِّ المُسْتَقِلِّ» بالذَّاتِ – وقدْ تَطَرَّقَ إلى أشكالِ هٰذا النَّشَاطِ لينينُ ذَاتُهُ في أكثرَ من سِيَاقٍ ثوريٍّ مَاثِلٍ، وبالاِسْتِنَادِ إلى مَا عَنَاهُ ماركسُ عَيْنُهُ من مَرْحَلَةِ التَّنَاقُضِ الحَتْمِيِّ بَيْنَ قِوَى الإِنْتَاجِ وبَيْنَ عِلَاقَاتِ الإِنْتَاجِ قَبْلَ أن يَسْتَحِيلَ هٰكذا تَنَاقُضٌ إلى قوَّةٍ تدميريَّةٍ شَامِلَةٍ لكَيْمَا يَسْتَهِلَّ مَرْحَلَةَ الثَّوَرَانِ الاِجْتِمَاعِيِّ الشَّامِلِ. وفَوْقَ ذٰلكَ كُلِّهِ، لَمْ نَفْتَأْ نَرَى مثقَّفينَ لَامِعِينَ مِمَّنْ في عِدادِ المُنْتَمِينَ إلى «اليَسَارِ العربيِّ» يَلْجَأُونَ مَحْثُوثِينَ بذاتِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» إلى اسْتِخْدَامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ ذَاتِهِ، مَثَلُهُمْ في هٰذا كَمَثَلِ الصَّبِيِّ «العبقريِّ» حِينَمَا يُشَاهِدُ، مُخْرِجًا بجِهَازِ التَّحَكُّمِ عَنْ بُعْدٍ، مَشَاهِدَ لُعْبَةٍ إلكترُونِيَّةٍ من أَلْعَابِ «حُرُوبِ النُّجُومِ» Star Wars، فيختارُ مَا يَشَاءُ من هٰذِهِ الحُرُوبِ «مِثَالًا مَلْحَمِيًّا» يَحْتَذِيهِ احْتِذَاءً في تَجْوَالِهِ الاِفْتِرَاضيِّ المَائِرِ، ويُكْسِيهِ من ثَمَّةَ «فُسْتَانًا أُسْطُورِيًّا» بكُلِّ مَا يَبْتَنِيهِ من خَيَالَاتِ الاِسْتِيهَامِ الحَمَاسِيِّ الفَائِرِ، وبغضِّ الطَّرْفِ، في مَعْمَعَانِ هٰذِهِ «الحَرْبِ الضَّرُوسِ»، عن أَيِّمَا «مِثَالٍ مَلْحَمِيٍّ» آخَرَ. فَهَا هو مِثَالُ الكَاتِبِ الرِّوَائِيِّ اللبنانيِّ، إلياس خوري، يَتَحَدَّثُ عن الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودَانِيَّةِ بوَصْفِهَا «مِرْآةً نَاصِعَةَ» تَسْمَحُ بإِعَادَةِ النَّظَرِ في كَافَّةِ الثوراتِ الشعبيَّةِ العربيَّةِ الأُخْرَى، دُونَ أَنْ يَتَجَشَّمَ أَيًّا من عَنَاءِ القَوْلِ بالنَّحْوِ العَكْسِيِّ تَمَامًا بِأَنَّ هٰذِهِ المِرْآةَ النَّاصِعَةَ ذَاتَهَا، ولَا شكَّ فِيهَا بَتَّةً، إِنَّمَا اسْتَمَدَّتْ نُصُوعَهَا من هٰذِهِ الثوراتِ ذَاتِهَا في الحَيِّزِ الأَوَّلِ، رَغْمَ كُلِّ مَا اعْتَرَاهَا ومَا يَعْتَرِيهَا من إِخْفَاقٍ وإِحْبَاطٍ عَلى مَدَى تلكَ السَّنَوَاتِ العِجَافِ بالأقلِّ. وقدْ أَشَارَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ مُنَاقِضًا نفسَهُ بنفسِهِ إلى بَعْضٍ من أَسْبَابِ هٰذين الإِخْفَاقِ والإِحْبَاطِ، إِشَارَةً إلى أَتْرَاحِ المَشْهَدِ السُّورِيِّ الرَّثِيمِ، وبعدَ الإِسْهَابِ القَصِّيِّ في بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الرَّنِيمِ، تلك الأَسْبَابِ التي تَأَزَّمَتْ في وُقُوعِ السُّورِيَّاتِ والسُّورِيِّينَ، أَيَّامَ غُرِّرَ أَيَّمَا تَغْرِيرٍ بِهِمْ، بَيْنَ فَكَّيْ نظامَيْنِ طُغْيَانِيَّيْنِ تَكَتُّلِيَّيْنِ يتقاتَلانِ تقاتُلاً هَمَجيًّا على السِّيَادةِ والنُّفُوذِ في أَرْضِ الشَّآمِ، ويَتَبَارَيَانِ تَبَارِيًا لَا يَقِلُّ هَمَجيَّةً عَلى إِخْمَادِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّوريَّةِ باسْتنفَارِ شتَّى أَوْلَادِ الحَرَامِ (اُنْظُرَا تَقْرِيرَهُ المَعْنِيَّ، «السودانُ والربيعُ العربيُّ»، القدس العربي، 6 أيار 2019). وهٰذانِ النِّظامَانِ الطُّغْيَانِيَّانِ التَّكَتُّلِيَّانِ هُمَا: نظامُ السُّحْتِ الأسديُّ الإجْرَامِيُّ العَمِيلُ بِقَرْنَيْهِ الرُّوسيِّ والإيرانيِّ الجَلِيَّيْنِ (وبقُرُونِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ بِمَا فِيهَا إسرائيلُ)، أَوَّلًا، ونظامُ الزِّفْتِ السُّعُوديُّ النَّهْيَانيُّ الاِجْتِرَامِيُّ الأَجَلُّ عَمَالَةً بِمَخَالبِهِ الجَلِيَّةِ من أَشْتَاتِ المُتَوَحِّشِينَ التكفيريِّينَ والظلاميِّينَ (وبمَخَالِبِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ بِمَا فِيهَا إسرائيلُ كذاكَ)، ثانيًا – فـ«شَجَاعَةُ» السُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ في تحطيمِ جُدْرَانِ الخَوْفِ، ولا ريبَ فِيهَا بَتَّةً أَيْضًا، ليستْ مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ الجزائريَّاتِ والجزائريِّينَ (ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ أَيٍّ من الشُّعُوبِ التي ثَارَتْ والتي لَمْ تَثُرْ بَعْدُ)، حتَّى يَفْتَتِحَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ بلاغيَّاتِهِ التَّخْيِيريَّةَ بتلكَ «الشَّجَاعَةِ» المُثْلَى متفرِّدًا بالسُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ، دُونَ غَيْرِهِنَّ وغَيْرِهِمْ، ودُونَ أَنْ يَخْتَتِمَ البلاغيَّاتِ ذَاتَهَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هٰذِهِ «الشَّجَاعَةَ» بالذاتِ إِنَّمَا اسْتَقَتْ بَريقَهَا مِنْ «شَجَاعَاتِ» مَنْ قَوَّضْنَ ومَنْ قَوَّضُوا جُدْرَانَ الخَوْفِ ذَوَاتِهَا قبلَ تِيكَ «العِجَافِ مِنَ السِّنِينِ»، ومِنْ قُدَّامِ أنظمةٍ طُغْيَانِيَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً وأكثرَ حُوشِيَّةً في الظَّنِّ واليقينِ.

وهَا هو، على سَبِيلِ التَّمْثِيلِ الآخَرِ كذاك (والأنكى من ذاك كلِّهِ)، مثالُ الكاتبِ الرِّوَائيِّ الجزائريِّ واسيني الأعرج، هَا هو يتكلَّمُ، من طَرَفِهِ هو الآخَرُ، عن الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودَانِيَّةِ أيضًا، ولٰكِنْ بتفرُّدٍ أشدَّ عَلى المستوى الجَمْعِيِّ تمديدًا، وبتفرُّدٍ أَشَدَّ شِدَّةً حتَّى على المستوى الفرديِّ تحديدًا، هَا هو يتكلَّمُ هٰذِهِ المَرَّةَ عن شخصيَّةٍ أُنْثَوِيَّةٍ كَانتْ قدْ برزتْ فجأةً حينذاك ودونَ سَابقِ إنذارٍ في المشهدِ السُّودَانِيِّ هٰذا، كمثلِ تلك الشابَّةِ السُّودانيةِ، آلاء صالح (ولا شكَّ، لا شكَّ، في كُلِّ الثَّنَاءِ وفي كُلِّ التقديرِ اللذَيْنِ كانتْ، ومَا زالتْ، تستحقُّهُمَا استحقاقًا، في هٰذِهِ القرينةِ)، يتكلَّمُ عنهَا عَلى اعتبارِهَا «أيقونةً جَمِيلةً» قدْ أَنْشَأتْهَا أجواءُ هٰذِهِ الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانِيَّةِ إِنْشَاءً بمثابةِ تعبيرٍ سَمِيٍّ عن ذاتِ الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ في هٰذا الزَّمَانِ، وعَلى اعتبارِهَا كذٰلكَ صُورةً أنيقةً خَلِيقَةً و«تمثالًا [حَرِيًّا] للحريَّةِ في كلِّ مكانٍ»، وعَلى اعتبارِهَا عِلاوةً عَلى ذٰلكَ كلِّهِ جَسَدًا أُنثويًّا غَوِيًّا تجسَّدتْ فيهِ رُوحُ «الملكةِ النُّوبيَّةِ الأسطوريَّةِ كَنْدَاكَةَ» بالرُّوحِ فأَصَابَهَا شيءٌ من خُلودِهَا المُصَانِ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ، من أمثالِ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ التي تختصُّ بِهَا وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةُ عن التعريفِ في بلدَانِ الشَّرْقِ قبلَ نظيرَاتِهَا في بلدَانِ الغَرْبِ – وعَلى الأَخَصِّ، والمَآلُ الحَفِيُّ هٰهُنَا، إِنْ أرادتْ هٰكذا وسَائلُ أَنْ تُشْهِرَ شخصيَّةً أُنْثَوِيَّةً (أو حتَّى ذَكَرِيَّةً، في حَالَاتٍ اِستثنائِيَّةٍ) إِشْهَارًا لِمَأْرَبٍ خَفِيٍّ من المَآرِبِ، تمَامًا مثلمَا تريدُ أَنْ تُغْمِرَهَا عَلى الخِلَافِ إِغْمَارًا، أو حتَّى أَنْ تُفْنِيَهَا عَلى خِلَافِ الخِلَافِ إِفْنَاءً، بمَقْلَبٍ جَلِيٍّ من المَقَالِبِ (اُنْظُرَا، في هٰذا السِّيَاقِ أيضًا، تَقْرِيرَهُ المَعْنِيَّ، «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟»، القدس العربي، 21 أيار 2019). وهٰكذا بكُلِّ بَسَاطةٍ، وهٰكذا لمُجَرَّدِ أنَّ هٰذِهِ الشابَّةَ السُّودانيةَ بالعَيْنِ قدْ وقفتْ حتَّى حينٍ على ظَهْرِ سيَّارةٍ وهي «تُهَوِّسُ» وَسْطَ الحُشُودِ ببضْعٍ من عباراتِ الزَّجَلِ الشَّعبيِّ «الثوريِّ» (أو حتَّى «اللاثوريِّ»)، تَرَاهَا الأَعْيُنُ رَأْيًا مُبِينًا قدْ تحوَّلتْ أَيَّمَا تحوُّلٍ بينَ عَشِيَّةٍ وضُحَاهَا إلى عَيْنِ «أسطورةٍ ثوريَّةٍ» قَائِمَةٍ بذاتِهَا بهٰذا الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ وكذاكَ الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ العتيدِ، هٰذا الزَّخْمِ الحَمِيِّ الحَمَاسِيِّ الذي استقطبَ دونمَا تَرَدُّدٍ أو تَلَكُّؤٍ جَمْهَرَةً غيرَ قليلةٍ من يَرَاعَاتِ الزَّاجِلِينَ وحَنْجَرَاتِ المُغَنِّينَ من رَحِمِ «اليَسَارِ العربيِّ» بالذاتِ، أو حتَّى من وَاشِجَةِ المَحْسُوبِ عليهِ بأدنى تخمينٍ (كمثلِ مارسيل خليفة وسميح شقير، مثلًا لَا حَصْرًا). وقدْ كَانَ هٰذا الاستقطابُ «الزَّخْمِيُّ» لافتًا للأنظَارِ وللأذهَانِ بالفعلِ وبالقوَّةِ، عَلى الرَّغْمِ الرَّغِيمِ من أنَّ هٰكذا «أسطورةً ثوريَّةً» قَائِمَةً بذاتِهَا، وفي حَدِّ ذاتِهَا، لَمْ تَتَحوَّلْ زَمَانَئذٍ حتَّى تلك الناشطةُ اليسَاريَّةُ الشَّمَاءُ، خالدة زاهر (1926-2015)، إلى أيِّ شيءٍ منهَا لَا من قريبٍ ولَا من بعيدٍ، تلك الناشطةُ السِّيَاسِيَّةُ الماركسيَّةُ والأُمَمِيَّةُ الحقيقيَّةُ التي كانتْ من أُولَيَاتِ أولٰئك النِّسَاءِ السُّودَانِيَّاتِ اللواتي كُنَّ غَيْرَ آبِهَاتٍ بالاعتقالِ والتنكيلِ إلى حَدِّ الجَلْدِ الوَجِيعِ بأنواعِهِ، حينمَا كُنَّ يَقُدْنَ المُظاهراتِ الشعبيَّةَ تنديدًا بكافَّةِ أَشكَالِ الاِسْتِعْمَارِ الهَمَجِيِّ الإنكليزيِّ في الأربعينيَّاتِ وأَوَائِلِ الخمسينيَّاتِ من القرنِ الفائتِ (أي قبلَ خُرُوجِ هٰذا الاِسْتِعْمَارِ الهَمَجِيِِ بالذاتِ إبَّانَئِذٍ)، وحينمَا كُنَّ يَقُدْنَها (يَقُدْنَ المُظاهراتِ) كذٰلكَ احتجاجًا عَلى كُلِّ أَشتَاتِ الطُّغْيَانِ والاستبدادِ الداخليَّيْنِ في أَوَاخِرِ الخمسينيَّاتِ من القرنِ الفائتِ ذاتِهِ (أي بعدَ خُرُوجِ ذاك الاِسْتِعْمَارِ الهَمَجِيِّ بالعَيْنِ عَامَ 1956) – وثَمَّةَ الكثيرُ الكثيرُ، عَلى اختلافِ الِانتمَاءَاتِ السياسيةِ والعَقَدِيَّةِ بكُلِّهَا، ثَمَّةَ الكثيرُ من أولٰئك الناشطاتِ العربيَّاتِ واللاعربيَّاتِ اللواتي ارْتَقَيْنَ، والناشطينَ العربِ واللاعربِ الذينَ ارْتَقَوْا، إلى مَصَافِّ تلك «الأسطورةِ الثوريَّةِ» المعنيَّةِ وإلى أَرْقَى مِنْهَا بكثيرٍ مَصَفًّا حتَّى، ثَمَّةَ الكثيرُ مِمَّنْ لَمْ يلتفتْ إليهِنَّ ولا إليهِمْ ضَميرُ ذٰلكَ «اليَسَارِ العربيِّ» أَيَّ التفاتٍ بذٰلكَ الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ الدِّعَائيِّ والحَمِيِّ الحَمَاسِيِّ العتيدِ. كَمَا قالَ أحدُ المُعلِّقينَ الفُطَنَاءِ قولًا عابرًا بمَا مَعْنَاهُ، هٰهُنا، إِنَّ أَيَّةَ عَاملةٍ بَسِيطَةٍ مغلوبةٍ عَلى أَمرِهَا تعملُ في مَعْمَلٍ للمَلابسِ عَمَلًا شريفًا نزيهًا لكيمَا تُقَدِّمَ للنَّاسِ المَلابسَ جَيِّدةً وحَسْبُ، إنْ هي إلاَّ أيقونةٌ مُقَدَّسَةٌ لَأَهَمُّ وطنيًّا بكثيرٍ مِنِ امْرَأةٍ تَصْدَحُ بالصَّوْتِ «مُهَوِّسَةً تَهْوِيسًا»، لَا لِشَيْءٍ، لَا لِشَيْءٍ، سِوَى لكيْ تكونَ «كَنْدَاكَةً»، أو حتَّى «كَنْدَاكَةً»، ليسَ إلَّا! وكَمَا يقولُ لِسَانُ الحَالِ كذاك لدَى أَيَّةِ ذاتِ وأَيِّ ذِي ضَميرٍ إِنسَانِيٍّ حَقِيقٍ في هٰذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإِنسَانِيِّ الحَقِيقِ بمَا فَحْوَاهُ، هٰهُنا كذٰلك، إِنَّ ظُفْرًا وَاحِدًا ووَاحِدًا لَا غَيْرَ مِنْ أَظْفَارِ ذٰلك الصَّبِيِّ الأَبِيِّ، حمزةَ الخطيبِ، ولَا رَيْبَ، تلك الأَظْفَارِ التي اقتلعَتْهَا بكُلِّ وَحْشِيَّةٍ وبكُلِّ هَمَجِيَّةٍ وبكُلِّ حُوشِيَّةٍ كَمَّاشَاتُ نظامِ السُّحْتِ الأسديِّ الإِجْرَامِيِّ الفاشيِّ العَمِيلِ، إنَّمَا يُعَادلُ وَزْنًا لَأَجَلَّ بكثيرٍ مِنْ وَزْنِ «كَنْدَاكَةٍ»، أو حتَّى «كَنْدَاكَةٍ»، فَوْقَهَا سِتُّونَ ألفَ «كَنْدَاكَةٍ» مِمَّا يَعُدُّونَ! وإنْ كَانَ ثَمَّةَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَحَلَّى مَحْثُوثًا حَثًّا بفَيْضٍ مِنْ ذٰلكَ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» في هٰذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ الحَقِيقِيِّ، وإنْ كَانَ ثَمَّةَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنَ يَتَمَلَّى مَحْثُوثًا إِحْثَاثًا أشدَّ مِنْهُ فَيْضًا أَوْ فُيُوضًا مِنْ بَلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا مِنْ دَلالٍ تمييزيٍّ، أَوْ مِنْ دَلالٍ تفضيليٍّ أَوْ حتَّى جِدِّ تفضيليٍّ، وسَوَاءً كانَ هٰذا الـ«مَنْ» بَاحِثًا جَامِعِيًّا أمْ كاتبًا رِوَائِيًّا أمْ مُؤَلِّفًا مُوسِيقيًّا أمْ نَاشِطًا سِيَاسِيًّا (يَسَارِيًّا ماركسيًّا أوْ لاماركسيًّا أوْ بَيْنَ بَيْنَ)، أمْ حتَّى أيَّ شَيْءٍ غَيْرَ ذٰلكَ في الفَضَاءِ الرَّقَمِيِّ واللارَقَمِيِّ ومَا بَيْنَهُمَا كذٰلك، فليسَ لَهُ عندَئِذٍ إِلَّا أنْ يُوَظِّفَ هٰذا الحَمَاسَ كُلَّهُ، وليسَ لَهُ عندَئِذٍ إِلَّا أنْ يُوَظِّفَ هٰذِهِ البَلاغيَّاتِ كُلَّهَا، لِصَالِحِ رُمِّ الشُّعُوبِ العَرَبيَّةِ (أوْ حتَّى اللاعَرَبيَّةِ) المُسْتَمِرَّةِ في ثَوَرَانِهَا السِّلْمِيِّ، دُونَ سِوَاهَا مِنْ شُعُوبٍ أو حتَّى مِنْ «لَاشُعُوبٍ». ذٰلكَ لِأَنَّ هٰذِهِ الشُّعُوبَ لَا «اللَّاشُعُوبَ» بالعَيْنِ، وبمَا تُبدِيهِ للدُّنْيَا بِأَسْرِهَا مِنْ وَعْيٍ فَرْدِيٍّ حقيقيٍّ وكذاك مِنْ وَعْيٍ جَمْعِيٍّ أَحَقَّ بوجودِهَا المَسْلُوبِ، لا تحتاجُ بَتَّةً إلى أَيٍّ من «أَيْقُونَاتِ» الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ مِنَ ضُرُوبٍ، لا تحتاجُ بَتَّةً بَتَاتًا، لَا في الشُّرُوقِ ولَا في الغُرُوبِ!

مرَّةً أُخرى، قلتُ بالتوكيدِ الشديدِ قبلًا، في القسمِ الآنِفِ من هٰذا المقالِ، إنَّ كلًّا من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ، في السُّودانِ وفي الجَزائرِ، لَمْ يَزَلْ إذَّاك سَائِرًا حَثيثًا في مَسَارِ ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ حتَّى بَدْءِ هٰذا الاجتياحِ «الكورُونيِّ» المُرِيعِ بتقطُّعَاتِهِ الزَّمَانِيَّةِ وَ/أوِ المَكَانِيَّةِ، لَمْ يَزَلْ سَائِرًا حَثيثًا على قَدَمٍ وسَاقٍ مَتِينَينِ ثابِتَيْنِ بكلِّ مَا يقتضيهِ السَّيْرُ منْ عَزْمٍ ومنْ حَزْمٍ لا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ مغزًى غَلِيلٍ، وبالرَّغمِ منْ كلِّ أشكالِ ذٰلك التَّدْوِيمِ الاصطناعيِّ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ كطورٍ ذَمِيمٍ دَميمٍ بِسِيمَائِهِ اللااستثنائيِّ «الضَّلِيلِ»، وعَلى الرَّغمِ من كلِّ مَا ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً عَلى ذٰلك كُلِّهِ منْ حَالاتِ الاِسْتِعْصَاءِ الاِستثنائيِّ المُسْتَطِيلِ. فالثَّائراتُ السُّودَانيَّاتُ وكذاك الثَّائرُونَ السُّودَانيُّونَ، من طَرَفِهِمْ، كانوا يواصلونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ وإلحَاحٍ، على أقلِّ تقديرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، وبتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ جِدِّ مَحْدُودٍ لأسبابٍ بَيِّنَةٍ بَدَهِيَّةٍ تخُصُّ المَجْلِسَ السِّيَاديَّ بهَيْكَلِهِ الأخيرِ، مَهْمَا حاولتْ عناصرُ من ذاك «المجلس العسكري الانتقالي» أفَّاكَةً في تَسْوِيفِ التفاوُضِ الجَادِّ تشبُّثًا بهٰذِهِ «المقاليدِ»، من جهةٍ أولى، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ من «قوات الدعم السريع»، تيك الشَّبِيهَةِ بقُطْعَانِ «الشَّبِّيحَةِ» الأسديَّةِ، فَتَّاكَةً بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ تشبُّثًا أكثرَ حتَّى بذاتِ «المقاليدِ»، من جهةٍ أخرى. والثَّائراتُ الجَزَائِرِيَّاتُ وكذاك الثَّائرُونَ الجَزَائِرِيُّونَ، من طَرَفِهِمْ هُمُ الآخَرُونَ، كانوا يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ بكافَّةِ أطيافِهِمْ أيضًا، مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ وإلحَاحٍ كذاك، في الحَدِّ الأدنى من الدستورِ الجزائريِّ بالذَّاتِ، بتفعيلِ كلٍّ من المادةِ (7) التي تنصُّ على أَنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ (8) التي تنصُّ على أَنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، من ناحيةٍ أولى، وبترحيلِ كُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أشلاءِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، من ناحيةٍ أخرى. وقلتُ مُؤَكِّدًا تأكيدًا شديدًا كذٰلك، إنَّهُ لَمِنَ الخَطَأِ الفادِحِ أن يلجأَ «التحليلُ السياسيُّ»، أيًّا كانَ بالنَّوْعِ، مَحْثُوثًا أَيَّمَا إحْثَاثٍ بذٰلك «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إفراطًا إلى حَدِّ الافتعالِ حتَّى (ذٰلك المُسَمَّى عن قَصْدٍ هناك تَسْمِيَةً نفسَانِيَّةً بِـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour)، فيلجأَ منْ ثَمَّ مَحْثُوثًا إحْثَاثًا أشدَّ إلى استخدامِ فَيْضٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا منْ دلالاتٍ تمييزيةٍ، أو منْ دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بل جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الحَدِيثِ عن «إنجازاتِ» ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ مَا (كالشقيقةِ السُّودَانيَّةِ، مثلًا) دونَ الأَخْذِ بعَيْنِ الاعتبارِ بَتَّةً مَا يُنَاظرُ هٰذِهِ الـ«إنجازاتِ»، في الأصْلِ، منْ أَسَاسٍ مَادِّيٍّ (تاريخيٍّ) وَ/أوْ لامَادِّيٍّ (لاتاريخيٍّ) تأسَّسَتْ عليهِ بنحوٍ أوْ بآخَرَ أيَّةُ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، سَوَاءً كانتْ هٰذِهِ الثورةُ قد عاصرتْها في الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ (كالشقيقةِ الجزائريَّةِ، بسَيْرِهَا) أمْ كانتْ قدْ سَبَقَتْهَا بمرحلةٍ أو أكثرَ في الزَّمَانِ والمَكَانِ (كالشقيقةِ السُّوريَّةِ، وغَيْرِهَا)، كما رأيتُما كُلًّا في مَظِنَّتِهِ – نَاهِيكُمَا، بطبيعِةِ الحَالِ، عن أنَّ هٰذا الخَطَأَ المُتَكَلَّمَ عنهُ منْ هٰكذا خُصُوصٍ إنَّمَا يزدادُ فَدَاحَةً أكثرَ فأكثرَ حينمَا يصدُرُ هٰكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» اِنتقائيٌّ اِصطفائيٌّ (حَائِدٌ) عن مصدرٍ مَرْبُوصٍ عَلى «اليسارِ العربيِّ»، سواءً كانَ ماركسيًّا أوْ لَاماركسيًّا أوْ حتَّى بَيْنَ بَيْنَ. وقدْ أشرتُ كذاك، في القسمَيْنِ الثامنِ والتاسعِ منْ هٰذا المقالِ، إلى شيءٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عن ذٰلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عَلى المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، عَلى سَبيلِ المِثالِ لا الحَصْرِ، في كُلٍّ من مقالِ الباحثِ الجامعيِّ «الماركسيِّ»، جلبير الأشقر (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ، «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!»، القدس العربي، 23 نيسان 2019)، ومقال الكاتبِ الرِّوَائيِّ إلياس خوري (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ أيضًا، «السودانُ والربيعُ العربيُّ»، القدس العربي، 6 أيار 2019)، ومقالِ الكاتبِ الرِّوَائيِّ واسيني الأعرج، (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ كذٰلك، «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟»، القدس العربي، 21 أيار 2019). أقولُ هٰذا الكلامَ الاِحْتِرَاسِيَّ والتحرُّزيَّ وذاك بكُلِّ تأكيدٍ شديدٍ هٰهُنَا، لمَاذا؟ – لِأَنَّنَا، نحنُ الجَاثِمَاتِ والجَاثمينَ في هٰذا المَكَانِ الكئيبِ وفي هٰذا الزَّمَانِ العَصِيبِ، قُدَّامَ مَرْحَلَةٍ تاريخيَّةٍ فريدةٍ بكلِّ المَعَايِيرِ من ثوراتٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ ليسَ لنَا إلَّا أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً بمثابةِ «ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ واحدةٍ» (فَلْيَذْهَبْ إلى الجَحِيمِ، دَرَكِ الجَحِيمِ، ذٰلك الشِّعَارُ الذي يَرِنُّ، لَا بَلْ يَئِنُّ، بالصَّوتِ والإِيقَاعِ رَنًّا مَرْنُونًا في الأَسْمَاعِ من أولٰئك «البَعْثِيِّينَ» الاِزدواجيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنتهازيِّينَ في الدَّاخِلِ من سوريا والعراقِ وفي الخَارِجِ منهمَا، كذٰلك)، ليسَ لنَا إلَّا أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً، في كُلٍّ من أوقاتِ النَّدَاوَةِ والجَفَافِ، ننظرَ إليهَا جَسَدًا وروحًا لا ينفصِلانِ عن بعضهِمَا البعضِ ملتهبَيْنِ التِهَابًا مَوْزُونًا بميزَانٍ مُتَوازِنٍ مُتَعَدِّدِ الكِفَافِ، ولَا شَكَّ في هٰذا: فَثَمَّةَ كِفَّةٌ سُودَانِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ جَزَائِرِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ سُورِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ فلسطينيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ لبنانِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ يَمَانِيَّةٌ، وهَلُمَّ جَرًّا. فإذا رَجَحَتْ كِفَّةٌ أو أكثرَ من هٰذِهِ الكِفَافِ في حَالٍ (صُورِيَّةٍ أو شكليَّةٍ) استثنائيَّةٍ لَا مَنَاصَ منهَا، كما هي الحَالُ الآنَ في كُلٍّ من الكِفَّتَيْنِ السُّودَانِيَّةِ والجَزَائِرِيَّةِ في مُقَابِلِ أُخْتَيْهِمَا الكِفَّتَيْنِ السُّورِيَّةِ واللبنانِيَّةِ (أو حتَّى في مُقَابِلِ أُخْتِهِنَّ الكِفَّةِ الفلسطينيَّةِ هٰذِهِ – ومَا تقدِّمُهُ الآنَ من بُطولَاتٍ «طُوفَانِيَّةٍ أَقْصَوِيَّةٍ» أسطوريَّةٍ، لٰكِنْ باهظةُ المُقَابِلِ في الأروَاحِ من سَائرِ الأعمَارِ، فضلًا عن دَمَارِ المَبَاني والمَسَاجدِ والكنائسِ والمَدَارسِ والمَخَابزِ وحتى المَشافي، من لَدُن جيشِ العدوانِ الصهيونيِّ الإجرَاميِّ بدعم أمريكيٍّ وأوروبيٍّ أشدَّ إجرَاميَّةً)، فإنَّ هٰذا الرُّجْحَانَ القَائمَ لا يعني البَتَّةَ اختلالًا بنيويًّا باطنيًّا في الميزَانِ المُتَوازِنِ ذاك بقَدْرِ مَا يعني اختلالًا بنيويًّا ظاهريًّا يتبدَّى تَبَدِّيًا مُؤقَّتًا كجُزْءٍ من سَيرُورَةِ ذٰلك التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ الذَّمِيمِ والدَّمِيمِ المُشَارِ إليهِ قبلَ قليلٍ.

ومِنْ أسبابِ هٰذا الاِختلالِ البنيويِّ الظاهريِّ في الميزَانِ المُتَوازِنِ المَعْنِيِّ هُنَا إِنَّمَا يكمُنُ في الموقعِ الإستيراتيجيِّ (أو الجيو-سِيَاسيِّ، بالقمينِ) للبَلَدِ العربيِّ الذي اندلعتْ فيهِ ثورةُ الشَّعْبِ على طُغيانِ النظامِ الحَاكِمِ، أوْ طَبَقَتِهِ، كمثلِ سُوريا ومَا تمتازُ بِهِ منْ جِوَارٍ جغرافيٍّ شديدٍ لإسرائيلَ، بوَصْفِ هٰذِهِ الـ«إسرائيلِ» المَخْلُوقَةِ في هٰذا الجِوَارِ بالذاتِ «نَشِيئةَ» بريطانيا في المقامِ الأوَّلِ وبوَصْفِهَا «ربيبةَ» أمريكا في المقامِ الثاني – نَاهِيكُمَا، بطبيعةِ الحَالِ كذاك، عن كَوْنِهَا قبلَ ذاك كُلِّهِ «مَهِيدَةَ» عُصْبَةٍ أو عِصَابةٍ منْ كلابٍ «عربيةٍ» متوحِّشةٍ مَسِيخةٍ مَهينةٍ ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ عندَ الطَّلَبِ شيئًا فشيئًا تحتَ أقدامِ أَسْيَادِهَا منْ هٰذا الغربِ الإمبرياليِّ دونَ غيرِهِ منْ أَشْتَاتِ الغربِ «الديمقراطيِّ» و«الليبراليِّ» و«الخَيِّرِيِّ»، ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ كُلَّهُ تمهيدًا حَثيثًا لاحتلالِ أجزاءٍ ومناطقَ إسْتيراتيجيةٍ (أو جيو-سِيَاسيَّةٍ) هامَّةٍ بدأتْ مدارسَتُها باهتمامٍ كبيرٍ منذُ بداياتِ مَا كانَ يُسمَّى بـ«الثورة العربية الكبرى» عامَ 1916. فكما أنَّ عِصَابةَ أولٰئك الطُّغاةِ العُتَاةِ الفاشيِّينَ المُصْطَنَعِينَ وَقْتَئِذٍ قدْ مَهَّدُوا السَّبِيلَ بجُيوشِهِم «العربيةِ» أَيَّمَا تمهيدٍ لاحتلالِ بقاعِ فلسطينَ عامَ 1948، فإِنَّ أَشْبَاهَهُمْ منْ عِصَابةِ هٰذِهِ الكلابِ المتوحِّشةِ المَسِيخةِ المَهينةِ تبتغي الآنَ أن تكرِّرَ الشيءَ ذاتَهُ منْ خلالِ التدخُّلِ العسكريِّ «العربيِّ» بدلاً من التواجُدِ العسكريِّ الأمريكيِّ في فُراتِ سُوريا، مثلًا لا حَصْرًا، وذٰلك في مُقَابِلِ «لُهَاثِهِمِ الأَبَدَيِّ المُذِلِّ» وَرَاءَ السُّلْطةِ المُطْلَقَةِ، حتَّى لو أدَّى هٰذا «اللُّهَاثُ» بهِمْ إلى التطبيعِ الخَنُوعِ مَعَ هٰذِهِ الـ«إسرائيلِ» كَلْبًا بعدَ كَلْبٍ. وهٰكذا، في حَالِ نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ في سُوريا، مَا إنْ شَرَعَتْ أطيافٌ أبِيَّةٌ من الشَّعْبِ السُّوريِّ في حَرَاكِهَا السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ هُنا وهُناك، ذٰلك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الذي كانَ، ولَمْ يَزَلْ، يشهدُ لهُ كلُّ مَنْ كانَ شاهدَ العَيْنِ على مَاجَرَيَاتِهِ منذُ البدايةِ، حتى شَرَعَتْ أَنْجَاسُ هٰذا النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، بإيعازٍ جَلِيٍّ منْ إيرانَ قبلئذٍ ومنْ رُوسيا بعدئذٍ وبإشرافٍ خَفِيٍّ كذاك منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بمَا فيهِ إسرائيلُ ذاتُها)، حتى شَرَعَتْ في اللجُوءِ إلى قوَّةِ الحَدِيدِ والنَّارِ بشتَّى سِلاحِهَا الثَّقيلِ والأَثْقَلِ و«المُحَلَّلِ» والمُحَرَّمِ بَرًّا وبَحْرًا وجَوًّا (وشَرًّا وعُهْرًا)، وذٰلك منْ أَجْلِ الحَيْلُولةِ والحُؤُولِ القَطْعِيَّيْنِ قَطْعًا بَاتًّا دونَ استمرَارِ ذاك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ، ومنْ أَجْلِ القَضَاءِ عَلَيْهِ قَضَاءً وَحْشِيًّا هَمَجِيًّا حُوشِيًّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مُذَّاكَ مَثِيلٌ – وللضَّميرِ الإنسانيِّ، في هٰذا الزَّمَانِ الفقيرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ الحقيقيِّ، أنْ يتصَوَّرَ هٰهُنا، إنْ كانَ في الوَاقِعِ أو حتَّى في الخَيَالِ مُسْتَطِيعًا مُطِيعًا للتَّصَوُّرِ، كلَّ مَا ارتكبتْهُ قُطْعَانُ «الشَّبِّيحَةِ» و«النَّبِيحَةِ» وأَقْطَاعُ العَسْكَرِ والأَمْنِ والمُخَابراتِ «القَبِّيحَةِ» منْ مَجَازِرَ أو مَذَابِحَ أو شَنَائعَ أو فَظَائعَ منْ كلِّ الصُّنُوفِ بحَقِّ البريئاتِ والأبرياءِ، عَلى اختلافِ أَعْمَارِهِنَّ وأَعْمَارِهِمْ. ولَمْ يَقِفْ إِجْرَامُ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، عندَ هٰذا الحدِّ: كانَ قدْ حَدَا بِهِ الإِجْرَامُ البَهِيمِيُّ، لا بلْ مَا دُونَ-البَهِيمِيُّ، كذاك أيَّامَئِذٍ، وبالإيعازِ الجَلِيِّ ذاتِهِ وبالإشرافِ الخَفِيِّ ذاتِهِ أيضًا، كانَ قدْ حَدَا بِهِ إلى إطلاقِ سَرَاحِ كافَّةِ السُّجَناءِ (أوْ جُلِّهِمْ) منْ أولٰئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الأصوليِّينَ المُتَطرِّفِينَ، عَلى اختلافِ تَحَزُّبَاتِهِم وتَكَتُّلاتِهِمْ هُمُ الآخَرُونَ، وعَلى الأَخَصِّ أولٰئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الذينَ سَرْعَانَ مَا اسْتَهْدَفَتْهُمْ بالدَّعْمِ التمويليِّ والتسليحِيِّ أَرْجَاسُ الظَّلامِ والشَّرِّ والعُهْرِ منْ «عُرْبَانِ» المملكاتِ والإماراتِ، وبذاتِ الإشرافِ الخَفِيِّ ذاتِهِ منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بما فيهِ إسرائيلُ) كذٰلك. كلُّ هٰذا الإجراءِ البَرَاحِ «المَحْرُوسِ» في هٰذا الإطلاقِ، إطلاقِ السَّرَاحِ «المَدْرُوسِ»، إِنَّمَا كانتْ، ومَا زالتْ، غايتُهُ الأولى والأخيرةُ، ولا شَكَّ فيهِ، تتمَثَّلُ في سَعْيِ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، إلى إيهَامِ العَالَمِ العربيِّ، خَاصَّةً، وإلى إيهَام العَالَمِ الإسلاميِّ، عَامَّةً، بأَنَّهُ يخُوضُ الآنَ بعدَ الآنِ، في سَاحَاتِ الوَغَى منْ كلِّ الجِهَاتِ، يخُوضُ غِمَارَ حَرْبٍ شَعْوَاءَ مُزْدَوَجَةٍ خَوْضَ «الأشَاوسِ» و«البَوَاسِلِ» معَ كلِّ أشكالِ الإرهابِ الجِهَاديِّ (والتكفيريِّ)، منْ طَرَفٍ أَوَّلَ، ومعَ كلِّ أَشْتَاتِ الغربِ الإمبرياليِّ (والتطهيريِّ)، منْ طَرَفٍ آخَرَ. وعَلى الرَّغمِ من ذٰلك كُلِّهِ، أيَّتُهَا القارئةُ اللبِيبَةُ وأيُّهَا القارئُ اللبِيبُ، لمْ نبرحْ في هٰذا الآنِ وفي هٰذا الأوانِ نرى مثقَّفَاتٍ جِدَّ لامعاتٍ ومثقَّفينَ جِدَّ لامعينَ – ومَا أَكْثَرَهُنَّ ومَا أَكْثَرَهُمْ، مثقَّفَاتٍ مَرْبُوصَاتٍ ومثقَّفينَ مَرْبُوصِينَ على «اليسارِ العربيِّ» ماركسيًّا كانَ أَمْ لاماركسيًّا أَمْ حتَّى بَيْنَ بَيْنَ، وبغضِّ الطَّرْفِ عن ذٰلك «اليسارِ العربيِّ» المُتَذَبْذِبِ كلَّ التَّذَبْذُبِ في مُنَاوَرَاتِهِ وفي مُحَاوَرَاتِهِ وفي مُؤَازَرَاتِهِ بَيْنَ أَنْجَاسِ النظامِ الطُّغْيَانيِّ وبَيْنَ أَرْجَاسِ الظَّلامِ «الإسلاميِّ»، لمْ نبرحْ نراهُنَّ يتشدَّقْنَ ونراهُمْ يتشدَّقونَ بعباراتِ «النقدِ الثوريِّ البَنَّاءِ» وعباراتِ «النقدِ الثوريِّ النَّاصِحِ والجَادِّ» تشدُّقًا دُونَمَا أيِّ تَحَفُّظٍ بوَضْعِ اللائمةِ، هٰكذا كَيْفَمَا اتَّفَقَ، عَلى ذَوَاتِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، وَضْعِهَا وَضْعًا مُسْتَتِرًا ومُبَطَّنًا ومَلْغُومًا بأَنَّهُنَّ وأَنَّهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ أَيَّمَا افتقارٍ إلى أَيَّةٍ منْ تلك «الأيقوناتِ الثوريةِ» السَّاطعةِ، وبأَنَّهُنَّ وأَنَّهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ كذاك إلى أَيٍّ من ذاك «الحُضُورِ القيَاديِّ الثوريِّ» الأَشَدِّ سُطُوعًا بإزاءِ أَنْظِمَةٍ طُغْيَانِيَّةٍ غايَةٍ في الوَحْشِيَّةِ والحُوشِيَّةِ – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

[انتهى القسم العاشر من هٰذا المقال ويليه القسم الحادي عشر]

*** *** ***

دبلن (إيرلندا)،
29 تشرين الأول 2023

/ تحديثا عن الحوار المتمدن
غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاْءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَاْرِيُّ: طُغَاْةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاْةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (10) (ahewar.org)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى