كان محبوبًا من مدرسيه، ومن زملائه في الصف، فكانوا يلجؤون إليه في شرح الدروس، وحل الواجبات المدرسية، وأحيانًا يستعيرون دفاتره لينقلوا منها حلول المسائل التي كانوا يكلفون بها، خاصة في الرياضيات وقواعد اللغة العربية(النحو).
لم يكن يفكر يومًا أن يكره أحدًا، أو يدخل في عراك مع أحد. لكن ذات يوم، بعد انتهاء الدروس اعترض طريقه ابن صفه خشان. وهو من عائلة ثرية في المخيم، والده كان يعمل في الكويت، قوي الجسم أطول منه وأعرض، ويخشاه التلاميذ في المدرسة. وكان مشهورًا بكسله وغبائه.
سحب خشان حقيبته من على كتفه، وألقاها على الأرض، فتناثر ما فيها من كتب ودفاتر وأدوات مما توزعه وكالة الغوث. وراح يركلها بقدميه ويمنعه من جمعها، وإعادتها إلى الحقيبة. عندئذ تصدى له ورفع يده ليضربه، ولكنه أمسك بها وضربه على وجهه، وأسال الدم من شفتيه، اجتمع عليهما التلاميذ وخلصوه منه، وأنقذوا ما استطاعوا من كتبه ودفاتره.
عاد كقائد منهزم إلى البيت. عندما سألته أمه عمّا حدث. أجابها بأنه وقع على الدرج أثناء تدافع التلاميذ، وهم خارجون من الصف، عند نهاية الدوام. نظرت إليه نظرة غريبة، كأنها لم تصدق روايته. أكد أن ما قاله هو الحقيقة. سكتت، وهي تتعجب من هذه الوقعة، التي يُتورم فيها الوجه، وتُجرح الشفة.
عندما خلا بنفسه تعجب من أمر خشان. كيف اعتدى عليه، مع أنه لم يفعل غير أنه رفض قبل بدء الحصة بأن يسلمه دفتر الرياضيات لينقل منه الواجب الذي كلفهم به المعلم، وأعلمه بأن المعلم سيكتشف الأمر، ويعاقبهما على ذلك. كما لحسن الحظ فإن المعلم لم يفتش على الواجب، ومضى مباشرة في حل التمارين على اللوح.
لم يعد إلى حالته الطبيعية إلا عند مجيء ابن صفه عبد الجبار. جاء ومعه كرتونة بيضاء؛ كي يساعده على رسم خريطة للعالم العربي التي كلفه برسمها معلم الجغرافيا عاطف. أخبره بما حدث له مع خشان. غضب غضبًا شديدًا وقال إنه لوكان موجودًا لما سمح له بأن يفعل ما فعل. لكنه يعرف كيف يؤدبه.
مضى يرسم خريطة العالم العربي، وعبد الجبار يذم المعلم عاطف، ويقول إنه يطلب منهم رسم الخرائط، وهو نفسه لا يقدر على رسم خريطة البحر الميت، الذي يشبه حبة الفاصوليا كما يقول.
في صباح اليوم التالي التقى عبد الجبار وسارا معًا إلى المدرسة. شاهدا خشان ببوابة المدرسة. عندما انتهيا إليه ارتبك واحمر وجهه. سأله عبد الجبار عن سبب شجاره مع صاحبه. سأله بدوره عن سبب تدخله بينهما. هوى عبد الجبار بقبضته على خشان وبطحه، وهو يضربه بقدميه، دون أن يبدي مقاومة تذكر، ثم تركه وهو يهدد أن يقتلعه عن الأرض إن عاد إلى فعلته.
بعد هذه الواقعة، أدرك أن الأمر سهل؛ ما عليه ليحمي نفسه في المدرسة وفي الحياة إلا أن يعقد صداقات متينة مع الذين يستخدمون قبضاتهم قبل عقولهم، وذلك بأن يقدم إليهم المساعدات التي يقدر عليها، ولا يقدر الآن إلا على شرح بعض الدروس، وحل بعض تمارين الرياضيات، ورسم الخرائط. ثم عليه المشاركة في النشاطات المدرسية؛ فكل هذه الحركات والصفات تمنحه الحماية من التلاميذ الأشرار.
هكذا أحاط نفسه بعدد من التلاميذ الأقوياء، وجعلهم أصدقاءه في وقت الأزمات، وقوة يختزنها عند الطلب.
أذهله ما حدث ذات مساء.
تأخر في المدرسة ليشاهد مباراة في كرة القدم بين أعضاء نادي المخيم. انتهت المباراة. لم يعد أحد في المدرسة، ولم ير حارسها عمر. أحس بجمال الحديقة وهدوئها. رغب في أن يصعد شجرة السرو الوارفة حتى يمتحن مهارته في التسلق، ويشاهد أعشاش العصافير التي تتكاثر في أعلاها. بعد ابتعاده عن الأرض شعر بالخوف فعاد بسرعة. ارتعب عندما رأى مدير المخيم وحارس المدرسة في انتظاره. أمسك به عمر. أمر المدير بأن يذهب به إلى المخفر حتى يؤدبوه. توسل عمر بأن يطلق سراحه؛ فهو طفل صغير لوالدين على باب الله.
رأى أن كلام الحارس صحيح؛ فكل أبناء المخيم فقراء وعلى باب الله، لكن لا يدري إن كان يعرف والديه أم ادعى ذلك كي لا يسلمه إلى المخفر الذين لا يرحمون من يقع في أيديهم. الحمد لله! لان المدير لكلام الحارس، لكنه كسر غصنًا متطرفًا من الشجرة وناوله لعمر:
بعد يوم أو يومين، في طابور الصباح، وقف مدير المدرسة وبجانبه مدير المخيم وابنه الذي كان معصوب الرأس، وطلب من التلاميذ أن يتحروا عن تلك العصابة الذين اعتدوا على ابن مدير المخيم عصام، وضربوه وهو يلعب في ساحة منزلهم، وأن كل من يدلهم على الجناة له جائزة قيمة من المدرسة، وجائزة من مدير المخيم.
فرح لما حدث لابن مدير المخيم؛ حتى يعرف والده كيف يضرب أبناء الناس دون حق. لكن من هؤلاء الذين نفذوا تلك العملية الناجحة.
صارحه عبد الجبار عندما التقاه:
لكن ما حدث في نهاية الأسبوع كان غريبًا.
عاد من المدرسة، ودخل الشارع الذي يصعد إلى بيتهم. استقبله على رأس الشارع قريب له من جهة الأب، وراح يوبخه:
واصل بصعوبة سيره إلى البيت. وجد زوجة قريبهم تنتظره بالقرب من البيت. شدته من شعره كما تفعل المصارعات على الحلبة وطوّحته على الأرض. هرعت أمه على صراخه وكذلك نسوان الحارة، وبدأ شجار النساء وصراخهن؛ أما هو فتسلل إلى البيت.
انتهت المعركة النسوية، وعادت أمه سالمة. راحت تطمئن عليه، وتضع كمادات من الماء البارد على جسمه ووجهه.
حين خلا إلى نفسه غرق في الضحك، وسخر مما ألم به من ألم. هل أصبح زعيم المدرسة الخفي بلا منازع؟
لم يكن يفكر يومًا أن يكره أحدًا، أو يدخل في عراك مع أحد. لكن ذات يوم، بعد انتهاء الدروس اعترض طريقه ابن صفه خشان. وهو من عائلة ثرية في المخيم، والده كان يعمل في الكويت، قوي الجسم أطول منه وأعرض، ويخشاه التلاميذ في المدرسة. وكان مشهورًا بكسله وغبائه.
سحب خشان حقيبته من على كتفه، وألقاها على الأرض، فتناثر ما فيها من كتب ودفاتر وأدوات مما توزعه وكالة الغوث. وراح يركلها بقدميه ويمنعه من جمعها، وإعادتها إلى الحقيبة. عندئذ تصدى له ورفع يده ليضربه، ولكنه أمسك بها وضربه على وجهه، وأسال الدم من شفتيه، اجتمع عليهما التلاميذ وخلصوه منه، وأنقذوا ما استطاعوا من كتبه ودفاتره.
عاد كقائد منهزم إلى البيت. عندما سألته أمه عمّا حدث. أجابها بأنه وقع على الدرج أثناء تدافع التلاميذ، وهم خارجون من الصف، عند نهاية الدوام. نظرت إليه نظرة غريبة، كأنها لم تصدق روايته. أكد أن ما قاله هو الحقيقة. سكتت، وهي تتعجب من هذه الوقعة، التي يُتورم فيها الوجه، وتُجرح الشفة.
عندما خلا بنفسه تعجب من أمر خشان. كيف اعتدى عليه، مع أنه لم يفعل غير أنه رفض قبل بدء الحصة بأن يسلمه دفتر الرياضيات لينقل منه الواجب الذي كلفهم به المعلم، وأعلمه بأن المعلم سيكتشف الأمر، ويعاقبهما على ذلك. كما لحسن الحظ فإن المعلم لم يفتش على الواجب، ومضى مباشرة في حل التمارين على اللوح.
لم يعد إلى حالته الطبيعية إلا عند مجيء ابن صفه عبد الجبار. جاء ومعه كرتونة بيضاء؛ كي يساعده على رسم خريطة للعالم العربي التي كلفه برسمها معلم الجغرافيا عاطف. أخبره بما حدث له مع خشان. غضب غضبًا شديدًا وقال إنه لوكان موجودًا لما سمح له بأن يفعل ما فعل. لكنه يعرف كيف يؤدبه.
مضى يرسم خريطة العالم العربي، وعبد الجبار يذم المعلم عاطف، ويقول إنه يطلب منهم رسم الخرائط، وهو نفسه لا يقدر على رسم خريطة البحر الميت، الذي يشبه حبة الفاصوليا كما يقول.
في صباح اليوم التالي التقى عبد الجبار وسارا معًا إلى المدرسة. شاهدا خشان ببوابة المدرسة. عندما انتهيا إليه ارتبك واحمر وجهه. سأله عبد الجبار عن سبب شجاره مع صاحبه. سأله بدوره عن سبب تدخله بينهما. هوى عبد الجبار بقبضته على خشان وبطحه، وهو يضربه بقدميه، دون أن يبدي مقاومة تذكر، ثم تركه وهو يهدد أن يقتلعه عن الأرض إن عاد إلى فعلته.
بعد هذه الواقعة، أدرك أن الأمر سهل؛ ما عليه ليحمي نفسه في المدرسة وفي الحياة إلا أن يعقد صداقات متينة مع الذين يستخدمون قبضاتهم قبل عقولهم، وذلك بأن يقدم إليهم المساعدات التي يقدر عليها، ولا يقدر الآن إلا على شرح بعض الدروس، وحل بعض تمارين الرياضيات، ورسم الخرائط. ثم عليه المشاركة في النشاطات المدرسية؛ فكل هذه الحركات والصفات تمنحه الحماية من التلاميذ الأشرار.
هكذا أحاط نفسه بعدد من التلاميذ الأقوياء، وجعلهم أصدقاءه في وقت الأزمات، وقوة يختزنها عند الطلب.
أذهله ما حدث ذات مساء.
تأخر في المدرسة ليشاهد مباراة في كرة القدم بين أعضاء نادي المخيم. انتهت المباراة. لم يعد أحد في المدرسة، ولم ير حارسها عمر. أحس بجمال الحديقة وهدوئها. رغب في أن يصعد شجرة السرو الوارفة حتى يمتحن مهارته في التسلق، ويشاهد أعشاش العصافير التي تتكاثر في أعلاها. بعد ابتعاده عن الأرض شعر بالخوف فعاد بسرعة. ارتعب عندما رأى مدير المخيم وحارس المدرسة في انتظاره. أمسك به عمر. أمر المدير بأن يذهب به إلى المخفر حتى يؤدبوه. توسل عمر بأن يطلق سراحه؛ فهو طفل صغير لوالدين على باب الله.
رأى أن كلام الحارس صحيح؛ فكل أبناء المخيم فقراء وعلى باب الله، لكن لا يدري إن كان يعرف والديه أم ادعى ذلك كي لا يسلمه إلى المخفر الذين لا يرحمون من يقع في أيديهم. الحمد لله! لان المدير لكلام الحارس، لكنه كسر غصنًا متطرفًا من الشجرة وناوله لعمر:
- اضربه حتى يحافظ على شجر المدرسة، ولا يعتدي على طيورها.
- قال محتجًا:
- أنت أسأت إلى الشجرة أكبر من إساءتي. أنا تسلقتها بلطف أما أنت فكسرت غصنًا منها.
- قال المدير بغضب:
- كما توقعت. لا يستحق الرأفة!
- لم ينتبه إلا وعمر يضربه بالغصن ويركله بقدمه، ويصرخ به:
- انصرف إلى بيتكم يا كلب!
- ابتعد مسرعًا.
بعد يوم أو يومين، في طابور الصباح، وقف مدير المدرسة وبجانبه مدير المخيم وابنه الذي كان معصوب الرأس، وطلب من التلاميذ أن يتحروا عن تلك العصابة الذين اعتدوا على ابن مدير المخيم عصام، وضربوه وهو يلعب في ساحة منزلهم، وأن كل من يدلهم على الجناة له جائزة قيمة من المدرسة، وجائزة من مدير المخيم.
فرح لما حدث لابن مدير المخيم؛ حتى يعرف والده كيف يضرب أبناء الناس دون حق. لكن من هؤلاء الذين نفذوا تلك العملية الناجحة.
صارحه عبد الجبار عندما التقاه:
- انتقمت لك من ابن المدير، وكنت الوحيد مساء أمس في ضيافتهم. كان الدرس لوالده حتى لا يحتقر الناس أو يعذبهم، أو يهددهم بالمخفر. لا يمكن أن يمر ما فعله بك دون رد.
لكن ما حدث في نهاية الأسبوع كان غريبًا.
عاد من المدرسة، ودخل الشارع الذي يصعد إلى بيتهم. استقبله على رأس الشارع قريب له من جهة الأب، وراح يوبخه:
- لم يبق غير أن تدفع الهمل إلى أن يضربوا ابني، وتقولوا إنكم أقاربنا! فشرتم أن تقربوا لنا!
- والله يا عم لا أدري ما جرى لابنك!
- كذاب!
واصل بصعوبة سيره إلى البيت. وجد زوجة قريبهم تنتظره بالقرب من البيت. شدته من شعره كما تفعل المصارعات على الحلبة وطوّحته على الأرض. هرعت أمه على صراخه وكذلك نسوان الحارة، وبدأ شجار النساء وصراخهن؛ أما هو فتسلل إلى البيت.
انتهت المعركة النسوية، وعادت أمه سالمة. راحت تطمئن عليه، وتضع كمادات من الماء البارد على جسمه ووجهه.
حين خلا إلى نفسه غرق في الضحك، وسخر مما ألم به من ألم. هل أصبح زعيم المدرسة الخفي بلا منازع؟