يشعر غسان كنفاني بالضيق والتبرم لان غادة السمان نشرت أسراره على الملأ، حين كان يعشقها عندما كتب لها رسائله المرتجفة بالحب .. فذهب اليها ليعاتبها، لانها كشفت هواجس الحب التي عاشها معها ، فصعد الى مكتبها في دار النشر التي تملكها، ووجد ثمة شابا يجلس امامها، بشعر اسود ووجه اسمر ، يده تمسك بيدها وهي بهذا العمر الكبير ، ورآى انها مازالت تشعر بالاطراء والفرح ، بينما موسيقى الحب تعزف الحانها في قلبها، كاي عاشقة في الثمانين ..
جلس غسان على كرسي يحاذيها في جلستها خلف طاولة ذات ادراج ثلاثة ، وهي تصغي الى فتى في العشرين من العمر ، يبدو عراقيا من لهجته ومن ملابسه النظيفة لكنها بموضة منتهية ، دفع الفضول غسان ليفتح احد الادراج بحثا عن اللاشيء ، ثم سمع الفتى يسألها :
- لماذا سيدتي الكاتبة الكبيرة قد خيبت املي فيك ؟
اتكئ غسان مستريحا وقد راقت له نبرة الفتى وهو ينتقد الكاتبه الحبيبة الى قلبه من دون كل نساء العالم ، واصغى الى صوته وعلم انه من جنوب العراق تحديدا ، فقد سبق له ان سمع هذه اللهجة ، واراد توظيفها في روايته " رجال في الشمس " حيث يهرب مجموعة من الشبان في تانكر انظلاقا من البصرة ، باتجاه الكويت ، بقصد العمل فيها تمنح مرتبا كبيرا للعمالة الوافدة ، والبصرة في جنوب العراق ، وبعد ان سألته غادة " من اي مكان من جنوب العراق " فقال لها :
- من بلدة صغيرة اسمها العكيكة .
فضحكت غادة لتكرار حرف الكاف وقالت متندرة دفاعا عن نفسها ضد انتقاد الشاب لها :
- كيكة!! .. هل هناك بلدة في العالم تسمى كيكة ؟
صحح لها الفتى بصوته الواثق من نفسه قائلا :
- العكيكة وهي فعلا بلدة تشبه " الكيكة باهلها .
اراد غسان ان يعرف سبب غضب الشاب من حبيبته غادة السمان وقد جاء يعاتبها لنشر رسائله الشخصية السرية اليها، فترك الدرج وظل يصغي مبتسما الى الشاب، وقد نفّس عما يجول في خاطره ،فقد بادر الشاب بالقول
- كيف سمحت لنفسك وانت امرأة في العقد الثامن ان تتجاوزي على خصوصيات وتراث مناضل وكاتب كبير نحبه مثل غسان كنفاني لتنشري رسائله الخاصة اليك ؟
شعر غسان بالراحة والسعادة لان الله قد ارسل انسانا من هذا العالم، ومن جنوب العراق ليقول لها اقواله ، وينتقدها مباشرة على سوء تصرفها وعدم امانتها .. وهو في حالة غياب مستديم لايستطيع فيها الدفاع عن نفسه ، ويبدو هذا الشاب من وجهة نظر غادة قد تجاوز كل الحدود معها امام ، فقد ظهر عليها الضيق والتشنج ، والارتباك وعدم القدرة على الرد.. فقال الشاب :
- كان يجدر بك ان تنشري رسائلك انت ايضا مع رسائله ايضا ، حتى تتم الفائدة والامانة الاخلاقية والادبية ، لماذا نشرت رسائله فقط ؟
ارادت غادة ان تخبر الفتى الغاضب، بانها حاولت الحصول على رسائلها المرسلة اليه، من خلال الاتصال بعائلته ومن هم ورثوه بأن يتم تزويدها بتلك الرسائل، فلم تنجح في ذلك، بالرغم من كل المغريات المادية التي قدمتها لهم ، ووانها توسطت اناس محترمين بينها وبين عائلته ، من دون ان تحصل على جواب منهم ، لكنها وجدت نفسها انها غير قادرة على توضيح الامور لهذا الشاب المندفع بحبه الى غسان .. فابتسمت له ، وامسكت بيده الملقاة على طاولتها ، وحاولت ان تتغنج لتخفيف حدته وصلابته .
اراد غسان أن يدخن سيجارة من علبة سالم النوع المفضل لديها، لكنه ارجأ ذلك لانه لم يشأ ان يثير فطنتها لوجود دخان سيجارة بدون مدخن، فتشعر بالرعب ، لكنه استرخى تماما وتذكر ما كتبها لها ذات مرة بعد علاقة يومية استمرت تسعة اشهر لايفارقان بعضهما لا في الليل ولا في النهار "" بوسعك ان تدخلي الى التاريخ ورأسك الى الامام كالرمح ، انت جديرة بذلك وليس من هو اكثر منك جدارة ، اطرحي مرة والى الابد رأسك ورؤوس الاخرين وعظمة انوثتك وجمالها الاخاذ الصاعق المفعم بالكبرياء ، انني احبك كما لم افعل في حياتي ، اجرؤ على القول كما لم يفعل اي انسان وسأظل اشعر ان تسعة شهور معك ستظل تمطر فوق حياتي الى الابد، اريدك ، انتظرك ، وسأظل اريدك وانتظرك ، واذا بدلك شيء ما في لندن ونسيت ذات يوم اسمي ولون عيني سيكون ذلك مواز لفقدان وطن "" .. وتذكر في رسالة اخرى كتبها لها " دخلت الى عروقي وانتهى الامر ، انه لمن الصعب ان اشفى منك " وكان ردها عليه في رسالة غاضبة تريد فيها ان تتملص من حب جارف غير قادرة على ان تجاريه فقالت له " ان روعة علاقتنا كانت في انها لم تكن " فقال لها في رسالة مؤنبا اياها "" لست اريد ان اصدق انني لا اقيس جسدي بصيغ التهرب والخذلان واقول لك اليوم وغدا والى الابد، انك اهنت فيّ ما اعتز به اكثر من كتبت واكتب ، انه لمن الصعب ان اشفى منك ""، في مقابل هذا الحب الجارف ، كانت قد طلبت منه امرا ، يبدو صعبا على غسان ان ينفذه ، اظن يخص عائلته طفليه وزوجته فقال لها برسالة " لم اكن اريد ان اطوح بالفضاء، طفلين وامراة لم يسيئوا الي قط مثلما طوح بي العالم القاسي قبل عشرين عاما ، اما انت فقد كان يهمك هو نفسك فقط ، كنت خائفة على مصيرك ، وكنت انا خائفا على مصير غيري ، وقد ادى الارتطام الى فجيعة لا هي علاقة ولا هي بتر " .
بقي الشاب مصرا على انتقادها ، وهي تدافع عن نفسها ، حتى قال لها :
- قتلتكم النرجسية ايها الكتاب ، قتلتكم الانا العليا المقيتة، فرحون بانفسكم الى حد العشق ، مثل اسطورة نرسيس الذي كان ينظر الى النهر طوال اليوم متعجبا بجمال وجهه حتى غرق في النهر ذات يوم، هكذا انتم الكتاب النرجسيين ، ستغرقون في نهر حبكم لا نفسكم فقط " .. ثم نهض الفتى وغادر مكتبها بخطوات سريعة كبيرة، ثم انصرف غسان كنفاني باسما بهدوء من الغرفة وهو يشعر بالغبطة لان شابا قد عبّر عما كان يريد قوله لها .
جلس غسان على كرسي يحاذيها في جلستها خلف طاولة ذات ادراج ثلاثة ، وهي تصغي الى فتى في العشرين من العمر ، يبدو عراقيا من لهجته ومن ملابسه النظيفة لكنها بموضة منتهية ، دفع الفضول غسان ليفتح احد الادراج بحثا عن اللاشيء ، ثم سمع الفتى يسألها :
- لماذا سيدتي الكاتبة الكبيرة قد خيبت املي فيك ؟
اتكئ غسان مستريحا وقد راقت له نبرة الفتى وهو ينتقد الكاتبه الحبيبة الى قلبه من دون كل نساء العالم ، واصغى الى صوته وعلم انه من جنوب العراق تحديدا ، فقد سبق له ان سمع هذه اللهجة ، واراد توظيفها في روايته " رجال في الشمس " حيث يهرب مجموعة من الشبان في تانكر انظلاقا من البصرة ، باتجاه الكويت ، بقصد العمل فيها تمنح مرتبا كبيرا للعمالة الوافدة ، والبصرة في جنوب العراق ، وبعد ان سألته غادة " من اي مكان من جنوب العراق " فقال لها :
- من بلدة صغيرة اسمها العكيكة .
فضحكت غادة لتكرار حرف الكاف وقالت متندرة دفاعا عن نفسها ضد انتقاد الشاب لها :
- كيكة!! .. هل هناك بلدة في العالم تسمى كيكة ؟
صحح لها الفتى بصوته الواثق من نفسه قائلا :
- العكيكة وهي فعلا بلدة تشبه " الكيكة باهلها .
اراد غسان ان يعرف سبب غضب الشاب من حبيبته غادة السمان وقد جاء يعاتبها لنشر رسائله الشخصية السرية اليها، فترك الدرج وظل يصغي مبتسما الى الشاب، وقد نفّس عما يجول في خاطره ،فقد بادر الشاب بالقول
- كيف سمحت لنفسك وانت امرأة في العقد الثامن ان تتجاوزي على خصوصيات وتراث مناضل وكاتب كبير نحبه مثل غسان كنفاني لتنشري رسائله الخاصة اليك ؟
شعر غسان بالراحة والسعادة لان الله قد ارسل انسانا من هذا العالم، ومن جنوب العراق ليقول لها اقواله ، وينتقدها مباشرة على سوء تصرفها وعدم امانتها .. وهو في حالة غياب مستديم لايستطيع فيها الدفاع عن نفسه ، ويبدو هذا الشاب من وجهة نظر غادة قد تجاوز كل الحدود معها امام ، فقد ظهر عليها الضيق والتشنج ، والارتباك وعدم القدرة على الرد.. فقال الشاب :
- كان يجدر بك ان تنشري رسائلك انت ايضا مع رسائله ايضا ، حتى تتم الفائدة والامانة الاخلاقية والادبية ، لماذا نشرت رسائله فقط ؟
ارادت غادة ان تخبر الفتى الغاضب، بانها حاولت الحصول على رسائلها المرسلة اليه، من خلال الاتصال بعائلته ومن هم ورثوه بأن يتم تزويدها بتلك الرسائل، فلم تنجح في ذلك، بالرغم من كل المغريات المادية التي قدمتها لهم ، ووانها توسطت اناس محترمين بينها وبين عائلته ، من دون ان تحصل على جواب منهم ، لكنها وجدت نفسها انها غير قادرة على توضيح الامور لهذا الشاب المندفع بحبه الى غسان .. فابتسمت له ، وامسكت بيده الملقاة على طاولتها ، وحاولت ان تتغنج لتخفيف حدته وصلابته .
اراد غسان أن يدخن سيجارة من علبة سالم النوع المفضل لديها، لكنه ارجأ ذلك لانه لم يشأ ان يثير فطنتها لوجود دخان سيجارة بدون مدخن، فتشعر بالرعب ، لكنه استرخى تماما وتذكر ما كتبها لها ذات مرة بعد علاقة يومية استمرت تسعة اشهر لايفارقان بعضهما لا في الليل ولا في النهار "" بوسعك ان تدخلي الى التاريخ ورأسك الى الامام كالرمح ، انت جديرة بذلك وليس من هو اكثر منك جدارة ، اطرحي مرة والى الابد رأسك ورؤوس الاخرين وعظمة انوثتك وجمالها الاخاذ الصاعق المفعم بالكبرياء ، انني احبك كما لم افعل في حياتي ، اجرؤ على القول كما لم يفعل اي انسان وسأظل اشعر ان تسعة شهور معك ستظل تمطر فوق حياتي الى الابد، اريدك ، انتظرك ، وسأظل اريدك وانتظرك ، واذا بدلك شيء ما في لندن ونسيت ذات يوم اسمي ولون عيني سيكون ذلك مواز لفقدان وطن "" .. وتذكر في رسالة اخرى كتبها لها " دخلت الى عروقي وانتهى الامر ، انه لمن الصعب ان اشفى منك " وكان ردها عليه في رسالة غاضبة تريد فيها ان تتملص من حب جارف غير قادرة على ان تجاريه فقالت له " ان روعة علاقتنا كانت في انها لم تكن " فقال لها في رسالة مؤنبا اياها "" لست اريد ان اصدق انني لا اقيس جسدي بصيغ التهرب والخذلان واقول لك اليوم وغدا والى الابد، انك اهنت فيّ ما اعتز به اكثر من كتبت واكتب ، انه لمن الصعب ان اشفى منك ""، في مقابل هذا الحب الجارف ، كانت قد طلبت منه امرا ، يبدو صعبا على غسان ان ينفذه ، اظن يخص عائلته طفليه وزوجته فقال لها برسالة " لم اكن اريد ان اطوح بالفضاء، طفلين وامراة لم يسيئوا الي قط مثلما طوح بي العالم القاسي قبل عشرين عاما ، اما انت فقد كان يهمك هو نفسك فقط ، كنت خائفة على مصيرك ، وكنت انا خائفا على مصير غيري ، وقد ادى الارتطام الى فجيعة لا هي علاقة ولا هي بتر " .
بقي الشاب مصرا على انتقادها ، وهي تدافع عن نفسها ، حتى قال لها :
- قتلتكم النرجسية ايها الكتاب ، قتلتكم الانا العليا المقيتة، فرحون بانفسكم الى حد العشق ، مثل اسطورة نرسيس الذي كان ينظر الى النهر طوال اليوم متعجبا بجمال وجهه حتى غرق في النهر ذات يوم، هكذا انتم الكتاب النرجسيين ، ستغرقون في نهر حبكم لا نفسكم فقط " .. ثم نهض الفتى وغادر مكتبها بخطوات سريعة كبيرة، ثم انصرف غسان كنفاني باسما بهدوء من الغرفة وهو يشعر بالغبطة لان شابا قد عبّر عما كان يريد قوله لها .