علجية عيش - هل ستكون الجامعة مشتلة للمواطنة الحقيقية من أجل النمو الإقتصادي في العالم؟

"المواطنة" تحت المجهر
يؤكد علماء السياسة و الإجتماع أن تنظيم العدالة الإجتماعية داخل نطاق دولة وطنية متوقف على ضمان ثلاثة حقوق و هي الحقوق المدنية، الحقوق الإجتماعية و الحقوق السياسية، هذه الحقوق حددها جون راولس john rawls و هو من أبرز المفكرين السياسيين في أمريكا في كتابه "نظرية العدالة" ، و بغض النظر عن الحق في العمل و في التأمينات الإجتماعية و في الحصول على حد أدنى من الدخل المضمون و حق الملكية الشخصية، قال راولس أن هذه الحقوق تعني الحريات المُكَرَّسَة في البلدان الديمقراطية مثل حرية التعبير و حرية الانتماء للجمعيات، أي حرية الشخص و حمايته من الضغوطات النفسية و من الاعتداءات الجسدية، و حق حمايته من التوقيف و الاعتقال التعسفي، و حمايته من عنف النظام السياسي للدولة و تعسفها، و بهذه الحقوق يصبح هدف العدالة ضمان الحرية في أفق نظام حقوقي بنظم توافقية جامعة لكل الحريات الفردية، و هذا يعني تحقيق العدالة السياسية، التي تعطي للفرد حق المشاركة.

لقد أطلق جون راولس على حقوق المشاركة اسم حقوق المواطنة les droits de citoyenneté، و حق المواطنة كما يرى هو، لا يقتصر عند الحصول على حماية اجتماعية أو مدنية بالمعنى الشامل للكلمة، بل تتمثل في ضرورة حق اكتساب حق المشاركة الفعلية و الفعالة في صياغة القرارات التي تهدف إلى تنظيم الحياة الإجتماعية، اي ممارسة الحرية في المجال السياسي و هو الانتخابات و حق اختيار من يمثل الشعب و اتخاذ القرارات، و معاقبة من انتهت عهدتهم متى حلت انتخابات جديدة، لكن الإرادة الشعبية غير موجودة، و إن وجدت فهي شكلية، لأن السلطة نشرت أجنحتها في منظومات و شبكات داخل مؤسسات ( البنوك، الجامعة، الجيش، النقابة، الإعلام بما فيها المنظومة التربوية)، أي شكلت " لوبي" ما جعل النظام السياسي في مفترق الطرق بين القوى و مراكز النفوذ، إنَّ السياسية كفن للهيمنة هي تأجيل ضمني، هي تقنين لأية حقوق ممنوحة للمواطن بما هو كذلك، لا لشيء إلاَّ لكون المواطنة مفتوحة بدرجة تسمح باستيفاء دلالتها على نحو عام ، إذ بدون فهم و ممارسة تاريخية المواطنة، يستحيل التحدث عن أية فاعلية سياسية لها، وقد تحدث جان مارك فيري في كتابه "فلسفة التواصل" ترجمة الدكتور عمر مهيبل عن أفكار جون راولس ، حول المواطنة، حيث قال هذا الأخير ( جون راولس ) أن فكرة المواطنة نشأت وفق نماذج مستلهمة من ساحات القتال و بعد ذلك من المسرح ثم الساحة العامة أو المجلس ( فوروم) أو من الأغورا agora ، و الأغورا اسم يطلق على الساحة العامة التي كانت مجالس السياسة و النقاش في المدن الإغريقية و هذا يتطلب إعادة النظر في الخطاب السياسي و إضفاء عليه الشفافية، في تحليلاته اعتمد جان مارك فيري على نظرية العدالة التي تحدث عنها جون راولس للبحث عن ماهية المبادئ العامة التي يمكن لأعضاء جماعة سياسية ما ، مهما كانت الاختلافات فيما بينها في وجهات النظر أو بين المصالح من أجل بلوغ مجتمع عادل، دون أن يكون كل طرف مضطر للتراجع عن قناعاته أو توجهاته الخاصة.

المواطنة و العولمة عند المفكر المغربي يحي اليحياوي

و نقف مع المفكر المغربي يحي اليحياوي الذي حلل هذا المصطلح بدقة ، إلا أنه و عكس بعض المفكرين ، ذهب يرؤيته إلى بعيد حيث ربط المواطنة بالعولمة، و قال ان المواطنة هي تعبير عن الحداثة السياسية، و بعد تقديمه تحليلا مفصلا عن المواطنة في أبعادها السوسيولوجية، يوضح أن العلاقة بين المواطنة و العولمة تبرز ثلاث حقائق ،منها إشكايى اقتصادية السةق ، أي لإفراز الفكر الليبرالي الجديد، فالمواطنة تعبر عن حرية السوق، فلا مواطنة إذن في زمن العولمة إلا مواطنة السوق، و بهذا فقد كشف هذا المفكر الوجه الحقيقي للمواطنة التي اعتبرها البعض ( الدهماء) أنها محررة الشعوب ، تعبر عن حقوق الإنسان، و في الحقيقة هي تقف إلى دانب ارباب المال و الأعمال، و أن وجةد كمؤسسات المجتمع المدني لا يمكنها أن تضمن للمواطن العادس اكتساب حقوق مواكناتية، لأن مواطنة السوق لم تنتج شيئا يضمن حقوق المواطن ، لأنها انتجت البؤس و الفقر و التهميش و اللامساواة أمام المواطنة الحقيقية التي تعمل السلطة على وأدها ، إذن المواطنة حسب يحي اليحياوي مفهوما اقتصاديا، و ليس مفهوما سيسيا محضا و لا معطى قانونيا صرفا، هي وسيلة فقط للإندماج الإجتماعي.

و كعينة ما يحدث الآن في الجزائر حيث اضحى الحديث عن المواطنة هو الشغل الشاغل بين السياسيين ، و انتقل هذا المفهوم إلى الجامعة الجزائرية التي كما قيل عنها أنها الفضاء المناسب لترقية المواطنة و إعطائها أبعادها المستقبلية، و لذا تسهر السلطات العليا و عن طريق الجامعة و مخابر البحث تكريس هذا المفهوم و تجنيد الطلبة لهضمه من خلال إنشاء مؤسسات ناشئة و احتضان العنصر البشري و دعمه بكل الإمكانيات المتاحة لترقيتها ، الأمر طبعا لا يتعلق بالجزائر فقط، و إنما بالعالم كله و بخاصة الدول العربية التي لخصت مشهد الديمقراطية المزيفة و المثيرة للضحك، و لا شك انها ستمر بدون اهتمام الناخبين، المؤمنين بإيديولوجيات متعددة لاسيما دعاة التغيير السياسي، يقول جان مارك فيري إنه في المجتمعات جرت العادة أن تضم مدونة الحقوق الأساسية الحقوق المعنوية droits moraux التي تمكن الدول من التطلع إلى بلوغ مرتبة الديمقراطية و بدون هذه الحقوق لا يمكن الحديث عن العدالة السياسية، المرتبطة فعليا بالإمكانيات الممنوحة لكل واحد بوصفه مواطنا للتعبير عن رأيه بحرية ، و لذا بات من الضروري تعميق الديمقراطية كخيار و كاستراتيجية لتحقيق العدالة السياسية و العدالة الإجتماعية.

ورقة علجية عيش







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى