كلمات وإشارات -4- عبدالقادر زمامة

10- كتاب لا ينسى...
من الكتب والآثار والأدبية بالخصوصية مالها إشعاعات محدودة لا تعدو الجيل والجيلين، لأنها تصور واقعا، وتعالج قضية، وتؤدي رسالة، وتبعث روحا، ويومن صاحبها بمبدأ.
وكتاب «حديث عيسى بن هشام» من النوع الثاني الذي تستمر إشعاعاته عبر أجيال، وذلك لسببين:
الأول: إنه يكون شكلا ومضمونا الحلقة الوسطى بين «المقامة» و«المقالة» في الأدب العربي لحديث.
الثاني: أنه يكون المرآة الأولى التي انعكست على صفحتها نتائج ومظاهر زحف حضارة دخيلة على حضارة أصيلة، تحاول تهميشها وتمزيقها، وتزييف عناصر القوة والعطاء فيها، وجعل أهلها في شك من جدواها...!
ومؤلف الكتاب محمد المويلحي المتوفى سنة 1930م، أشهر من أن يعرف به، فقد شرق وغرب، وأعرب وأعجم، ومن أشهر تلامذته المعترفين بفضله: عباس محمود العقاد، وعبد العزيز البشري.
وقد كان هذا الكتاب عبارة عن مقالات ظهرت أولا في جريدة: «مصباح الشرق» التي كان والده يصدرها، ثم جمعها وأعطاها هذا الإسم: «حديث عيسى بن هشام» أو «فترة من الزمن»، وأهدى كتابه إلى الأقطاب الأربعة المشهورين في عصره:
- جمال الدين الأفغاني.
- محمد عبده.
- الشنقيطي اللغوي.
- الشاعر البارودي.
والمويلحي ذو أفكار إصلاحية متفتحة، ولكنها ملتزمة بالفضيلة، والأصالة، ومعطيات الحضارة الإسلامية.. مع الاستفادة من كل جديد لا يحجب مقومات المجتمع المسلم، والأخلاق والآداب الإسلامية، وقد جعل من فضول كتابه لقاء بين الحقيقة والخيال، والجديد والقديم والحق والباطل، والجواهر الثابتة، والأمراض الزائفة !.. وثقافته في اللغة العربية واللغات الأجنبية جعلته يطلع على نماذج شتى من النقد السياسي والاجتماعي، وعلى الأعاصر التي تحل بالمجتمعات البشرية حينما تتنازعها المبادئ والمصالح، وتختلط فيها الأوراق...
في هذا الإطار من المعرفة والتجربة تغلغل المويلحي في الموافق الاجتماعية لبلاده، وما حل بها من زيف، وتلاعب ونفاق وسوء تدبير، وتصور معكوس للثقافة والحضارة والرقي، وإهدار للحرمات والعادات.
والمويلحي يصور قبل أن ينتقد، ويحاول الإصلاح والبناء قبل الإفساد والهدم، ويخاطب العقل والوجدان قبل أن يخاطب المصالح الشخصية والأهواء البشرية.
والملاحظ أن المويلحي تلميذ وفي لأستاذه الشاعر المفكر أبي العلاء المعري يتفق معه في عدة أفكار فلسفية، واجتماعية، وانتقادية، ويظهر ذلك بأجلى وضوح في وفرة استشهاداته الشعرية بأبيات المعري، ولا سيما منها ما جاء في «اللزوميات» و«سقط الرند».
ولعل في هذه الصحبة بين المويلحي والشاعر أبي العلاء المعري ما يفسر لنا بعض الملابسات التي نجدها من حين لآخر في أحكام وأقوال وانتقادات صاحب «حديث عيسى بن هشام». كما نجدها في بعض تصرفاته وملابساته وملازمته الحذر والعزلة آخر حياته الحافلة.
وقد عاصر المويلحي حقبة حافلة من تاريخ مصر في العصر الحديث بتقلباتها وتناقضاتها أواخر القرن التاسع عشر، والثلث الأول من القرن العشرين، واتصل بعدة شخصيات داخل بلاده وخارجها، ورحل إلى عدة أقطار أوربية، وعرف من المعالم الحضارية ما جعله يقارن بين الأشياء التي تمر أمامه، ويعطي كلا منها ما يستحق من الاهتمام.
ولقد عرف الساهرون على التربية والتعليم لكتاب «حديث عيسى بن هشام» قيمته الأدبية واللغوية والتعليمية والاجتماعية، مع تربية ملكة النقد النافع، فجعلوه من الكتب المقررة في بعض مراحل التعليم الثانوي، ولمدة عقود من السنين، وترك ذلك أصداء في مجالات مختلفة وميادين متنوعة من الأقطار وإلى الأمس القريب.
وإذا كان المويلحي صديقا لأبي العلاء المعري، وفلسفته ومضامين أفكاره الواردة في شعره، فإنه إلى جانب ذلك صديق معجب ببديع الزمان الهمداني صاحب المقامات، لا سيما والمويلحي في عصره يكون – كما قلنا – بعمله في «حديث عيسى بن هشام» الحلقة الوسطى بين فن المقامة وفن المقالة.
وقد شاء المويلحي أن يجعل من رواية بديع الزمان في مقاماته «حديث عيسى بن هشام» رواية له أيضا في كتابه هذا، وينسب إليه كل ما جاء في كتابه: «حديث عيسى بن هشام»، الذي أودعه كل ما جاش به خاطره من تساؤلات وانتقادات.

11- ابن قرقول...
إبراهيم بن يوسف ابن قرقول من الأعلام المشهورين في القرن السادس الهجري بالمغرب والأندلس. وكانت حياته حياة علم، وبحث، وإفادة، واستفادة، ورحلة، وتأليف.
وارتبط اسمه باسم شيوخه، وفي مقدمتهم:
- القاضي عياض.
- أبو بكر ابن العربي.
- أبو محمد الرشاطي.
- أبو القاسم السهيلي.
وترتبط شهرته العلمية بكتابه: «مطالع الأنوار على صحاح الآثار في فتح ما استغلق من كتاب الموطأ والصحيحين وإيضاح المبهم فيها»، وموضوع كتابه مماثل لموضوع كتاب أستاذه أبي الفضل القاضي عياض المسمى: «مشارق الأنوار».
وبسبب ذلك راجت في بعض الكتب تهمة تتعلق بكون ابن قرقول استغل عمل أستاذه في «مشارق الأنوار» مع تحويل وتغيير.
وكتاب القاضي عياض مطبوع.
- وكتاب ابن قرقول – حسب علمنا – ما يزال مخطوطا، وهو موضوع رسالة جامعية.
ومن أشهر تلاميذ ابن قرقول:
- أبو الخطاب عمر ابن دحيلة الكلبي السبتي. وفي كتابه «المطرب» ذكر بعض أشعار أستاذه.
ولد ابن قرقول بمدينة ألمرية الأندلسية سنة 505هـ / 1111م، ورحل في طلب العلم بين أمصار الأندلس والمغرب العربي.
كما أنه عرف عدة مدن حط رحاله بها، وأفاد واستفاد من رجالها منها: تلمسان، وسبتة، وسلا، ومكناس، وغيرها، وانتهى به المطاف إلى فاس، حيث توفي بها سنة 569هـ / 1173م، ومن أجل ذلك ترجمة المؤرخون المهتمون بمن حل بفاس من الأعلام.
ومن الطريف أن هناك بنتا عالمة جليلة القدر تسمى: «زينب» بنت ابن قرقول كانت تروي عن أبيها هذا روايات كثيرة تتعلق بالحديث واللغة والنحو والأدب.
كما أنه من الطريف أن يتناول مترجموه كلمة «قرقول» التي لقب بها والد ابن قرقول فيقولون:
«إن هناك طائرا رقيقا، نحيف الجسم، كان يسمى بهذا الإسم، وأن والد ابن قرقول كان مشتهرا في بلده بنحافة الجسم، فلقبوه بهذا اللقب، واشتهر به بين الناس.
ولا نعلم أن ابن قرقول خاض غمرة من غمرات السياسة، ولا تولى منصبا من المناصب، لا في عهد المرابطين، ولا في عهد الموحدين.

12- السهول الغربية...
يتمتع المغرب بتنوع ملحوظ في تضاريسه: جبالا، وهضابا، وسهولا، وصحاري، وغابات، وشواطئ... والسهول الغربية تكون ناحية خصبة غنية بعطائها في الفلاحة والغراسة منذ قرون.
ولقد كانت معروفة بذلك منذ أن كان الرومان يسيطرون على مثلث:
• طنجة.
• وليلي.
• شالة.
فكانوا يستفيدون من عطاءاتها، ولهذه الاستفادة آثار مذكورة في كتب التاريخ القديم لهذه البلاد.
وفي التاريخ المتوسط أيام انتشار الحضارة الإسلامية نجد هذه السهول على صلة وثيقة بالمراكز الحضارية في مدن:
• البصرة.
• وكرت.
• وأقلام.
وهذه المدن كانت لها شهرة وحضارة أنعشت اقتصاديا وحضاريا هذه المنطقة، فقد شاهد الرحالون في هذه السهول:
• مزارع القطن.
• ومزارع الكتان.
• ومزارع الحبوب المختلفة.
وتحدث عن ذلك كل من الرحالة البغدادي، ابن حوقل، والجغرافي الأندلسي البكري، ثم الرحالة السبتي الإدريسي، وآخرون.
ولا ننسى أن طائفة من المؤرخين والجغرافيين كانوا يسمون بعض هذه السهول باسم قديم وهو: «أزغار»، وهذه الكلمة تعني عند من يستعملها معنى المراعي التي ينزل إليها الرعاة بمواشيهم في فصل الشتاء.
وفي هذه السهول الغربية الخصبة يلتقي النهران الكبيران:
• سبو.
• وورغة.
قبل أن يصبا معا في مياه المحيط الأطلنتيكي، وتسمى مكان التقائهما بـ«المقرن».
ومنذ عصر الموحدين نجد يعقوب المنصور الموحدي يهيئ أسباب المقام بالمغرب لمجموعات من القبائل لعدة أسباب لا مجال للحديث عنها الآن.
- فهناك مجموعات بني هلال.
- وهناك مجموعات بني سليم.
نزل بعضها في:
• تامسنا يعني: الشاوية وما حولها، ونزل بعضها الآخرة في:
• أزغار يعني: الغرب وما حوله.
وممن فصل الحديث عن هذه المجموعات وفروعها مؤلف «الاستقصاء» أبو العباس الناصري، حيث تتبع ذلك عبر عصور التاريخ. وعلى ممر الأجيال، وتعاقب الدول، وتطور أنظمة الجيش المغربي، وأقسامه، وفرقه.
عرفت السهول الغربية عدة أسماء واصطلاحات وعادات وأعراف مما لا يزال بعضه معروفا إلى الآن.
ومن المعروف أن هناك صلات وقرابات بين القبائل المستوطنة الآن في هذه السهول وبين قبائل أخرى مستوطنة في جهات أخرى من المغرب، ولا سيما ما كان منها في الأقاليم الجنوبية.






عبد القادر زمامة

دعوة الحق
العدد 301 جمادى 1-جمادى 2 1414/ نونبر-دجنبر 1993

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى