لم تنم نجمة ليلة الجمعة كما كانت تنام في سابقاتها من الليالي، كانت طوال الوقت تفكّر فيما عساها تفعله كي تضع خطوتها الاولى على طريق المجد الطويل، تجربتها السابقة مع ذاك الذي لا يتسمّى علّمتها درسًا لا يمكن أن تنساه في الحذر والانتباه، فقد أقام لها معرضًا فنيًا في جالريه الخاص.. كما أرادت، إلا أنه لم يبذل الجهد المطلوب الكافي لإنجاحه، وهي ما زالت تشعر بالمرارة على طرف لسانها، لأنه بدلًا من أن يعمل على إنجاح معرضها ذاك، سلك طريق اللامبالاة رغبة منه في إفشالها.. وعندما اتضح لها ما فعله، واجهها بمشاعره الحقيقية تجاهها، قائلًا لها إنها ما زالت في بداية الطريق، وإن ما أنتجته من لوحات حتى الآن لا يدُّل على موهبة حقيقية، وعندما نفرت به قائلة:" إذا كانت هذه فكرتك عني.. لماذا نظّمت لي معرضًا في عرينك يا أسد البُرومبا"، سحب من تحت ابطه إجابة جاهزة، حضّرها لمثل هكذا موقف وقذفها في وجهها قائلًا:" لست الوحيدة التي طرقت بابي من أجل أن أشجعها وأنظّم لها معرضًا خاصًا.. هناك العشرات من النساء وربّما المئات.. إلا أنني اخترتك أنت. عندها استنفرت كلَّ ما بداخلها من غضبة ونقمة غرسها في قلبها طليقُها الغادر، وسألته وهي تُرسل شررًا حديديًا من عينيها.. ولماذا أنا؟ فلم يرد عليها.. ولجأ إلى الصمت.. مهرب الطامعين.. الحالمين بليالي ألف ليلة وليلة.
استغرقتها حالة من القلق، حملتها إلى نافذة بيتها المطلّة على الفضاء اللامتناهي، أرسلت نظرها إلى هناك.. إلى البعيد، منذ أحرقت شمعتها الاربعين قبل أيام. بعد انتهاء معرضها الاول الفاشل للأسف، تحرّكت في أعماقها فراشات الامل، وكانت التحيّات القليلة التي غمرتها بها صديقات لها كافية لأن توقظ أملًا غفا في أعماقها البعيدة القصية مدة أربعين عامًا وآن له أن يفرد جناحيه وأن يحلّق في أعالي المجد. وهو ما دفعها أيضًا لأن تتخذ قرارًا صارمًا يقضي بعدم التراجع عنه حتى لو تراجعت عن حياتها وجعلتها هباءً منثورا، هو أن تعثر على ذلك الشُجاع المُخلّص الذي يمهّد لها طريق المجد، ويُمكّنها من تحويل اسمها "نجمة"، من مجرد اسم إلى حقيقة واقعة. قرارها هذا جعلها تتنقل من مكان إلى آخر.. في الظاهر أنها تريد أن تطوّر فنها عبر اطلاعها على خبرات سابقيها، نعم سابقيها وليس سابقاتها في طريق الفن، وفي الباطن أنها تريد أن تعثر على الدرجة الماسية التي تقذف بها.. بصورة صاروخية إلى الذرى العالية بعيدًا عن طليقها وابتساماته الساخرة. هكذا بقيت تبحث مسترشدة بحاستها النسوية المتيقظة لكل نأمة وحركة، حتى عثرت على بغيتها، "جواد" وهو صاحب جالري يحتاج إلى قليل من الدعم، وبعدها يدعم كل من تقوده قدماه إليه من فنانين.
استعادتها هذه لشريط الماضي القريب، وانتقالها من مُنظم معرضها الاول ومحتضنه الطامع بها وبدفئها النسوي، وتوصّلها فيما بعد إلى ذلك الجواد العربي الشهم، دبّ في عينيها بعضًا من الطمأنينة فعادت إلى سريرها المفرد الوحيد، واسلمت أمرها إلى خالقها وهي تفكّر في جوادها العربي الاصيل. ما إن فتحت عينيها في الصباح حتى هرعت إلى خزانتها ذات المرايا، وقبل أن تفتح ضلفتها اللامعة، أرسلت نظرة آملة في مرآتها وتمعّنت في سحبة ساقيها.. وبعدها بشفتيها المنفوخين، فعينيها، وتناولت أجدد ما اشترته من ثياب من السوق الشعبية، ووضعته على جسدها كأنما هي تراه أول مرّة وخاطبت نفسها قائلة:" والله حلوة.. بتستحق الكثير"، وقبل أن تقول "لكن حظ مفيش"، قالت بإصرار:" النجمة هي مَن تخلق حظها".
ارتدت ثوبها بسرعة مَن يريد أن يضع الوقت بيده.. وليس العكس، وانطلقت باتجاه "جالري جواد"، وصلت إلى هدفها بسرعة، فتحت باب الجالري ودخلت لتجد جوادها قد غلى القهوة وجلس بانتظارها.. استقبلها بابتسامة ذكّرتها بابتسامة طليقها.. غير أنها كذّبت شعورها هذا واستمعت إليه يقول إنه يلمس فيها نوعًا من الجدية، مضيفًا ان هذه الصفة هي الاساسية لمن يريد أن يكون نجمًا. وملأ فنجانها وبعده فنجانه بالقهوة العُصملية المُرّة، ما إن تناولت فنجان القهوة وأدنته من فمها حتى سمعته يستشيرها فيما يمكنه أن يفعله ليتمكن من الحصول على المال المطلوب لتطوير جالريه الفقير وتقديم كلّ ما يُطلب منه للفن وأهله، وأشار إلى ملامح الضنك البادية في الجالري، وهو يقول أريد أن أجد الطريقة الناجعة لتطويرها. عندها تعزّز لديها الشعور بأنها عثرت على ضالتها المنشودة، واقترحت عليه أن يتوجه إلى رئيس بلدية المدينة الجديد، معزّزة اقتراحها بقولها إنها سمعت الكثير عن اعتنائه بالفن وأهله وإنه قدّم الدعم غير المشروط للعديدين من عشاق الفن وسالكي طريقه. انفرجت أسارير جواد لتملأ أجواء جالريه الراقصة، فسألته عن سبب ابتسامته تلك فما كان منه إلا أن أخبرها أنه يعرف هذا كله، موضحًا أنه رتّب زيارة بعد حوالي الساعة لدار البلدية، وانهما، هي أولًا وهو ثانيًا، سيكونان بعد قليل بحضرة الرئيس. أرسلت نجمة الفنّ نظرة حالمة إلى جواد الجالري، وأشعرته أنها جاهزة لكلّ ما يطلبه منها، فالحلم واحد والطريق واحد.. والذرى العالية هي الهدف.
اتخذ الاثنان، نجمة وجواد، مجلسيهما في ناحية، وفي الناحية المقابلة لهما، جعص رئيس البلدية الجديد، وعلى شفتيه ترحيب وسؤال عمّا يطلبانه منه، ورغم أنه كان مدركًا لكلّ ما يدور حوله، لكثرة ما طرق بابه من فناني البلدة.. وفناناتها تحديدًا، نقل جواد نظرة خاطفة بين نجمته وبين رئيس بلديته، وأشار إليها أن تتحدّث. بسرعة الحلم فهمت نجمة الفن المطلوب منها فأرسلت من طرف عينها الايسر نظرة آملة باتجاه الرئيس، ومن طرف فمها الأيمن ابتسامة ذات خمسة عشر الف معنى، وراحت تتحدث عن الاوضاع الصعبة وعمّا تواجهه جالري جواد من عقبات تُصعّب عليها تبني عروض فناني المدينة، بل إن خاطرة جهنمية دهمت مخيلتها ما لبثت أن تبنتها وأرسلتها من فورها نحو الرئيس، قالت إن الجالري تواجه خطر الاغلاق إذا لم تجد الدعم المطلوب، عندها استيقظت حمية الرئيس، وقرّر دعم جالري جواد، بالمطلوب. عندما خرج الاثنان من حضرة الرئيس، وابتعدا قليلًا عن مبنى البلدية، توقّف جواد قُبالة نجمة وهو يتساءل من أين خطرت لها فكرة تهدُّد خطر الاغلاق للجالري، فأشارت إلى رأسها:" لتعرف أنني فنانة ولست من ضيعة قليلة". ابتسم جواد قُبالتها وهو يفكّر في الخمسة عشر الف شاقل التي ستدخل في حسابه البنكي بعد أيام دعمًا.. ليس للنجمة وحسب.. وإنما لكل نجوم البلدة.
بعد جبال من الوان الفن والفرح وسهول من الامل تملأ سماءها النجوم، افترق الاثنان على أمل حرص جواد على ألا يعطي نجمته وعدًا به، أما نجمة فقد حملت حلمها بمعرضها الفني الثاني ومضت نحو شقتها الصغيرة هناك في الفضاء الرحب، وجلست على طرف سريرها تنتظر أملًا بقي في دار البلدية ولم يصل إلى جالري جواد.. كما افترضت.
استغرقتها حالة من القلق، حملتها إلى نافذة بيتها المطلّة على الفضاء اللامتناهي، أرسلت نظرها إلى هناك.. إلى البعيد، منذ أحرقت شمعتها الاربعين قبل أيام. بعد انتهاء معرضها الاول الفاشل للأسف، تحرّكت في أعماقها فراشات الامل، وكانت التحيّات القليلة التي غمرتها بها صديقات لها كافية لأن توقظ أملًا غفا في أعماقها البعيدة القصية مدة أربعين عامًا وآن له أن يفرد جناحيه وأن يحلّق في أعالي المجد. وهو ما دفعها أيضًا لأن تتخذ قرارًا صارمًا يقضي بعدم التراجع عنه حتى لو تراجعت عن حياتها وجعلتها هباءً منثورا، هو أن تعثر على ذلك الشُجاع المُخلّص الذي يمهّد لها طريق المجد، ويُمكّنها من تحويل اسمها "نجمة"، من مجرد اسم إلى حقيقة واقعة. قرارها هذا جعلها تتنقل من مكان إلى آخر.. في الظاهر أنها تريد أن تطوّر فنها عبر اطلاعها على خبرات سابقيها، نعم سابقيها وليس سابقاتها في طريق الفن، وفي الباطن أنها تريد أن تعثر على الدرجة الماسية التي تقذف بها.. بصورة صاروخية إلى الذرى العالية بعيدًا عن طليقها وابتساماته الساخرة. هكذا بقيت تبحث مسترشدة بحاستها النسوية المتيقظة لكل نأمة وحركة، حتى عثرت على بغيتها، "جواد" وهو صاحب جالري يحتاج إلى قليل من الدعم، وبعدها يدعم كل من تقوده قدماه إليه من فنانين.
استعادتها هذه لشريط الماضي القريب، وانتقالها من مُنظم معرضها الاول ومحتضنه الطامع بها وبدفئها النسوي، وتوصّلها فيما بعد إلى ذلك الجواد العربي الشهم، دبّ في عينيها بعضًا من الطمأنينة فعادت إلى سريرها المفرد الوحيد، واسلمت أمرها إلى خالقها وهي تفكّر في جوادها العربي الاصيل. ما إن فتحت عينيها في الصباح حتى هرعت إلى خزانتها ذات المرايا، وقبل أن تفتح ضلفتها اللامعة، أرسلت نظرة آملة في مرآتها وتمعّنت في سحبة ساقيها.. وبعدها بشفتيها المنفوخين، فعينيها، وتناولت أجدد ما اشترته من ثياب من السوق الشعبية، ووضعته على جسدها كأنما هي تراه أول مرّة وخاطبت نفسها قائلة:" والله حلوة.. بتستحق الكثير"، وقبل أن تقول "لكن حظ مفيش"، قالت بإصرار:" النجمة هي مَن تخلق حظها".
ارتدت ثوبها بسرعة مَن يريد أن يضع الوقت بيده.. وليس العكس، وانطلقت باتجاه "جالري جواد"، وصلت إلى هدفها بسرعة، فتحت باب الجالري ودخلت لتجد جوادها قد غلى القهوة وجلس بانتظارها.. استقبلها بابتسامة ذكّرتها بابتسامة طليقها.. غير أنها كذّبت شعورها هذا واستمعت إليه يقول إنه يلمس فيها نوعًا من الجدية، مضيفًا ان هذه الصفة هي الاساسية لمن يريد أن يكون نجمًا. وملأ فنجانها وبعده فنجانه بالقهوة العُصملية المُرّة، ما إن تناولت فنجان القهوة وأدنته من فمها حتى سمعته يستشيرها فيما يمكنه أن يفعله ليتمكن من الحصول على المال المطلوب لتطوير جالريه الفقير وتقديم كلّ ما يُطلب منه للفن وأهله، وأشار إلى ملامح الضنك البادية في الجالري، وهو يقول أريد أن أجد الطريقة الناجعة لتطويرها. عندها تعزّز لديها الشعور بأنها عثرت على ضالتها المنشودة، واقترحت عليه أن يتوجه إلى رئيس بلدية المدينة الجديد، معزّزة اقتراحها بقولها إنها سمعت الكثير عن اعتنائه بالفن وأهله وإنه قدّم الدعم غير المشروط للعديدين من عشاق الفن وسالكي طريقه. انفرجت أسارير جواد لتملأ أجواء جالريه الراقصة، فسألته عن سبب ابتسامته تلك فما كان منه إلا أن أخبرها أنه يعرف هذا كله، موضحًا أنه رتّب زيارة بعد حوالي الساعة لدار البلدية، وانهما، هي أولًا وهو ثانيًا، سيكونان بعد قليل بحضرة الرئيس. أرسلت نجمة الفنّ نظرة حالمة إلى جواد الجالري، وأشعرته أنها جاهزة لكلّ ما يطلبه منها، فالحلم واحد والطريق واحد.. والذرى العالية هي الهدف.
اتخذ الاثنان، نجمة وجواد، مجلسيهما في ناحية، وفي الناحية المقابلة لهما، جعص رئيس البلدية الجديد، وعلى شفتيه ترحيب وسؤال عمّا يطلبانه منه، ورغم أنه كان مدركًا لكلّ ما يدور حوله، لكثرة ما طرق بابه من فناني البلدة.. وفناناتها تحديدًا، نقل جواد نظرة خاطفة بين نجمته وبين رئيس بلديته، وأشار إليها أن تتحدّث. بسرعة الحلم فهمت نجمة الفن المطلوب منها فأرسلت من طرف عينها الايسر نظرة آملة باتجاه الرئيس، ومن طرف فمها الأيمن ابتسامة ذات خمسة عشر الف معنى، وراحت تتحدث عن الاوضاع الصعبة وعمّا تواجهه جالري جواد من عقبات تُصعّب عليها تبني عروض فناني المدينة، بل إن خاطرة جهنمية دهمت مخيلتها ما لبثت أن تبنتها وأرسلتها من فورها نحو الرئيس، قالت إن الجالري تواجه خطر الاغلاق إذا لم تجد الدعم المطلوب، عندها استيقظت حمية الرئيس، وقرّر دعم جالري جواد، بالمطلوب. عندما خرج الاثنان من حضرة الرئيس، وابتعدا قليلًا عن مبنى البلدية، توقّف جواد قُبالة نجمة وهو يتساءل من أين خطرت لها فكرة تهدُّد خطر الاغلاق للجالري، فأشارت إلى رأسها:" لتعرف أنني فنانة ولست من ضيعة قليلة". ابتسم جواد قُبالتها وهو يفكّر في الخمسة عشر الف شاقل التي ستدخل في حسابه البنكي بعد أيام دعمًا.. ليس للنجمة وحسب.. وإنما لكل نجوم البلدة.
بعد جبال من الوان الفن والفرح وسهول من الامل تملأ سماءها النجوم، افترق الاثنان على أمل حرص جواد على ألا يعطي نجمته وعدًا به، أما نجمة فقد حملت حلمها بمعرضها الفني الثاني ومضت نحو شقتها الصغيرة هناك في الفضاء الرحب، وجلست على طرف سريرها تنتظر أملًا بقي في دار البلدية ولم يصل إلى جالري جواد.. كما افترضت.
جالري جواد/ قصة: ناجي ظاهر
لم تنم نجمة ليلة الجمعة كما كانت تنام في سابقاتها من الليالي، كانت طوال الوقت تفكّر فيما عساها تفعله كي تضع خطوتها الاولى على طريق المجد الطويل
www.alarab.co.il