أدب السجون سعدون جبار البيضاني - أسفل الحرب.. قصة قصيرة

دخل الحبس بعدما حطم ناصية مجده وترك في الأرض الحرام هويته الشخصية وقرص الهوية وجعبة من الذخيرة الحية مع صورة عشيقته وآخر رسالة منها وكان قد أودع في أذنها آخر كذبة بأن سيطلب يدها في أقرب إجازة دورية ، قضى في الحبس عشر سنين كسر فيها مراهقته وأحلامه وحماقاته وارتضى وقارا ما كان ليريده في هذه الحقبة من عمره بالذات ، كيف سيحافظ على سواد شاربه ورأسه وهو في محجر عملاق يحدّه من الشمال جنود مدجّجون بالسلاح ومن الجنوب والشرق والغرب حيطان من الخرسانة وأسلاك شائكة ونوافذ بالكاد تسمح بدخول الضوء ، والمحجر العملاق كل الوافدين إليه متهمون بتهمة واحدة لذا دخلوا بلا محاكمة ، بل دخلوا بكل ترحيب ، كانت تهمتهم أنهم محاربون ، قاعات متناثرة احتلت مساحات شاسعة أطلقوا عليها اسم المعسكرات ، حُشِرَ فيها محاربون من مستويات متباينة ، زجّوا في رؤوسهم عبوات من أفكار ، وفروا لهم سبل الراحة ، إذاعات موجهة على مدار الساعة ، وجبات طعام نصف دسمة ، إلا أنه يحضر عليهم رؤية ذويهم طيلة فترة الحبس / الأسر ، مدّة محكوميتهم زمن مفتوح قابل للتمديد ، يزورونهم بين فترة وأخرى أجانب يلصقون بأنفسهم الرحمة ويغرّرون الأسرى بأنهم من منظمات تعني بحقوق الإنسان ، أكثر من مرة بشّروهم إذا وضعت الحرب أوزارها سنقذفكم إلى ذويكم ويملون عليهم شروط مثل / نحن غير مسؤولين إذا لم تجدوا ذويكم وغير مستعدين لاستقبالكم مرة أخرى ، حذار من العودة ، أحد الأسرى سأل أجنبيا يحمل على كتفه صليبا وهلال : كتبتُ قصائد على الحائط هل يسمح لي بتدوينها فأجاب – لا يحق للأسير اصطحاب أي محرر معه – فبكى لأنه غير قادر على حفظ ما كتب ، يتذكر من كتاباته ..تركتُ الخرائب عرضة للريح – ويقصد أبويه – وأوصيتهم بعدم السقوط / ربما سأعود / من المخجل أن لا أجد بابا أطرقه ، وفي مكان آخر من الحائط نقش الآية الكريمة ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) . له أصدقاء حفظوا شيئا من بكائياته بيد أنهم توزعوا على معسكرات أخرى ، حلم ذات ليلة أن أمه وأباه تمثالان ينتصبان وسط المدينة وقد علاهما التراب وذروق الطيور فأخذ سطلا من الماء واسفنجة وجاء بسلم خشبي وصعد لينظفهما فزّلت قدمه وسقط أرضا فانكسرت ساقه وفزّ مرعوبا فلم يجد التمثالين ولا السطل ولا السلم لكن وجد ساقه مكسورة....


سعدون جبار البيضاني
كاتب عراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى