عادت أمي متعبة مرهقة من عملها غسل ثياب الاغنياء، فيما كنّا، أنا وخالي وأبي، نفترش أرضية بيتنا المستأجر في الناصرة القديمة وننتظر رحمة السماء. أمي ضاقت بالفقر الذي حلّ بنا مثل شيطان رجيم، منذ طردها مع باقي أفراد أسرتنا الصغيرة من قريتها الوادعة، ولجوء العائلة إلى الناصرة، فراحت تطرق أبواب الاغنياء بعد أن تعرّفت على حي موسر، لتنفتح لها أبواب الشقاء والرزق، على أوسع أبوابها الضيقة، وأبي وخالي انطلقا يبحثان عن عمل في فيافي المدينة وقفارها دون أن يجدا مَن يقبل بهما عاملين لديه.. لضعفهما.. وهشاشة عظامهما، أما أنا صغير العائلة ابن الخامسة المحنّك، فقد كنت أرقب مشهد العذاب اليومي ومشاحناته بين أمي الصبية، أبي المُسنّ وخالي.. وفي عيني دمعة.
أعدّت أمي ما أحضرته من طعام بسيط بسرعة كبيرة، ودعتنا لتناول طعام الافطار، هجمنا على الطعام هجمة من لم يرَ الطعام منذ فترة سحيقة، تناولناه بشهية تصل حدّ النهم، وكنت أسترق النظر إلى أمي وهي تتابع ذلك المشهد الحافل بآلام حياتنا الجديدة وآلامها، وأنا في حيرة من أمري.. وأتمنّى لو أنني ولدت شابًا عفيًا قادرًا على العمل وعلى إعفاء أهلي من ليالي العذاب ونهارات الالم والمعاناة.
عندما أوشك كل من أبي وخالي على الانتهاء من تناول طعامهما، توجّهتْ أمي إليهما قائلة: عليكما أن تنطلقا الآن، وليس غدًا، للبحث عن عمل. عندها أرسل خالي نظرة متسائلة عن سبب توجهها ذاك إليه وإلى أبي. فهي تعرف تمام المعرفة أنهما بحثا دائمًا عن العمل دون أن يجداه. فما كان منها إلا أن غرست عينيها في عينيه الراجيتين منتقلة إلى عيني أبي المشحونتين حمرة وحنقًا، وقالت بأسى لم نعهد مثله في السابق: صاحبة العمل أوقفتني عنه. وأردفت بعد أن تساءلت عيون الجميع.. قائلة: شكلها خايفة على زوجها.. ولم تُكمل. عندها توقّف أبي وخالي بجسديهما النحيلين، وتناول كل منهما عصاه، وانطلقا خارجين من البيت الطيني المتآكل باتجاه منطقة الكراج.
لحقتُ بابي وخالي. وكنت أرقبهما من بعيد كانا مثل شبحين ضعيفين غريبين يدبّان على أرض الناصرة القاسية، متوكئين على عصويهما، وكنت أتابعهما بإحساس مَن أراد مساعدتهما دون أن يعرف كيف. كانت عيناي تتجوّلان في كل الاتجاهات.. في عملية بحث لا تتوقّف عمّا يساعدهما ويقيهما شرّ السؤال. عندما توقّف أبي وخالي النحيفين المسقودين في الكراج. راعني أن أصحاب العمل الباحثين عن عُمّال ينظرون إليهما.. يهزونهما كل على حدة.. فيهتزان مترطرطين... ويمضون منتقلين إلى عمّال آخرين تناولوا الطعام فحظوا بالقوة وامتلاء القامة. بعد هنيهات ليست قصيرة من الالم والمعانة في عيني غاليي، أبي وخالي. شطحت بخيالي، إلى جنّات بعيدة، تشبه تلك التي حلم بها أهلي دون أن تطالها أيديهم المُهجّرة. وخطرت لي فكرة ما لبثتُ أن شرعت في تنفيذها.
اقتربت من أبي وخالي. توقفت قُبالتهما مثل طفل يريد أن يكون ماردًا، نقلت عيني في كل منهما، فسألني الاثنان بصوت كاد أن يكون واحدًا عن سبب نظراتي تلك، فقلت لقد وجدتُ الحلّ للمشكلة. لمعت عينا أبي وخالي، وسألاني مرة أخرى وما هو الحلّ؟ قلت لهما: اتبعاني وسوف تريان. تبادل أبي وخالي النظرات فيما بينهما، ابتسما.. سرت وسارا ورائي.. كنت أشعر أنهما يعرفان أنني ولدتُ شابًا وأنه بإمكاني أن أساعدهما.. سارا ورائي.. وأنا افكّر فيما عساهما يفكران.. هل اعتقدا أنني عثرت خلال جولاتي اليومية على كنز طالما حلما به.. واعتقدا أنني سأدلهما عليه؟ ربّما.. المهم أنني واصلت السير. وواصلا هما ورائي.
عندما توقفت في حارة الاغنياء، حيث عملت أمي حتى صبيحة ذلك اليوم، طلبت من مرافقيّ أن يتوقّفا خارج أحد البيوت المحاطة بحديقة غنّاء.. تبتسم فيها الحمضيات بألوانها المتنوعة الخضراء، الصفراء والبرتقالية. وغير بعيد عنها تلوح أشجار التفاح والكمّثرى.. والسفرجل. كانت تلك الحديقة تبدو وكأنها جنةُ الله على الارض. واسترقت نظرة إلى أبي وخالي فلمحت في عيونهما رغبة هائلة في تناول شيء من تلك الثمار المرحبة المبتسمة. عندها ازددت إصرارًا على تنفيذ ما خطر لي. اقتربت من بوّابة البيت.. طرقتها فأطلّت خادمة تشبه أمي.. أرسلت نحوي نظرةَ مَن يُريد أن يصرف شحاذًا طرق بابه. وجذبت خوخة الباب بشدة عازمةً على وصدها بوجهي. عندها سمعت صوتًا يأتي من ورائها، ليطلّ رجل في مثل جيل أبي.. عرفت من ملابسه البيتية أنه صاحب البيت. أزاح الرجل خادمته بشدة ليطلَّ بوجهٍ أعترف أنني لم أرتح إليه، وليسألني عمّا أريد. قلت له بصوت صارم: هل تريد مَن يعمل في حديقتك.. يعزق أرضها ويشذّب أشجارها؟.. فأرسل نظرة غامضة نحوي. وأجابني.. نعم أريد من يعمل في حديقتي.. لكني أريد رجلًا لا طفلًا.. عندها سارعت لمناداة أبي وخالي فهرعا راكضين واحدًا يرمح وراء الآخر.. فتح صاحب البيت خوخة بيته لندخل جميعًا. أنا، ابي وخالي، قال صاحب البيت متوجهًا
لخالي وأبي: أعتقد أن العمل في هذه الحديقة سيستغرق ثلاثة أيام من العمل الجاد. لن نختلف على مقابل عملكما.. بعدها توجه إلى غرفة خارجية قديمة. فتح بابها الملبّس بالتنك، فانبعثت منها رائحة الغبار والاهمال. اقتحم خالي الغرفة بعزم من يريد أن يعمل ويعيش، وخرج منها حاملًا معزقًا ومجرفًة. قدم المجرف لوالدي ورفع المعزق ليضعه على كتفه. ومضى الاثنان باتجاه الحديقة نتبعهما أنا وصاحب البيت. ما إن وصل الاثنان الشجرة الاولى في الحديقة، حتى غرس خالي معزقه في صدر الارض، كأنما هو يريد أن يتعرّف على لغتها ليتقن التعامل معها. وما إن عزق الارض حول الشجرة حتى بادر أبي إلى تجريف التراب حول جذع الشجرة تمهيدًا لسقايتها. وبدا أن صاحب البيت اطمأن إلى سيرورة العمل في حديقته. فانصرف وهو يبتسم. عندها تناولت المجرفة من يد أبي وشرعت في تجريف التراب حول الشجرة. بعد أن ارتاح أبي تناولت المعزق من يد خالي وشرعت بغرسه في صدر الحديقة. هكذا مضى وقت ليس قصيرًا. عند الشجرة السابعة توقفنا عن العمل. أرسل كلٌّ مِن أبي وخالي نحوي نظرة من انتصر في معركة مصيرية وقالا بصوت كاد يكون واحدًا: الحمد لله انك كبرت. بعدها افترشنا نحن الثلاثة أرض الحديقة.. تحت شجرة تتدلّى منها ثمار السفرجل مثل عناقيد السنا، وأخذنا نتصوّر المستقبل. كل منا يتصوّر ما يرجو ويريد.. أنا أريد أن اخذ دوري في مساعدة أسرتي.. أمي.. أبي وخالي.. وهم يرون فيّ أملا يطلّ من أقصى الحديقة ليبشّر بخير عميم.. وجنات تجري من تحتها الانهار.
قال خالي: أريد أن آكل.. لا أتحمّل المزيد من الجوع.
سارع والدي وقطف عددًا من ثمار التفاح.. وابتدأنا جميعًا في تناولها. أكلنا التفاح حتى امتلأت بطوننا. فبدت وكأنما هي ثلاثة كروش. عندما أُتخمنا. أخذنا في التحدث عمّا مرّ علينا في ذلك اليوم. وما أن ورد ذكر أمي وإيقافها عن عملها.. حتى سارعنا جميعًا إلى أشجار الحديقة ننتزع من أغصانها أكوامًا من الثمار. وضعنا ما جمعناه مِن ثمار في كيس خيش كان أبي قد أعده لمثل هكذا رزقة. ومضينا في طريق العودة إلى بياتنا القائم في متاهات الناصرة القديمة. ما ان خطونا بضع خطوات.. حتى شعرنا بحركة وراءنا ما لبثت أن تحولت إلى صراخ.. نظرنا إلى مصدر الحركة فرأينا صاحب البيت يتناول قشور البرتقال وبقايا التفاح والكمّثرى. ويصرخ: هذا ما كنت أخشاه.. لقد خربتم بيتي.. أكلتم أفضل ثماري، كانت خادمتي محقةً.. كان عليّ أن أطردكم كما طردت غيركم من الشحاذين.
وجرى وراءنا.. انتزع كيس الثمار من على رقبة والدي.. وراح يصرخ شاتمًا إيانا وسابًّا آباءَنا وآباء آبائنا.. وراكلًا كلًا منّا طاردًا إياه بعيدًا.. عن جنّته.
أعدّت أمي ما أحضرته من طعام بسيط بسرعة كبيرة، ودعتنا لتناول طعام الافطار، هجمنا على الطعام هجمة من لم يرَ الطعام منذ فترة سحيقة، تناولناه بشهية تصل حدّ النهم، وكنت أسترق النظر إلى أمي وهي تتابع ذلك المشهد الحافل بآلام حياتنا الجديدة وآلامها، وأنا في حيرة من أمري.. وأتمنّى لو أنني ولدت شابًا عفيًا قادرًا على العمل وعلى إعفاء أهلي من ليالي العذاب ونهارات الالم والمعاناة.
عندما أوشك كل من أبي وخالي على الانتهاء من تناول طعامهما، توجّهتْ أمي إليهما قائلة: عليكما أن تنطلقا الآن، وليس غدًا، للبحث عن عمل. عندها أرسل خالي نظرة متسائلة عن سبب توجهها ذاك إليه وإلى أبي. فهي تعرف تمام المعرفة أنهما بحثا دائمًا عن العمل دون أن يجداه. فما كان منها إلا أن غرست عينيها في عينيه الراجيتين منتقلة إلى عيني أبي المشحونتين حمرة وحنقًا، وقالت بأسى لم نعهد مثله في السابق: صاحبة العمل أوقفتني عنه. وأردفت بعد أن تساءلت عيون الجميع.. قائلة: شكلها خايفة على زوجها.. ولم تُكمل. عندها توقّف أبي وخالي بجسديهما النحيلين، وتناول كل منهما عصاه، وانطلقا خارجين من البيت الطيني المتآكل باتجاه منطقة الكراج.
لحقتُ بابي وخالي. وكنت أرقبهما من بعيد كانا مثل شبحين ضعيفين غريبين يدبّان على أرض الناصرة القاسية، متوكئين على عصويهما، وكنت أتابعهما بإحساس مَن أراد مساعدتهما دون أن يعرف كيف. كانت عيناي تتجوّلان في كل الاتجاهات.. في عملية بحث لا تتوقّف عمّا يساعدهما ويقيهما شرّ السؤال. عندما توقّف أبي وخالي النحيفين المسقودين في الكراج. راعني أن أصحاب العمل الباحثين عن عُمّال ينظرون إليهما.. يهزونهما كل على حدة.. فيهتزان مترطرطين... ويمضون منتقلين إلى عمّال آخرين تناولوا الطعام فحظوا بالقوة وامتلاء القامة. بعد هنيهات ليست قصيرة من الالم والمعانة في عيني غاليي، أبي وخالي. شطحت بخيالي، إلى جنّات بعيدة، تشبه تلك التي حلم بها أهلي دون أن تطالها أيديهم المُهجّرة. وخطرت لي فكرة ما لبثتُ أن شرعت في تنفيذها.
اقتربت من أبي وخالي. توقفت قُبالتهما مثل طفل يريد أن يكون ماردًا، نقلت عيني في كل منهما، فسألني الاثنان بصوت كاد أن يكون واحدًا عن سبب نظراتي تلك، فقلت لقد وجدتُ الحلّ للمشكلة. لمعت عينا أبي وخالي، وسألاني مرة أخرى وما هو الحلّ؟ قلت لهما: اتبعاني وسوف تريان. تبادل أبي وخالي النظرات فيما بينهما، ابتسما.. سرت وسارا ورائي.. كنت أشعر أنهما يعرفان أنني ولدتُ شابًا وأنه بإمكاني أن أساعدهما.. سارا ورائي.. وأنا افكّر فيما عساهما يفكران.. هل اعتقدا أنني عثرت خلال جولاتي اليومية على كنز طالما حلما به.. واعتقدا أنني سأدلهما عليه؟ ربّما.. المهم أنني واصلت السير. وواصلا هما ورائي.
عندما توقفت في حارة الاغنياء، حيث عملت أمي حتى صبيحة ذلك اليوم، طلبت من مرافقيّ أن يتوقّفا خارج أحد البيوت المحاطة بحديقة غنّاء.. تبتسم فيها الحمضيات بألوانها المتنوعة الخضراء، الصفراء والبرتقالية. وغير بعيد عنها تلوح أشجار التفاح والكمّثرى.. والسفرجل. كانت تلك الحديقة تبدو وكأنها جنةُ الله على الارض. واسترقت نظرة إلى أبي وخالي فلمحت في عيونهما رغبة هائلة في تناول شيء من تلك الثمار المرحبة المبتسمة. عندها ازددت إصرارًا على تنفيذ ما خطر لي. اقتربت من بوّابة البيت.. طرقتها فأطلّت خادمة تشبه أمي.. أرسلت نحوي نظرةَ مَن يُريد أن يصرف شحاذًا طرق بابه. وجذبت خوخة الباب بشدة عازمةً على وصدها بوجهي. عندها سمعت صوتًا يأتي من ورائها، ليطلّ رجل في مثل جيل أبي.. عرفت من ملابسه البيتية أنه صاحب البيت. أزاح الرجل خادمته بشدة ليطلَّ بوجهٍ أعترف أنني لم أرتح إليه، وليسألني عمّا أريد. قلت له بصوت صارم: هل تريد مَن يعمل في حديقتك.. يعزق أرضها ويشذّب أشجارها؟.. فأرسل نظرة غامضة نحوي. وأجابني.. نعم أريد من يعمل في حديقتي.. لكني أريد رجلًا لا طفلًا.. عندها سارعت لمناداة أبي وخالي فهرعا راكضين واحدًا يرمح وراء الآخر.. فتح صاحب البيت خوخة بيته لندخل جميعًا. أنا، ابي وخالي، قال صاحب البيت متوجهًا
لخالي وأبي: أعتقد أن العمل في هذه الحديقة سيستغرق ثلاثة أيام من العمل الجاد. لن نختلف على مقابل عملكما.. بعدها توجه إلى غرفة خارجية قديمة. فتح بابها الملبّس بالتنك، فانبعثت منها رائحة الغبار والاهمال. اقتحم خالي الغرفة بعزم من يريد أن يعمل ويعيش، وخرج منها حاملًا معزقًا ومجرفًة. قدم المجرف لوالدي ورفع المعزق ليضعه على كتفه. ومضى الاثنان باتجاه الحديقة نتبعهما أنا وصاحب البيت. ما إن وصل الاثنان الشجرة الاولى في الحديقة، حتى غرس خالي معزقه في صدر الارض، كأنما هو يريد أن يتعرّف على لغتها ليتقن التعامل معها. وما إن عزق الارض حول الشجرة حتى بادر أبي إلى تجريف التراب حول جذع الشجرة تمهيدًا لسقايتها. وبدا أن صاحب البيت اطمأن إلى سيرورة العمل في حديقته. فانصرف وهو يبتسم. عندها تناولت المجرفة من يد أبي وشرعت في تجريف التراب حول الشجرة. بعد أن ارتاح أبي تناولت المعزق من يد خالي وشرعت بغرسه في صدر الحديقة. هكذا مضى وقت ليس قصيرًا. عند الشجرة السابعة توقفنا عن العمل. أرسل كلٌّ مِن أبي وخالي نحوي نظرة من انتصر في معركة مصيرية وقالا بصوت كاد يكون واحدًا: الحمد لله انك كبرت. بعدها افترشنا نحن الثلاثة أرض الحديقة.. تحت شجرة تتدلّى منها ثمار السفرجل مثل عناقيد السنا، وأخذنا نتصوّر المستقبل. كل منا يتصوّر ما يرجو ويريد.. أنا أريد أن اخذ دوري في مساعدة أسرتي.. أمي.. أبي وخالي.. وهم يرون فيّ أملا يطلّ من أقصى الحديقة ليبشّر بخير عميم.. وجنات تجري من تحتها الانهار.
قال خالي: أريد أن آكل.. لا أتحمّل المزيد من الجوع.
سارع والدي وقطف عددًا من ثمار التفاح.. وابتدأنا جميعًا في تناولها. أكلنا التفاح حتى امتلأت بطوننا. فبدت وكأنما هي ثلاثة كروش. عندما أُتخمنا. أخذنا في التحدث عمّا مرّ علينا في ذلك اليوم. وما أن ورد ذكر أمي وإيقافها عن عملها.. حتى سارعنا جميعًا إلى أشجار الحديقة ننتزع من أغصانها أكوامًا من الثمار. وضعنا ما جمعناه مِن ثمار في كيس خيش كان أبي قد أعده لمثل هكذا رزقة. ومضينا في طريق العودة إلى بياتنا القائم في متاهات الناصرة القديمة. ما ان خطونا بضع خطوات.. حتى شعرنا بحركة وراءنا ما لبثت أن تحولت إلى صراخ.. نظرنا إلى مصدر الحركة فرأينا صاحب البيت يتناول قشور البرتقال وبقايا التفاح والكمّثرى. ويصرخ: هذا ما كنت أخشاه.. لقد خربتم بيتي.. أكلتم أفضل ثماري، كانت خادمتي محقةً.. كان عليّ أن أطردكم كما طردت غيركم من الشحاذين.
وجرى وراءنا.. انتزع كيس الثمار من على رقبة والدي.. وراح يصرخ شاتمًا إيانا وسابًّا آباءَنا وآباء آبائنا.. وراكلًا كلًا منّا طاردًا إياه بعيدًا.. عن جنّته.
أكلة وقتلة|قصة: ناجي ظاهر
عادت أمي متعبة مرهقة من عملها غسل ثياب الاغنياء، فيما كنّا، أنا وخالي وأبي، نفترش أرضية بيتنا المستأجر في الناصرة القديمة وننتظر رحمة السماء
www.alarab.co.il