د. محمد عبدالله القواسمة - ما يلفت الانتباه إلى فايز الدويري ‏

ما يلفت الانتباه إلى المحلل والخبير العسكري والاستراتيجي اللواء الدكتور فايز الدويري ليس خبرته العسكرية العالية، وقدرته على التحليل الحربي لمجريات الحرب على غزة في معركة "طوفان الأقصى"، ووضوحه في الشرح، وعرض التفاصيل فحسب، بل تلك الروح التي يتحلّى بها دون غيره من المثقفين والخبراء العسكريين.

إن هذه الروح التي يتحلّى بها هذا الرجل روح إنسانية متفائلة بانتصار المقاومة الفلسطينية في المعركة، ودحر العدوان عن بني جلدته، رغم التكنولوجيا الحربية المتقدمة التي يستخدمها العدو بوحشية لم تعرفها البشرية منذ حروب هولاكو وهتلر وبوش، إنه يستند في تفاؤله إلى إيمانه القوي بأن الله ينصر الفئة القليلة المؤمنة على الفئة الكثيرة الباغية" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" نلمس ذلك من خلال تحليله الموضوعي لمجريات المعركة، وقدرته على استشراف ما ستؤول إليه الأحداث لصالح القوة المستندة إلى الحق، والصبر، والشجاعة، والاستماتة في الدفاع عن الأرض والمقدسات.

إنه فلسطيني، قضيته فلسطين، ولا يسمح لأحد أن يزاود على محبته لفلسطين، حتى وإن كان ابن طولكرم أو القدس أو نابلس. كما أنه أردني في لون بشرته وملامح وجهه ولغته، بل إن في لغته العربية لهجة قريته "كتم" في شمال إربد، تلك القرية التي ولد فيها عام 1952م. وهو عربي متجذر في عروبته أبًا عن جد. وهو في النهاية إنسان يحب أن يعم السلام العالم، ويرجو العدل والحرية للناس على اختلاف أجناسهم وأصولهم.

لهذا فهو يتبنى أوضح قضية إنسانية عرفها التاريخ. وملخصها أن شعبًا كان يعيش في أرضه، وتآمرت عليه الصهيونية، وطرد من معظم أرضه، ولكنه لم ينس وطنه فهو منذ خمسة وسبعين عامًا يطالب بحقه، ويحلم بالرجوع إلى وطنه، بل يعتقد بأن عودته إلى مدنه وقراه التي هجر منها مؤكدة، والدليل أنه ما زال يحتفظ في جيبه مفتاح بيته.

يدرك المحلل العسكري والاستراتيجي هذا الحلم، ويفهم سعي الفلسطيني لتحقيقه، عندما يهاجم محتلي وطنه في بلدات غلاف غزة بإمكاناته البسيطة، وأسلحته المصنوعة محليًا.

لا يغفل فايز الدويري الحقائق التي يعرفها عن الفلسطيني: تاريخه، وحقه في أرضه، وصلابته، وتساوي الموت والحياة عنده في سبيل وطنه. كما لا يغفل حقائق العدو الإسرائيلي في تاريخه المصنوع، وطغيانه الدموي، وأكاذيبه المكشوفة، فتنعكس هذه الحقائق كلها على تحليله لأحداث معركة "طوفان الأقصى" التي بدأت في السابع من تشرين أول 2023م.

لقد كانت قناة الجزيرة موفقة بالاستعانة بهذا الرجل في تحليل الأحداث التي تجري على أرض غزة؛ فهو لا يقل قدرة عن أي محلل عسكري في القنوات العربية والأجنبية، إنه يقدم التفاصيل بوضوح وفهم، ويقرب المصطلحات إلى المشاهد، فيجعله كأنه شاهد على ما يجري، وفوق ذلك فإنه يبعث الأمل في الإنسان المظلوم بالوصول إلى حقه، ويبعث الطمأنينة في النفس القلقة أو الخائفة. ومن خلال موضوعيته في التحليل نلمس إعجابه بهؤلاء المقاومين وتقديرهم، وهم يخرجون من تحت الأرض حفاة أحيانًا، وبملابس النوم الممزقة أحيانًا أخرى، وبأيديهم أسلحة فردية وحشوات وصواريخ بسيطة لمواجهة عدو مدجج بأسلحة فتاكة ودبابات حديثة، ويهاجمونه من مسافة صفر، ويلحقون به الخسائر الفادحة. إنه يعلن تقديره لتلك البسالة التي، في حياته، لم يشاهد أو يقرأ عنها بدءًا من حروب الإسكندر ونابليون إلى الحروب المعاصرة.

هكذا، فإن فايز الدويري يستحق التقدير والاحترام، لا لأنه بارع في التحليل والتفكيك لأحداث الحرب فحسب، بل أيضًا لصفاته الإنسانية، التي في مقدمتها إيمانه بحق الشعوب في نضالها من أجل كرامتها، والحصول على حريتها، ونيلها استقلالها وصون مقدساتها، وتحرير أسراها كما في حالة الشعب الفلسطيني.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى