د. محمد عباس محمد عرابي - شعر الشاعر الدكتور مصطفى رجب « الحلمنتيشى»

اعداد محمد عباس محمد عرابي

1.jpg


يعد العالم الأديب الكاتب اللغوي التربوي الكبير(العالم الموسوعي)حفظه الله علامة الصعيد الشاعر الدكتور مصطفى رجب العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة سوهاج، ورئيس جهاز محو الأمية الأسبق من أبرز الشعراء و المنظرين للشعر « الحلمنتيشى»، وله «ديوان الحلمنتيشى» عام 1998.


2.jpg

المقصود بالشعر « الحلمنتيشى»:
يرى الدكتور مصطفى رجبفي حوار معه لجريدة الأهرام مع الأستاذ ممدوح فراج كوكب كانت هناك فرقة تُدعى «حلمنتيش» كانت تعرض هذا الشعر الفكاهى، ويقال إن المصطلح منحوت من كلمتين «حلا» من الحلاوة، و «منتيشى» من «نتش» وهى كلمة عامية تعنى جذب، والنتاش فى العامية المصرية هو «الفشّار» أو الكذاب وبهذا تكون الكلمة تعنى «النتش الحلو، أو الفشر اللذيذ» فالشعر الحلمنتيشى فيه مداعبات هزْلية، تقبلها الذائقة المصرية ولا تفتأ تواصل تعاطيها مع تراثها الطويل، والفريد فى بابه، «باب التنكيت والتفكه»، يقدم أمثالًا وأشعارًا تنبض بالحكمة والنقد اللاذع فى قالب من السخرية التراجيدية والكوميدية.
من نماذج الشعر« الحلمنتيشى»الشاعر الدكتور. مصطفى رجب
الشاعر د. مصطفى رجب يلقي من شعره الفكاهي (الحلمنتيشي) في صالون ميس الأدبي بحضور مجموعة من الشعراء والنقّاد


3.jpg

قصيدة عوفي الشهيرة التي ندر من لم يسمع من المثقفين والمهتمين بالشعر وفيها يقول :
قالت وقد بصَّت عليّ : عوافي !
وتدلعت في ثوبها الشفافِ
وتحايلت وتخايلت وتمايلت
حتي سَبَت عقلي بغير سُلاف
قالت : أأنت من العجوزة يا فتي؟
أم أنت جِلف من بني الأرياف ؟
إني أراك مُهندماً ومؤدبـــاً
وعليك قنطار من الأصواف
لكن لمحتُك في الطريق تبص لي
وتكاد تقضم من لحوم كتافي
فأجبتُها ، والقلب يرقص داخلي
أهلاً وسهلاً بالجمال الصافي
أنا من تجاويف الصعيد وموطني
طحطا ومن قوص أتي أسلافي
ولدىّ في أسيوط نصف عمارة
مملوكة في شارع الأشراف
ولديّ في إسنا جنينة منجة
وبهائم تربو علي الآلاف
والحلوة الحسناء أين بلادها؟
إني أراها تلبس الزحـــــــافي
قالت : أنا فلاحة من طلخة
وأقيم في الزيتون عند عفاف
وعفاف أختي حلوة لكنهـــا
عند النصيب تزوجت إسكافي
قلتُ اقبليني كي أكون عديله
كم قد دهستُ عقارباً ونا حافي
أنا كنتُ أحلم أن ازوّج من فتي
سكن الزمالك من عيال فافي
وأبوه في مصر الجديدة ساكنُّ
في شقة بمساكن الأوقــــــاف
فسكت عنها لحظة ،فتلولوت
قالت اراك سكتُ كالخواف !
قلت :اختشي أنا لا اخاف ولست من
صنف العيال التافه الهنتاف
إني عشقتك حين قلتي :عوافي
ريفية من قعرة الاريــــــاف
أنا لست أرضي بالزمالك مسكناً
أو بالمعادى مثل عبد الشافي
ذاك الذي باع الصعيد بزوجة
وإذا يزور يزور كالمصطـاف
من عهد (مينا) جدنّا لم ننحرف
أو عهد (عمرو) مُكرم الاضياف
من قال إن رجالنا كرجالكم
أم من يسوى الدر بالاصداف
من قال إن حريمنا كحريمكم
هل دفء بطانية كلحــــــــاف
فتضاحكت وشعرتُ أن مزاجها
قد راق وارتاحت الي أوصافي
قالت لقد أعجبتني يا ادلعدى
هيا الي المأذون دون خلاف !

ويقول(حفظه الله ) في إحدى المناسبـات بمناسبة صعوبة حصول البعض على اللحوم ،ومعالجة الذي قد يحدث من معدومي الضمير من بيع لحوم الكلاب والحمير فيقول من الشعر « الحلمنتيشى» معرضا قصيدة شوقي سلوا قلبي غـداةَ سلا وتابا:

سلوا قلبي غـداةَ بــكَـيَ انتِـحــابــا
لـعـلَّ لـهُ علـيَ جــيبـيِ عِـتـــابــــــا
و يُـسْأَلُ في المـطـاعِمِ ذو فـلوسٍ
أَبُـفْـتيكـاً يُـفَضِّـلُ أمْ كَــبــابـــــــــا
و لـيِ بينَ الضــلوعِ رفــيقُ سُـــوءٍ
عـليَ طَـعمــيَةٍ كَـتَـبَ الكِـتــابــــــا
يُـعَـاشُـرُهـا ثَلاثَــاً عينـيِ عيــنَـكْ
و لا يخْـشَـيَ مُـفـيداً أو شِـهــابـــا
و منْ يَـغْـتَّـرَ بالدنـيــــا و يَـــرْمَــحْ
إلـيَ الحَـاتِيِ فقـدْ جَـهِـلَ المُـصابـا
فَـإنَّ لـحــومَـهُ تَـأْتــــي بِــلَــيْـــــلٍ
حـمـيــراً نــافِـقَــــاتٍ أو كِــلابَــــا
و مـا شُـفْـنـا سِـوَيَ الحَـــاتِـيِّ دَاءً
و لا غـيـرَ العبـيـطِ بــهِ مُصَــــابـــا
أَرَاكَ إذا حَـلُـمْتَ بِــكُـسْـــكُــسِـيٍ
كَـمَـنْ فَــقَـدَ الأَحِـبَّــةَ و الصِــحـابا
و مـا نَـيْـلُ الكَــــوَارِعِ بـالتَـمَـنِّــــيِ
و لَـكِـنْ يُـؤخَـذُ المَـحْشِـيِ غِـلابَـا
و مَنْ يَعْـدِلْ بِـحُـبِّ الكِشْــكِ شَيـئاً
كَـحُـبِّ الَـلحْـمِ ضَــلَّ هَـوَيً و خَـابَا
فَـلَمْ أَرَ مِـثْــلَ طعْـمِ الكِـشْكِ طَعْمَـاً
و لَـمْ أَرَ غَـيْـرَ بَـابِ العَــدْسِ بَــابــا
و لا عَـظَّـــمْـتُ في دُنْـيــــــــــايَ إلا
(مُـفَـتَّـلَـةً) تُـعِـيـدُ لَـكَ الشَـــبــابـــــا
تُـجَــدِّدُ مـا تَـكَـرْمَــشَ مِــنْ جُـلــــودٍ
و تَـعْـمُـــرُ مِــنْــكَ مــا أَمْـسيَ خَـرابـا !!!!
وقد قام رسول بلاوي (قسم اللغة العربية وآدابها في
جامعة خليج فارس، بوشهر –ايران بإجراء دراسة بعنوان
مظاهر الشعر الحلمنتيشي في الأدب العربي الحديث (ديوان حلمنتيشيات ابن رجب نموذجاً)
نذكر بعض النماذج الشعرية التي أوردها رسول بلاوي في دراسته وتعليقه عليها "والتي تبرز
فيها الباروديا:
وللبطيخة الحمراء ... قشر بكل يد مدربة ... يُشق!!!
ففي هذا البيت نری الشاعر مصطفی رجب يستدعي البيت التالي لأحمد
شوقي:
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق 00
وفي النص التالي نراه يقول:
فقال الكلب: سامحيني يا ستي أضاعوني بأكل ذوي الرقاعة
"أضاعوني وأي فتی أضاعوا" ولاد الكلب أرباب الوضاعة 00
ففي هذين البيتين نجده يستحضر بيت من الشاعر العَرْجِي الذي أنشده وهو
في السجن:
أضاعوني وأيّ فتًى أضاعوا ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر
وذكر فيها ما يلي في قصيدةٍ له تحمل عنوان "تنويع علی مقام أبي فراس" يقول الدكتور مصطفى:
أراك خلي الجيب شيمتك الفقر أما للغنی سعي إليك ولا ذكر؟
بلی: أنا مبسوط وعندي (فكة) ولكن دخلي لا يعاش به شهر
يقول الدكتورمصطفی رجب عن سيارة لصديق له قديمة في الأبيات التالية:
وليست بالعجوز فلم تُعمّر سوی تسعين عاماً بالكمال
فلا تسمع لمن قالوا رأوها ورمسيسٌ يحارب بالنبال
وقالوا إنّها لكسری وتذكر يوم كان من العيال
وقالوا إنّها ملك ابن نوح وخشّت في السفينة في الليالي
وقالوا إن لقمان اشتراها مفككة بصاع من غلال
صحيحٌ أنها شاخت وداخت وضحّت بالمرارة والطحال
وما أبقت لها الأيام جلداً ولا عضماً يبشر باحتمال
ولكن صاحبي يأوي إليها - إذا أتت الزلازل – كالجبال
سألتُ الله يُبدلها بجحش ويهدي صاحبي .. فالجحش غال
الشاعر في هذه الأبيات يصف سيارة لصديق له قديمة بلغة ساخرة ترسم
البسمةعلی شفاه القارئ، فالدكتور مصطفی رجب منذ البيت الأول يفاجئنا بمفارقة يقول
فيها إنّها ليست بعجوز ولم تعمّر سوی تسعين عاما،ً ثم ينسبها إلی أزمنة أخری
ليؤكّدعلی كبر عمرها، وفي البيت الأخير تصل السخرية إلی ذروتها عندما يسأل
الشاعر أن يبدلها الله بجحش لأنّه أغلی من سعرها."
وقد توصلت هذه الدراسة لعدة نتائج أبرزها :
قد وجدَ الشاعر المصري المعاصر الدكتور مصطفى رجب مجالاً رحباً للتعبير عن
أفكاره ورؤاه النقديّة في الشعر الحلمنتيشي، فخصّص له ديواناً كاملاً يحمل عنوان
«حلمنتيشيات ابن رجب».
- لقد عالجالدكتورمصطفی رجب في حلمنتيشياته موضوعات عدّة منها الفسادالإداري والتبعيض، ونقص الراتب الشهري، وارتفاع الأسعار، ومشقّات حياةالموظفين،وغيرها
- محاكاة الشاعر للنصوص الشعريّة القديمة تدلّ علیمدی اطلاعه الواسععلی هذه التراث الأدبي الزاخر، وتمكّنه من التلاعب بهذه القصائد الشهيرة بلغةشعريّة ساخرة تهدف إلی إصلاح المجتمع
المراجع :
إجادة الفصحى والعامية والإلمام بالتراث أدواته د. مصطــفى رجـب: الشعر «الحلمنتيشى» كتابة تغازل ذائقة البسطاء
10 ديسمبر 2021
ممدوح فراج كوكب
رسول بلاوي (قسم اللغة العربية وآدابها في
جامعة خليج فارس، بوشهر –ايران بإجراء دراسة بعنوان
مظاهر الشعر الحلمنتيشي في الأدب العربي الحديث (ديوان حلمنتيشيات ابن رجب نموذجاً)
مجلة مقاليد ج 60ـ ع /60شوال 1441هـ ـ جوان 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى