في متجر ضخم، زاحمتُ أمس بغير قصد طفلةً صغيرة تجرّ سَلّة مُشتريات بسعادة طاغية ومشقّة بادية، فنبّهتني برُبع لِسان قائلة: «دَ بالَك.. د بالك!».
كانت أُمّها وراءها مباشرة، فترجمَت لي قولها، فإذا قصدها: «دِيْر بالَك!».
تبسّمت للصغيرة ضاحكاً، تأسّفتُ ومسحت بكفّي على مفرق شعرها الذهبيّ، فبادلَت بسمتي المُرهقة ببسمة رقيقة مُشرقة، تشعُّ ودّاً وانطلاقاً.
تأرجح بي الفكر مُتنقّلاً بين صور أطفالنا بأرض غَزّة العزّة = مطحونين بين رَدْم ونار، في مَقتلة على مَسغبة، وبين شعورٍ قاتل بالعجز عن نُصرتهم والتخفيف عنهم، ذلك العجز الذي يُصيبني بالشلل كلما عاود!
ثمّ انتزعني من صورهم وعجزي = خاطرٌ عابر، بدا كمُناورة فاشلة للهُروب من الواقع المَرير إلى الماضي القريب، حيث أولادي بعُمر هذه الصغيرة أو حوله!
لكنّ تلك المناورة نجحت أخيراً، فتسللتُ معها متوغّلاً في الذكريات الأثيرة، بحلوها ومرّها.. أقلّب منها أوّل صرخة لكلّ واحدٍ منهم، وأوّل خطوة، وأوّل حرف (أو غَمغمة على الصواب)، وأوّل عافية من مرض...
وهنا، انتهَبَني شعورٌ بالأسى، بدّد تلك الصّوَر المتكاثفة، وابتلع أسرابها العائدة، وبعثر انطباعاتها المتوهّجة، فشعرت بأنّها لحظات تسرّبَت من بين أصابع العُمر، وما بلغت فَماً، وما بَلّت رِيقاً!
تنبّهت وقتئذ إلى طاقاتِ الحُبّ الغامرة التي كان ينبض بها قلبُ أجدادِنا وجدّاتنا لنا، وتبرق بها عيونهم، وترفل بها كلماتهم حتّى إنّ أحدهم ليقول: «ما أعزّ من الولد، إلا ولد الولد!».
قلتُ في نفسي: لكأنّها محاولة تعويض على النفس، تعويض ما فاتها من الأنس بالولد في خضمّ السعي في طلب الرّزق والكدّ، بما بين يديها من الأنس بالحَفيد والسِّبط، فتراها حفيّةً شغوفة بما استقبلت اليوم؛ لما ضيّعت بالأمس!!!
هي لحظات نادرة في الحياة، فما زال ذاهبها مفقوداً، وشاردها ضالّاً، وعوضها عزيزاً.. إنّها الدُّنيا!
كانت أُمّها وراءها مباشرة، فترجمَت لي قولها، فإذا قصدها: «دِيْر بالَك!».
تبسّمت للصغيرة ضاحكاً، تأسّفتُ ومسحت بكفّي على مفرق شعرها الذهبيّ، فبادلَت بسمتي المُرهقة ببسمة رقيقة مُشرقة، تشعُّ ودّاً وانطلاقاً.
تأرجح بي الفكر مُتنقّلاً بين صور أطفالنا بأرض غَزّة العزّة = مطحونين بين رَدْم ونار، في مَقتلة على مَسغبة، وبين شعورٍ قاتل بالعجز عن نُصرتهم والتخفيف عنهم، ذلك العجز الذي يُصيبني بالشلل كلما عاود!
ثمّ انتزعني من صورهم وعجزي = خاطرٌ عابر، بدا كمُناورة فاشلة للهُروب من الواقع المَرير إلى الماضي القريب، حيث أولادي بعُمر هذه الصغيرة أو حوله!
لكنّ تلك المناورة نجحت أخيراً، فتسللتُ معها متوغّلاً في الذكريات الأثيرة، بحلوها ومرّها.. أقلّب منها أوّل صرخة لكلّ واحدٍ منهم، وأوّل خطوة، وأوّل حرف (أو غَمغمة على الصواب)، وأوّل عافية من مرض...
وهنا، انتهَبَني شعورٌ بالأسى، بدّد تلك الصّوَر المتكاثفة، وابتلع أسرابها العائدة، وبعثر انطباعاتها المتوهّجة، فشعرت بأنّها لحظات تسرّبَت من بين أصابع العُمر، وما بلغت فَماً، وما بَلّت رِيقاً!
تنبّهت وقتئذ إلى طاقاتِ الحُبّ الغامرة التي كان ينبض بها قلبُ أجدادِنا وجدّاتنا لنا، وتبرق بها عيونهم، وترفل بها كلماتهم حتّى إنّ أحدهم ليقول: «ما أعزّ من الولد، إلا ولد الولد!».
قلتُ في نفسي: لكأنّها محاولة تعويض على النفس، تعويض ما فاتها من الأنس بالولد في خضمّ السعي في طلب الرّزق والكدّ، بما بين يديها من الأنس بالحَفيد والسِّبط، فتراها حفيّةً شغوفة بما استقبلت اليوم؛ لما ضيّعت بالأمس!!!
هي لحظات نادرة في الحياة، فما زال ذاهبها مفقوداً، وشاردها ضالّاً، وعوضها عزيزاً.. إنّها الدُّنيا!