أطياف سنيدح - قريب أنت.. قصة قصيرة

أضحت أفكاري ميتة كالكلمات ، بينما هذه الطبقة مختلفة عني .. يقول أحد علماء الفلك : إن الكون المادي يبدو بصورة ما كأنه يمرّ كحكاية تُحكي ، تنحل في العّدّم كرؤيا ، ويبدو إن هذا هو الشعور العام الكامن تحت سلّة العلم الفارغة .. وهكذا كان هنري ميللر يؤكد . بان التعلم ما هو إلا سلّة خبز فارغة !

أنا متخمة بالكلاسيكيات ، وعلمي عدو للجنس البشري لكن جافة كالمشمش .. نعم !

لا أبدو بعيدة .. هو قلبي من يبتعد عني ويزورني عند الضرورة كي يلاطف حاجتي ، ويسعفني في رحلة تأتي دون أن أحجز لها بطاقة سفر .. يحبني القدر وهو يعطيني القليل من الحب كي لا أبكي على الكثير !

الجنة حلم رطب ، والقبّلة عملية جنسية مصغرة .. كان لا يعلم هذا حتى وهو يقترب من ظلام اللهفة ، يقترب من قراءة هويتي ” الكاريزما ” التي توضح له مدى ثقتي بنفسي وكيف أتعامل بأسلوب يحترمه الآخر رغم عنه وبسلوك منفرد عن جنسي .. هو رجل لا يغار عليّ بسهولة !

يعود صوته ، يعود يتجول في لحظات الحظ فأعرف بان السعادة أشبه بقصة قصيرة يوماً كتبتها عنه .. تكلمنا بشكل ناضج ، وتحولت الكلمات الى سهام رقيقة .. سألني عن صوتي ، وسألته : أمتأكد بانك هو ؟

قال : معي أدلة تثبت بانني هو ، إن أحببتِ التأكد أسأليني عن شيء تعرفينه عني سابقاً .. لم أتوقع عودة صوته ، لكن هو دائماً يريدني ” سمينة ” وهذا ما سألني عنه فعرفت إنه هو !

حائرة لأن صوته يعود عند التاسعة ليلاً .. ساعات الليل نقطة صفر غالية ، وغياب الوعي فيه مشكلة لامرأة لا تريد أن تتسكع باسم عاطفة تجردت منها مبادئ التواصل العاطفي .. هيأت فنجان قهوتي ، ولبست قميص النوم بعد مسح مكياج وجهي ، وحين تم الاستلقاء على السرير .. جاء صوت يسألني : أمازلتِ تحبينه ؟

لم أكن سعيدة حتى أجد من يسألني عن هذا ، ثم كيف أعرف الاجابة وقد رفضت أن أضحي بكل مكاسبي من أجل رجل ينكرني إن جاء الليل وشاهد امرأته نائمة بجانبه وهي بانتظار أن يلمسها كرجل بحسب ظنها مثالي ومخلص ، وهذا ما تفكر به الكثيرات وهن بقرارة النفس يهربن من ظل يؤكد لهن خيانته منذ أن كان في بطن أمه ينتظر الخروج ، كي يمارس التمركز في اللذة !

قالها مرة لي : أحببتكِ وأنا في بطن أمي ، وكنت أنظر اليكِ بكثافة نصكِ وروعة قامتكِ .. مثيرة ولا أحسب كم مرة أشتهيت قربكِ !

الغفوة سحر جسدي ، وعلى حسب إيقاع القبول تمكنت من أن أصدقه فكل أكاذيب الرجل قابلة للتصحيح من امرأة حكيمة مثلي .. أنا مدينة أثرية لها زوار من جميع الأجناس واللغات ، ولهذا لا أهتم بزائر مثله يتفقدني بعد إلحاح من قلبه الذي يبكي كلما فكر بي .. الاستلقاء طال عندي ، هو مثل الوحدة أستلذ به كأنه غطاء شرعي يتركني سائحة مع الطبيعة بمرح طفولي تجاوز الندم .. الصعوبات تبلغ السبعين من عمري القادم إن عشت لهذا العمر ، وربما ما يلفظه الشوق بفم الشيخوخة أبلغ من حس شبابي كان يشيخ مع عواصف الاستسلام للزمن والغايات والدنيا التي لا تنتهي مشاكلها سوى بظهور ” الفرج ” ..

إسقاطات نسبية ، وصوفية ثيمتي قاتمة كالظلام ولا أحد يعرف من أنا !

صوته يجعلني أتعثر، وينبغي أن لا أنام كي أراه في حلمي يمارس النشاط العاطفي ويدعوني لحفلة حب سرية كالسابق !

بعد انسحابي من العملية العاطفية ، فنجاني يبرد لكنه يشدني اليه كي أقرأ خطوطه العريضة بعد ذلك وأفهم من عرائس ذلك الوجه الي يتوسط الفنجان ، بان السلّم الذي كان يقودني للأعلى لا يمكن النزول منه .. قراءاتي لذيذة كوني وحدي أفكر بطيش السحرة ، أترك فنجاني فعلاقتي مع القهوة تجلب السعد لخاطري المزمن بحب الخيال البعيد والذي أجعله قريب متى أريد !

لن أستحي من حاجتي إن أعلنت عن نفسها ، أنا أستحي من قلب لا يحترم الحب في زمن عدم الاحترام .. يذكرني هو بكل أقاويله الجميلة ، بعطر الرومانسية التي تأتي مع صدفة القدر !

لقد أحببت نفسي ، وهذا العيب الذي لا يصدقه غيري .. أحببتها لأنها لم تجد من يحبها بذلك الود الغير أناني .. لن أنام ويأتيني هو في الحلم ، أريد أن أبقى ساهرة ومتعبة ومرهقة البال ثم تأتي الساعة التي أعفي نفسي عن مسؤولية نفسي ، وأذهب . أذهب لمكان هادئ وأطرق بابه ، قائلة : هل تسمح لي بالدخول ؟

لا أجوبة ، ولن تكون هناك أجوبة مقنعة تفي بالغرض .. هناك مولود يريد الولادة بداخلي وهو غير رسمي ، وحين أنظر لجوهره أعرف بان الغاية تبرر الوسيلة !

هو غلطتي البريئة ، هو ابني أنا ولا يجوز لغيري العبث معه وسرقته من دفء حبي .. الرجل مجرد اشارة لمرور امرأة من جانبه يوماً ، ولهذا لن يفهم كم من تعب وجهد تتحمله المرأة كي تنجب وتقدم وليدها لعالم خالٍ من رجل هو مجرد اسم في هوية !

لن أخبره إني حامل ، ومعي ثروة ليلته الأخيرة كاملة .. لن أنتظر ان يوافق أو يرفض ، هو ابني الذي جاء مع انني كنت حذرة جداً ولكن إن أراد الله شيء فهو من يقل له كن فيكون .. أسمعه يقل لي : ماما ، انتظريني فلن تجدي من يحبك مثلي ، ماما العالم الذي تحاربينه من أجلي سأنقذكِ منه وأنا ادافع عنكِ .. هو ابني !

لم يبق أي شيء من ذلك الرنين الذي يتركه صوته يعذبني ، مطمئنة من وجوده وبان عدم نسياني حالة لا يمكن ان يعالجها بسهولة مع نفسه وهذا من حسن حظي فليس كل النساء قادرات على ترك بصمتهن عند الرجال هكذا .. هو قريب لكن ليس بنفس قرب ابنه .. ابنه الذي يشبهه وأنا متأكدة من هذا ، فكل من يولد وهو شبيه للأب فذلك لأن المرأة في لحظة الحب كانت هي أكثر عشقاً والعكس صحيح !

وكنت عاشقة أكثر منه ، ولقد تجنبت أن يكون هو أكثر عشقاً مني حتى لا يخرج ابني يشبهني فانا لست بذلك الجمال والوسامة التي يمتلكها هو .. ذكاء مني لا أكثر ، فانتاج كهذا ربح معنوي لي !

يضايقني إن قكرت كثيراً به ، مستسلمة لصوت فجأة دخل لغرفتي من خلال مذياع لسيارة توقفت عند نافذتي المطلة على الشارع الفرعي . منزلي ثلاثة طوابق وأنا في الطابق الثاني ومؤكد كل ما يصدر من صوت أو ضجيج غير عادي يصلني ، ولقد دخل صوت ” اليسا ” وهي تكرر رومانسيتها للحبيب !

قمت بإغلاق النافذة باحكام وفي قرارة النفس ، قول : بان معشر الرجال كلهم أمام الشهوة يركون للنساء وينسون الله .. عدت لفراشي بعد أن أطفأت الأنوار وظل ضوء أحمر من مصباح صغير ينير جو عالمي ، مع إني كنت على علم بانك قريب لكن ليس بحجم قرب ابني مني …….

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى