كرة القدم د. ياسر ثابت - حرب الأيام الـ 4.. الموت فداء للمونديال

خاضت دول عدة صراعات وحروبا دامية، بسبب كرة القدم.
ويتذكر العالم حربا قبل 40 سنة، استمرت 100 ساعة بين دولتين جارتين في أميركا الوسطى هما هندوراس والسلفادور وانتهت بكارثة: أكثر من 4000 قتيل معظمهم مدنيون، ومعهم 10 آلاف مشوه و120 ألف مشرد، ودمار مئات البيوت والمنشآت التي تزيد قيمتها اليوم على ثمانية مليارات دولار، وكله بسبب شرارة صغيرة من كرة مطاطية تقاذفتها الأقدام فوق عشب يوحي لونه بالسلام.
يكتبون عن"حرب الكرة" بين هندوراس والسلفادور أن المباراة الكروية بينهما لم تكن سوى فتيل للحرب.
أما السبب الغافي ذلك الوقت تحت الرماد فكان سيطرة نافذة وقوية لمجموعة من الإقطاعيين على معظم الأراضي الصالحة للزراعة في السلفادور المكتظة بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة زمن الحرب في 1969، على مساحة 12 ألفا و600 كيلومتر مربع، ما سبب بهجرة أكثر من 300 ألف من فلاحيها الفقراء إلى جارتها هندوراس، الفقيرة مثلها، الأمر الذي زاد من نسبة البطالة في البلاد التي كان تعداد سكانها مليونين و233 ألف نسمة، لكن مساحتها تزيد على 70 ألف كيلومتر مربع.
وباحتدام الأمور بين الدولتين قبل المباراة قررت حكومة هندوراس حظر امتلاك الأراضي على مواطني السلفادور، كما طرِد سلفادوريون عاشوا فيها لأجيال.
وعلى إثر ذلك انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلى درجة أن الرئيس الأميركي الراحل ليندون جونسون، تدخل شخصيا لاحقا لإعادتها بعد كد وتعب، لأن وسائل الإعلام في البلدين كانت تزيد الطين بلة، فلعبت دورا مهما في احتدام الأمور، وشجعت على الكراهية بين الهندوريين والسلفادوريين، تماما كما حدث أثناء مرحلة الشحن الإعلامي للمصريين والجزائريين قبل المباراة الفاصلة بين منتخبيهما في أم درمان في 18 نوفمبر 2009.
ففي تصفيات بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1970 خاض منتخبا هندوراس والسلفادور مواجهة حاسمة لتحديد الفريق الذي سوف يتأهل إلى مونديال المكسيك، فأقيمت المباراة الأولى في 8 يونيو 1969 في العاصمة الهندورية تيغوسيغالبا، وفيها فازت هندوراس على السلفادور 1- صفر، قبل أن تفوز الأخيرة 3- صفر على أرضها بعد أسبوع، فاحتكم الطرفان إلى مباراة فاصلة بينهما على ملعب "أزتيكا" في العاصمة المكسيكية في 27 يونيو 1969، حيث فازت السلفادور 3-2 في الوقت الإضافي وصعدت إلى المونديال.
وعلى الفور، نزل الغضب الهندوري إلى الشارع.
فقد راح آلاف المشجعين من هندوراس يعتدون على الفقراء السلفادوريين المقيمين عندهم، وتطورت الأمور إلى مهاجمة أحياء يقيم فيها السلفادوريون ليضطر معظمهم للفرار إلى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم.
وسرعان ما تقدمت السلفادور بشكوى لدى الأمم المتحدة وهيئة حقوق الإنسان ومنظمة الدول الأميركية (آي.إيه.أو)، خصوصا بعد انتحار فتاة سلفادورية تحولت إلى بطلة وطنية تتشابه قصتها مع الإيرانية ندا أقا سلطان، التي قتلت في 20 يونيو 2009 خلال الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران.
ولعب الإعلام في البلدين دور المحرض، فتحدثت صحف هندوراس عن اعتداءات على مشجعيها في السلفادور، فيما فتحت الأخيرة ملف إيذاء أبنائها في البلد المجاور.
وكان لا مفر من وقوع الحرب!
بدأ القتال فجأة برا وجوا في 14 يوليو 1969، وانتشرت القوات البرية للجيشين على طول الحدود، وبدأ القصف المدفعي عشوائيا من الطرفين على القرى والبلدات في البلدين، وانتهكت طائرات هندوراس أجواء السلفادور، واستخدمت هندوراس حتى الطائرات التجارية كقاذفات قنابل وقصفت أهدافا بقنابل النابالم.
وردت السلفادور بهجوم بري واسع النطاق حمل قواتها لأن تتوغل مسافة زادت على 60 كيلومترا داخل الأراضي الهندورية.
واستعان سلاح الجو السلفادوري بطيارين أميركيين لقيادة قاذفاته، فيما زود دكتاتور نيكاراغوا أنستاسيو سوموزا جيش هندوراس بالسلاح والذخيرة.
ولم تنته "حرب الأيام الأربعة" بين الجارتين اللدودتين إلا بعد وساطات وتدخل من دول مهمة، ثم راحت كل منهما تلملم أشلاءها وتعيد دراسة ما جرى، لأنه كان درسا قاسيا تعلمته، هي ووسائل إعلامها.
ومنذ تلك الوقائع الدموية أصبحت مباريات كرة القدم بين البلدين أكثر مدعاة للتوتر عن سواها في عدد كبير من دول أميركا اللاتينية، فالخسارة أو الفوز يليها كرنفال من الفرح في معظم الأحيان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى