د. نور الدين السد - الراهن والمشروع البديل -2 -

-2 -

كنا طلبة في بلاد الشام نجالس كبار المثقفين والأدباء والسينمائيين والأساتذة الجامعيين والسياسيين في ثمانينات القرن الماضي، وكنا نتابع أخبار المثقفين والمفكرين العرب، ونسعى بكل الوسائل إلى تحصيل مؤلفاتهم والاطلاع على منجزاتهم، ومشاريعهم الفكرية والفلسفية، وعندما وصلت بعض كتب المفكر الأكاديمي محمد عابد الجابري سارعنا إلى اقتنائها وقراءتها وإثارة نقاشات مطولة لها في مجالسنا.


1709583018592.jpeg


ومن ضمن المشاريع الفكرية مشروع محمد عابد الجابري، وما كتب حوله، ومشروع حسين مروة، ومشروع الطيب تيزيني، ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومشروع حسن حنفي، ومحمد عمارة، وأمين العالم، ومحمد أركون، بل كنا نقتني الكتب التي صدرت حول هذه المشاريع، ومن ضمنها حوار محمد عابد الجابري مع المفكر حسن حنفي نشر في حلقات، وجمعت هذه الحلقات وطبعت في كتاب، بالإضافة إلى ما كتب جورج طرابيشي حول الجابري، ومختلف المقالات التي كتبت بخصوص مشروع الجابري في ذلك العهد، وكنا نرى وقتها أن مشروع الجابري من أهم المشاريع الفكرية التي قدمت تصورا شبه متكامل عن شروط تحقيق النهضة.
مشروع محمد عابد الجابري الذي وضع ضمن أولوياته، دراسة التراث العربي الإسلامي في تنوعه، من خلال تشخيص خطاباته، وتحليل مكوناتها، ونقد مرجعياتها، وتفكيك بنى إنتاجها، والأسيقة التاريخية الواردة فيها، وفق منظومة منهجية اعتمد فيها آليات تحليلية تضايفية تجمع بين منجزات العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية الحديثة في دراسة الظواهر النظرية والواقعية وتحليلها، وقد درس التراث من منطلق رؤية ترى أن معظم المنجز التراثي نقلي استنساخي، غير عقلي إلا ماندر، وهو قليل الاجتهاد، شحيح الإبداع، تتحكم فيه ضوابط سياسية ظرفية، جعلته يحجم عن تجاوز قيودها، فقيد ذاته قهرا لا قناعة، بهيمنة مقولات التخويف والتخوين والتكفير.
لقد سعى محمد عابد الجابري إلى تقديم مشروع عربي عقلاني فكان مختلفا في دراسته التراث العربي الإسلامي رؤية ومنهجا، وكان يتطلع إلى التجديد في التعامل مع الواقع، فحاول خلخلة بنية التفكير السائدة، لأنه رأى أن المجتمعات العربية تعيش داخل التراث وفي التراث وبالتراث، فسعى بمشروعه إزاحة التفكير التوثيني عن العقل العربي، وتحريضه على المشاركة في صناعة التاريخ، مع دعوته إلى استثمار عناصر التراث الإيجابية، للإجابة عن الإشكاليات الراهنة، هذا ما يتجلى في مؤلفاته:
1-نحن والتراث.
2-المنهج التجريبي و تطور الفكر العلمي.
3-العصبية والدولة.
4- التراث والحداثة.
5- الخطاب العربي المعاصر .
6- تكوين العقل العربي.
7- بنية العقل العربي.
8- العقل السياسي العربي.
وسوى ذلك من الكتب المقابلات والحوارات التي ظهرت مشرقا ومغربا...
لقد تمكن محمد عابد الجابري في مؤلفاته المذكورة أعلاه من طرح أسئلة جوهرية، وإثارة إشكاليات حقيقية على التراث العربي الإسلامي، وعلى دارسيه، ويستنتج من مشروعه أنه كان يهدف إلى إحداث قطيعة إبستمولوجية مع الجوانب السلبية، وغير العقلانية، وغير الموضوعية في التراث العربي الإسلامي، ويظهر ذلك جليا في معظم مواقفه من التراث، ومن دارسيه من البحاثة والمفكرين العرب والغربيين، وكان تطلعه إلى بناء مشروع فكري شامل، يجمع بين قراءة عقلانية للتراث، وتقديم بدائل وحلول لمشكلات الراهن العربي ومعضلاته على أكثر من صعيد...
فهل وفق مشروع محمد عابد الجابري في الوصول إلى ما كان يطمح إليه!؟ ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى