علجية عيش - مع الدكتور قادة جليد و عالم المفاهيم

سؤال الناقوس

يرحل الدكتور قادة جليد و هو يتناول الفكر الجابري إلى عالم المفاهيم، فينتقل من مفهوم إلى آخر، إذ نجده يوظف الألفاظ في مكانها الصحيح ، دون تلاعب بها كما يفعل السفسطائيون، حاله كحال الفيلسوف الذي يبحث عن الجوهر بعيدا عن السفسطة، و بحكم تخصصه كأستاذ في الفلسفة بجامعة وهران يحاول الدكتور قادة جليد أن يفكك ما يأتي به المفكرون التنويريون، من أفكار و مفاهيم ، يقولبها (أي الأفكار) بأسلوب فلسفي يقود الإنسان إلى تصور معنى من المعاني، خاصة المفاهيم النابعة من ثقافة معادية كالأصالة و الحداثة
426978189_900545131618795_1779050147686600319_n.jpg
عندما قرأت مقدمة الدكتور قادة جليد و هو يتناول في كتابه فكر محمد عابد الجابري حول التراث، نلاحظ كيف يوظف المفاهيم في مكانها الصحيح و بمنهج علمي فلسفي، عكس الذين يتلاعبون بالمفاهيم و يوظفونها لأغراض سياسية يستعملونها في خطبهم، كما نجده يبتكر مفاهيم جديدة لم نكن نقرأها في كتابات الآخرين، إذ تأخذ القارئ بعيدا، فتجعله يجول بخياله ليعرف معنى تلك المفاهيم على غرار كلمة يؤشكل ( وتعني يطرح إشكالية) ، يؤفهم ( بمعنى إفهامه أي يحاول ان يوصل الفهم الى المستمع أو القارئ) ، و كلمة "المغايرة" كهمٍّ معرفي، و تجدنا نتساءل هل للمعاني و المفاهيم همومًا معرفية؟، هل هو الهمّ الذي يتصوره القارئ العادي، ثم ماهي المغايرة؟ و ماذا يُرادُ بها؟ و هل هي همٌّ معرفيٌّ أيضا؟ و همٌّ ثقافي حضاري؟، بحثت في محرك البحث عن معنى التغاير، و وقف على ان هذا المفهوم يستعمل بكثرة في مجال الأدب و الفيزياء، و لكن اين موقعه في الجانب الفلسفي أو في عالم الأفكار؟ هل المغايرة تعني التضاد؟ أو الإختلاف، وهل هي نقيض التنوّع؟، هل التغاير هو الانتقال من القديم إلى الجديد، بمعنى الانتقال من الأصالة الى الحداثة ، و بتعبير آخر هل هي تحويل الثابت الى متغير؟، طالما الثابت قابل للكسر أو الهدم، هذه تساؤلاتي فقط لمعرفة المعنى الحقيقي لهذه الكلمة.

429105252_1134887137689206_210753820322351541_n.jpg
قد نقول أن التغاير هو الانتقال من وضع إلى وضع آخر جديد، دون إهمال الأول، يعني تطوير المفهوم حتى لا يظل على وضعه الأول كـ: "التراث" و ضرورة تفكيكه كما نقرأه عند بعض المفكرين التنويريين كمحمد أركون و مهدي عامل و ماجد الغرباوي و محمد عابد الجابري؟ أو الدكتور شحرور، و ربما نجد الدكتور قادة جليد يسير على نهجهم، السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا إن كان بإمكاننا أن نغير التراث؟ و هل التراث ثابت أم متغير؟ و ردّا سؤال محمد عابد الجابري هل هناك أمّة تفكر بتراث غيرها؟، نقول نعم، هناك من يفكرون بتراث غيرهم، و هي الفئة التي لها قابلية للاستعمار التي تحدث عنها مالك بن نبي و هو يعالج المشكلات الحضارية، هناك من يتقمص شخصية الآخر ، فكرا و سلوكا فيفقد تراثه و هويته، هم أولئك الذين لا يملكون منهجا و رؤية أم فقدوها معا، و قد ركز الدكتور قادة جليد، و هو يتناول كتاب الجابري، على هذين المفهومين ( المنهج و الرؤية) إذن نحن أمام مجموعة من المفاهيم، كلّ مفهوم يمكن أن يوظف بالطريقة التي يراد توظيفها .

كمثال نقول إن المغترب، يحاول أن يتكيف مع وضعه الجديد و هو يعيش في البلد الذي انتقل اليه، نجده يبحث عن طريقة يوحد بها بين تراثين مختلفين، و كيف يعيش بفكرين متناقضين ( غربي عربي)، فهو في هذا الحالة يعيش صراعا هوياتيا، أو كما يقول الدكتور قادة جليد ، جيل تائه بين ماضيه و حاضره ، يجهل مستقبله و مصيره ، لا يعرف كيف يخرج من هذا التيه و أيّ درب يختار، قد يضيع إن كان فاقدا للتاريخ، و لا يملك منهجا و لا مخططا و لا برنامجا، و لا يعرف حتى لماذا يعيش؟ و لمن؟ و لذا نجده كالبهيمة يأكل و يشرب و ينام و يتناسل فقط ، ليس له هدف، لأنه فقد المعنى، هذه الأسباب لا تنطبق فقط على الشخص المغترب، بل هناك فئة أكثر ضياعا و هي تعيش في بلدها و بين اسرتها و ، هي تلك التي تقمص الآخر في فكره و ثقافته، و حتى في طريقة عيشه، و تحاول أن تنقل تقمصها لأبنائها، إنه كما يقول الدكتور قادة جليد سؤال الناقوس، الذي ينذر بالخطر القائم و القادم الداهم.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى